سوريا : بدأت حرب التسوية

بعدما عرض الرئيس بوتين أمام الأسد إنجازات جيشه في سوريا والنجاحات المحققة فوق الميدان، دعاه للتعرف على الجنرالات الروس الذين خاضوا الحرب السورية! بحرارة شكرهم الأسد معترفاً بفضل كل واحدٍ منهم، موحياً أنه معهم بمثابة قائد الفيلق السوري في الجيش الروسي وشريك لهم فيما تم تحقيقه.

تلا الاستعراض المدبر اللافت في مغزاه، الحديث الحقيقي، فأسمع بوتين ضيفه ما مفاده أن العملية السياسية ستبدأ انطلاقاً من انتهاء الحرب على «داعش» وبدء تفكيك «النصرة»، واستناداً إلى عملية احتواء الصراع الداخلي المسلح في مناطق «خفض التصعيد».
كان حديث الرئيس الروسي شاملا، وأراد أن يُسمع لدى الحلفاء وكل الشركاء في إنجاز التسوية السياسية في سوريا، لذا كان معبراً عن تشديده على أن العملية السياسية تتطلب تسويات وتنازلات من جميع المشاركين بما في ذلك النظام السوري، وأن معايير البنية المستقبلية للدولة السورية ينبغي أن ترتكز إلى دستور جديد، تتم على أساسه انتخابات رئاسية وبرلمانية برعاية أممية.

الحديث الروسي الذي انطلق من انتهاء الحرب على الإرهاب، رأى أن سوريا أمام ثنائية جديدة تقوم على نظام تقابله معارضة، والسقف السياسي لكل ما ردده الرئيس الروسي لم يخرج عن جوهر بيان فيتنام الأميركي – الروسي الذي ركز على ضرورة الإصلاح السياسي، مستبعداً الآن عملية الانتقال السياسي، بما معناه أن الأسد باقٍ ولو إلى حين، وهذا ما توقف عنده مؤتمر الرياض للمعارضة السورية الموحدة، التي وإن تمسكت بمبدأ خروج الأسد في بداية المرحلة الانتقالية، وهذا أمر بالغ الأهمية، فإنها ذهبت إلى جنيف واضعة جانبا كل الشروط السابقة، وهي تعلم أن النقاش في الدستور، كما النقاش في الانتخابات والآليات التي سيتم اعتمادها، سيمر حتماً على كثير من جوانب المرحلة الانتقالية، أو المبادئ العامة التي ستحكم مستقبل سوريا.

تلكأ وفد النظام السوري في الذهاب إلى «جنيف – 8» وناور، لكنه حضر في نهاية المطاف، ثم انسحب، في خطوة أشبه بمكابشة واحراج مباشر لروسيا قبل سواها.

استخدمت موسكو سوريا منصة لعودة روسيا إلى المسرح العالمي بوصفها دولة كبرى، وهي في سبيل ذلك كل تحالفاتها تكتيكية تتبدل وفق مصالحها، وخطط روسيا بوصفها دولة «ضامنة»، وإرادة الزعيم الروسي الإطلالة بوصفه أحد «صنّاع السلام»، هي نتيجة لتحقيق انتصار روسي صريح، حيث بات كل شيء محكوما بمشيئة موسكو. لذلك عندما تستبق الخارجية السورية «جنيف – 8» بوضعها سقفاً منخفضاً لجدول أعمال جنيف بأنه سيناقش مواد في الدستور الحالي، دستور الأسد لعام 2012، وسيتعرض للبحث في انتخابات تشريعية دون الإشارة للانتخابات الرئاسية، يأتي الرد من الوزير لافروف بأن جدول أعمال جنيف يتضمن الإصلاح الدستوري والتحضير لانتخابات رئاسية وبرلمانية برعاية دولية.

باختصار، الحرب على الإرهاب انتهت و«الرياض 2» وحّد المعارضة بنسبة كبيرة، والموقف الأميركي، المدعوم روسياً، الذي يقضي بتوسيع الوفد المعارض ليضم ممثلين عن «قوات سوريا الديمقراطية» (الأكراد)، لا بد أن تتم معالجته بنهاية المطاف مع المعارضة ومع الجانب التركي، وربما كان لهذا الموضوع بعض التأثير على تأخير جولة المفاوضات الجديدة، لأن موسكو عبر الناطق الرئاسي رأت أن «هذه المباحثات أساسية ولا بد من مشاركة الجميع فيها وهذه المشاركة هي ضمان لصلاحية تلك الاتفاقات التي يتعين التوصل إليها».

إن رأس النظام السوري مدرك أنه مع بدء المباحثات الجدية سيتم وضع مصيره على الطاولة، ولا بد أنه بدأ يتحسس رقبته منذ عودته من سوتشي، وهو يعرف أكثر من سواه أن كل نصائح طهران التي تنطلق من هاجس السيطرة والنفوذ لن تغير كثيراً في النتائج، ومهما تردد من أن ما تحقق فوق الميدان السوري وفّر أرضية لتسوية، على قياس مصالح النظام السوري وطهران، لا يتجاوز كونه حلم ليلة صيف، فالروسي موجود بقوة، وهو من قدم التزامات الحل السياسي، حيال أنقرة وحيال الرياض، كما حيال واشنطن والمجتمع الدولي.
اليوم مع أن كل المطروح ليس عادلاً لجهة إحقاق حقوق السوريين، فأوراق التسوية ليست على مسارٍ واحد، وكذلك ما من جهة تستطيع معرفة المدى والمراحل لبلوغ التسوية، وليس سراً أن موسكو التي ترعى مسار «آستانة» وتتمسك بإطلاق مسار «سوتشي»، ستتابع مخططها في جعل «جنيف» مجرد غطاء لتسوية أخرى تعمل لها، تسوية تكون أولاً وقبل أي أمر آخر على قياس المصالح الروسية، لكن المشكلة التي تعترض المنحى الروسي، تكمن في أنها بحاجة لتفاهم ما مع أميركا، وهو أمر لا يبدو أنه قريب، فلا أميركا وضعت لها سياسة ورؤية للمنطقة، ولا الوضع الأميركي الداخلي والتصدعات على خلفية ما أُعلن عن تدخل روسي في الانتخابات الأميركية، يتيح للرئيس ترمب عقد قمة كاملة مع الرئيس بوتين… لأجل ذلك ليس معروفاً بعد الزمن الذي ستستغرقه حرب التسوية.
رغم كل القتل والاقتلاع والتغيير الديموغرافي، فإن انتهاء الأعمال القتالية، رغم ما تتعرض له الغوطة، أمر كبير في حدِّ ذاته، فسوريا لم تتفكك ولم تتشظ وإن واجهت الفوضى المخيفة، والانتصار الروسي لم يشطب مطالب السوريين، والبحث السياسي آتٍ، وسيوفر الأرضية لاستكمال ملفات سوق المجرمين الكبار والمتدخلين معهم للعدالة الدولية.

حنا صالح – الشرق الأوسط[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها

تعليق واحد

  1. الحرب على الارهاب.
    الحرب على الارهاب.
    و كلنا نعلم انها كانت حرب على الشعوب و الاسلام.
    كفانا كذب على أنفسنا فهي لم تكن ساعة حرباً على الارهاب.