تقسيم سوريا.. تقسيم إيران
في عامها الخامس دخلت سوريا ما يسمى عام رسم الخطوط. رسم خطوط نفوذ اللاعبين الإقليميين فيها. كان عام 2011 هو عام المتظاهر السوري، وعام 2012 هو عام المقاتل السوري، حين بدأت الثورة تتعسكر بدفع من جرائم النظام. وكان عام 2013 عام بداية ضياع الثورة وتسرب العامل التطرفي الديني إليها. ثم جاء عام 2014 ليكون بين أفضل أعوام نظام بشار الأسد منذ بداية الثورة. فيه تقدم الأسد على جبهات أساسية. وفيه انهارت كل محاولات توحيد المعارضة لا سيما العسكرية بعد أن ذوت التشكيلات التمثيلية السياسية للثورة. وهو عام الأوهام الكبرى أيضًا. فيه ظن الأسد ومحور المقاومة أن باستطاعتهم العودة بسوريا إلى الوراء. إلا أن كل انتصار للأسد كان يدفع قدمًا بقوى أكثر فتكًا بسوريا الحديثة وبحدودها وكيانها وهويتها الوطنية، لا سيما «داعش». وما جاء عام 2015 حتى كانت هذه القوى تحتل أكثر من نصف سوريا دافعة الجميع إلى إعادة رسم الأولويات والخطوط، إما تمهيداً للتفاوض، وإما لإدارة حرب أهلية طويلة أو توطئة لتقسيم سوريا وتثبيت خطوط النفوذ كخطوط دول جديدة.
يحدث أنه في هذا العام تحديدًا تعلن إيران عن تدخلها المباشر في سوريا، عبر وجود عسكري سافر للحرس الثوري. ما يعني أن سوريا تتحول تدريجيًا، باحتمالاتها المستقبلية إلى مشكلة إيرانية مباشرة.
الواضح أن إيران أقنعت الأسد بمنطق لعبة رسم الخطوط، وأن أولويته يجب أن تكون حماية سوريا الساحلية وامتدادها اللبناني. غير أن هذا الحل المؤقت في سوريا هو تمهيد لمشكلة إيرانية عميقة على المديين المتوسط والبعيد.
فلعبة رسم الخطوط التي قد تنتهي بالتقسيم، أو بتثبيت خطوط تماس واضحة بين كيانات سورية غير معلنة، والدور الإيراني المباشر فيها، سيفعِّلان الأمزجة الانفصالية الناهضة في إيران.
لطالما قامت آيديولوجيا الدولة في إيران على قاعدة الوحدة الوطنية ثم الوحدة الإسلامية، لإدارة مجتمع متعدد إثنيًا، على حساب خصوصيات التنوع. وقد ورثت الثورة الخمينية هذا البعد في تكوين شخصية الدولة الإيرانية عن دولة الشاه، الذي بالغ في انحيازه إلى تشكيل دولة قومية إيرانية.
كان لافتا مثلاً، خلال إحياء الذكرى 26 لوفاة مؤسس الجمهورية الإسلامية الإمام الخميني تركيز كل من الرئيس حسن روحاني والمرشد السيد علي خامنئي، على «الوحدة الوطنية». فدعا روحاني إلى «وحدة الأمة» في مواجهة من سماهم «الأعداء» الذين يريدون بث الشقاق بين المجموعات والديانات. من جهته شدد خامنئي على أن «أحد محاور تفكير الإمام هو الوحدة الوطنية»، محذرًا من «المؤامرات الرامية إلى التقسيم على أساس الدين بين الشيعة والسنة وعلى أساس قومي».
هاجس الوحدة الوطنية هذا لا يرتبط بوحدة الرؤية بين مكونات النظام السياسي وخياراته السياسية. الواضح أن الرجلين يعبران عن هواجس أعمق، على صلة مباشرة بالوحدة الاجتماعية والوطنية بين مكونات الشعب الإيراني، على ما يكشف التناول العلني للإثنيات والقوميات والمذاهب.
فالكلام يتزامن مع تحول إيران مسرحًا لانفجار خصوصيات مكوناتها الإثنية بشكل لافت في الأسابيع والأشهر الماضية. ولعل أخطر هذه الانفجارات أعمال الشغب العنيفة، التي شهدتها مدينة مهاباد، عاصمة أول جمهورية للشعب الكردي، والواقعة شمال إيران.
انتفاضة الأكراد، أشعلها انتحار الشابة الكردية، فريناز خسرواني، لتجنب التعرض للاغتصاب على يد ضابط أمن إيراني، لكنها ما لبثت أن تحولت إلى مظاهرات سياسية تعبر عن نقمة الأكراد على السلطات الإيرانية، وحرمانهم من حقوقهم القومية والثقافية والإنسانية على حد تعبير نشطاء أكراد.
إلى ذلك كان إقليم بلوشستان السني، جنوب شرقي إيران، مسرحا لأحداث دامية خلال الأشهر الماضية بين مسلحين من تنظيمات بلوشية معارضة من جهة، والحرس الثوري وشرطة الحدود الإيرانية من جهة أخرى. كما خرج، بالتوازي مع انتفاضة الأكراد متظاهرون بلوش في ضواحي مدينة إيرانشهر في منطقة محمدان، تحولت إلى اشتباكات واحتجاجات دامية، في سياق انفجارات متزامنة للهويات الفرعية الإيرانية.
وإذا كانت محفزات القومية الكردية في إيران أعمق من محفزات القومية العربية، فإن هذه الأخيرة وجدت في صعود «قومية عربية» جديدة حملتها عاصفة الحزم السعودية في اليمن في مواجهة النظام الإيراني، دافعًا لها للتعبير عن خصوصيتها، وسط مناخ ملائم وجاهز للاستماع إلى مطالبها.
فقد استغل الأحوازيون، سكان الإقليم ذي الغالبية العربية شمال غربي إيران، مناخ عاصفة الحزم ليعلنوا عبر مواقع التواصل الاجتماعي «ثورة الأحواز المسلحة في إيران». وما لبثت أن اندلعت أعمال شغب كبيرة ومظاهرات في مدينة الأحواز الإيرانية، عقب مباراة كرة قدم بين فريقي الهلال السعودي وفولاذ خوزستان الإيراني، شجع في خلالها الجمهور العربي الإيراني فريق الهلال السعودي في واحدة من أوضح الرسائل بخصوص الصراعات القومية وصراعات الهوية بين المكونات الإيرانية. كرة القدم كانت مناسبة للتعبير عن خصوصية أخرى لم تلق تغطية إعلامية مماثلة للأحواز. ففي إثر الخلاف على نتيجة إحدى مباريات الدوري الإيراني الممتاز، ثارت جماهير فريق تراكتور سازي تبريز الذي يعد رمزًا قوميًا للأتراك في إيران، لا سيما في إقليم أذربيجان شمال غربي البلاد. وغالبًا ما تشكل هذه المباريات منصة للجماهير التركية الإيرانية للتعبير عن شعارات سياسية وقومية مطالبة بحقوق الأذربيجانيين من الحكومة المركزية.
هذا المزاج الإيراني الذي يتراوح بين مزاج الخصوصية الحادة والمزاج الانفصالي، سيضيق الخيارات الإيرانية الواقعية في سوريا، التي تتراوح بين إدارة حرب أهلية طويلة، وبين خيار التقسيم. في الحالة الأولى ستكون إيران أمام استنزاف خطير ومتنامٍ لمواردها ولأموال الشعب الإيراني. وفي الحالة الثانية، أكان تقسيمًا نهائيًا أم فيدرالية حادة، ستكون إيران غارقة في خيار سوري لن تستطيع مقاومته في إيران نفسها، بحيث سيكون التقسيم في سوريا مقدمة لتفعيل خيارات التقسيم في إيران.
نديم قطيش – الشرق الأوسط
[ads3]
يخطئ من يظن أن بإمكان إيران أن تبقى بمعزل عما يجري في الدول المجاورة …
إيران تظن أنها تقدم نفسها كلاعب في القضايا العربية وقضايا الدول المجاورة لها ناسية أنها ستكون ملعباً لقضايا سيشارك فيها لاعبون من خارج إيران ..
أعتقد أن صافرة البداية لتلك الأحداث التي ستشهدها إيران ستكون التوصل إلى اتفاق نووي مع دول الغرب .. بحيث يغلق ملف النووي ليتم البدء في قضايا جديدة سيكون أولها الأقليات في إيران ..