تجربة كردستان تمنع تقسيم سوريا لا تقاسمها

مضى اسبوع على مطالبة حكومة الرئيس السوري بشار الاسد تركيا بالانسحاب الفوري وغير المشروط لقواتها المنتشرة في محافظة ادلب شمال غرب البلاد، والتي دخلتها قبل تسعة ايام في اطار جهود انشاء مناطق خفض التصعيد بالاتفاق مع دول استانا، اي ايران وروسيا، من دون ان تعمد قوات النظام الى محاولة الاشتباك مع القوات التركية لارغامها على الانسحاب.

لم تعطِ ايران وروسيا موافقتهما على دخول تركيا ادلب من دون وضع النظام في الصورة، لكنه احرج بين الصمت على دخول تركيا وعدم ابدائه اي رد فعل ومطالبتها بانسحاب قواتها، ولو انه مدرك ان كلامه لن يُصرف واقعيا. فكان يبيع السوريين بعضا من هيبة لم تعد موجودة فعلا، اذ لم ينتبه احد للانذار السوري ولم يعلّق عليه احد، علما انه في الاسبوع نفسه قام وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو بزيارة مهمة الى اسرائيل وزع على اثرها انه فاوض على اعطاء اسرائيل ضمانة تراجع قوات ايران و”حزب الله” مسافة تراوح ما بين 10 و15 كيلومترا جنوب سوريا فيما كانت تطالب بـ40 كيلومترا. وهذه المسافة سبق لاسرائيل ان حصلت على ضمانتها بالاتفاق الاميركي – الروسي في هامبورغ واعادت روسيا تكريسه بحدود محددة اكثر، ما كرّس حزاما امنيا يذكّر اللبنانيين بذلك الذي حددته اسرائيل لنفسها في جنوب لبنان مدة اكثر من عقدين قبل طردها منه.

ردّت ايران على انتكاسة حليفها الرئيس السوري ازاء هذين التطورين المتتاليين بزيارة رئيس اركان الجيش الايراني محمد باقري للاسد واطلاق تحذير من دمشق لاسرائيل ازاء خرق المجال الجوي السوري على اثر قصف اسرائيل بطارية صواريخ قرب العاصمة السورية. وهذه التطورات تسارعت خلال ايام بالتزامن مع اعلان الرئيس الاميركي استراتيجيته ضد ايران وكلام مسؤولين اميركيين عن ارسال واشنطن بعثات عسكرية الى حلفائها او شركائها في المنطقة من اجل التصدي لتوسع النفوذ الايراني، فيما سارعت المملكة العربية السعودية الى ارسال مسؤول شؤون الخليج ولبنان الوزير ثامر السبهان الى الرقة في اول اطلالة علنية لمسؤول سعودي في مناطق سورية محررة من تنظيم “الدولة الاسلامية” بدعم اميركي- كردي. هذه الزيارة التي قد تضع اللبنة الاولى لدور سعودي حتمي يوازن دور تركيا من جهة وايران من جهة اخرى التي كانت تندفع مع النظام من اجل طرد “داعش” من الرقة وتسجيل الانتصار في حسابها، فلم تنجح واستبدلت دفع الحشد الشعبي في اتجاه استعادة كركوك من الاكراد. وبين الحزام الامني لاسرائيل والحزام الامني الآخر لتركيا وكذلك للاردن والوجود العسكري الايراني والروسي والاميركي والذي يتم فرز الواقع السوري على اساسه، تجزم مصادر سياسية ان الواقع السوري سيبقى مسرح عمليات اقليمية ودولية حتى إشعار آخر. فثمة عامل ثابت حتى الان هو ان ايران وروسيا ثبتتا بقاء الاسد في المرحلة الراهنة، لكن السؤال في المقابل هو: ما الذي بقي من سوريا فعلا؟ ولا حاجة الى القول ان اندفاع فريق لبناني قبل اسابيع الى الجزم بانتصار محور”الممانعة” في سوريا في اعقاب ادارة اخراج عناصر تنظيم “داعش” من الجرود اللبنانية كان استباقيا في غير محله على رغم ادراك جميع المسؤولين المعنيين ان المسألة لا تخرج عن اطار بروباغندا نفسية سياسية مرحلية لان الوضع في سوريا متقلب وكذلك الوضع الاقليمي ككل، من دون ان ينفي ذلك محاولة توظيف هذا الامر في الواقع الداخلي في لبنان لوكان ذلك صحيحا. فهذا تفصيل وإن كان معبّرا عن منحى اقليمي معيّن يقول مسؤولون معنيون ان لجمه او عدم تماديه في الداخل تم نتيجة استدراك ان المسألة لم تبدُ فعلا كما تم تصويرها حتى في الشكل. ومع ان هذا الامر تفصيل في سياق ما يجري، الا ان الاتجاه لاعلان انتصار النظام على نحو مبكر لم يقتصر في الواقع على الحلفاء اللبنانيين واستدعى تعليقات على نطاق دولي ايضا.

 

ومع ان المسؤولين الروس يدفعون بمنطق استعادة النظام سيطرته على قسم كبير من الاراضي السورية او بانتهاء الحرب في سوريا، فان ديبلوماسيين معنيين لا يرون ذلك حاصلا في الواقع انطلاقا من ان الحرب لا تنتهي بوقف العمليات القتالية المباشرة بل بحل سياسي. وهذا لا يلوح في الافق في انتظار اتفاق اميركي- روسي لا يتصل بسوريا بل بجملة ملفات عالقة، من الدرع الصاروخية الى ضم القرم وملفات كثيرة بينهما من دون حل. وفي الانتظار فان مشهدا لواقع تقاسم سوريا يرتسم مع بقائها مسرحا لعمليات عسكرية وامنية وإن لم يؤدِّ ذلك الى تقسيمها على قاعدة ان التصدي الاخير الحاسم لاستفتاء كردستان العراق يوجه رسالة جامعة من الدول الكبرى والاقليمية بالتلاقي على منع تقسيم دول المنطقة في المرحلة الراهنة حتى لو ان الاكراد هم من دفعوا الثمن بداية بناء على التحالفات التي يقيمونها مع دول مؤثرة كالولايات المتحدة وروسيا وسواهما من الدول الاقليمية. لكن في المقابل فان الواقع السوري سيتعين عليه ان يشهد وبغض النظر عن امكان اتفاق النظام والمعارضة على حكم سوريا وفق ما خرج اخيرا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين باقتراح في هذا الصدد، جملة وقائع على خلفية استمرار مواقع النفوذ الاقليمية كما استمر اولا الحزام الامني الاسرائيلي في جنوب لبنان، وكما استمرت ثانيا الوصاية السورية على لبنان، وكما استمر ثالثا النفوذ الايراني والتلاقي السوري – الايراني عبر “حزب الله” واستمراره حتى الان، والذي يشكل وجود الحشد الشعبي في العراق وجها من وجوهه، اي النفوذ الايراني، والذي أُجبر العراق على تشريعه فطغى على وجود قوات عسكرية عراقية.

روزانا بومنصف / النهار اللبنانية[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها