هل الولايات المتحدة حليفة للأكراد ؟

طوال عقودٍ طويلة ظلّت الولايات المتحدة الأميركيّة تَحْكُمُ العالمَ بالشراكةِ مع الاتحاد السوفياتيّ السابق، وبقيتا تتحكمان بمصير الشعوب والدول، ومنها منطقة الشرق الأوسط، وأدارتا ملف أقلياتها العرقيّة والدينيّة والطائفيّة، أمّا بعد تفكُّك الاتحاد السوفياتيّ عام 1990 فبقيت تُدير العالم بمفردها.

في الملفّ الكُرديّ مثلاً، كان دعم واشنطن الثورات والانتفاضات الكُرديّة مرتبطاً بعلاقتها مع الأنظمة الحاكمة لدول تلك الثورات، فموقفها من الأكراد زمن إيران الشاه مختلفٌ كليّاً عن اكراد إيران ما بعد الثورة الإسلاميّة، والعلاقة بينها وبين الأكراد في عهد صدام حسين لايشبه نظيرتها مع كُرد ما بعد الاحتلال الأميركيّ للعراق عام 2003.

في سورية كان الموقف معقداً أكثر، فما مِنْ حِراكٍ كُرديٍّ فعليّ في سورية قبل 2004 والذي شَهِدَ خروج الأكراد في تظاهراتٍ غير مسبوقة ضدّ حكومة الرئيس السوريّ بشار الأسد، ووقوع اشتباكات حَمَلَتْ طابعاًعرقيّاً.

الحالةُ الأكثر بروزاً لدى أكراد سورية كانت بعد الحرب السوريّة الممتدة منذ 2011 وما رافقها من فصولٍ دراميّةٍ بدأتْ بتظاهراتٍ سِلميّة، سرعان ما تحوّلتْ إلى صراعٍ مسلح.

عوّلت الولايات المتحدة على المعارضةِ المدعومةِ من حلفائها التقليديين في المنطقة، في مقابل محورٍ ضَمّ الحكومة السوريّة وإيران، بقيادة روسيا الاتحاديّة وبدرجة أقل الصين.

عنصرٌ مهم في السياسة الأميركيّة في الشرق الأوسط يكادُ يكون بوصلتها في كل صراعات المنطقة، ألا وهو العامل الإسرائيليّ الذي ما من سياسة أميركيّة إلا وتكونُ تل أبيب هي عاملها الأبرز.

عانت الولايات المتحدة الأميركيّة من تشرذمِ المعارضاتِ السوريّة، واختلافِ ولاءاتها نتيجةَ خلافاتِ الدول الداعمةِ لها، وبروزِ نجمِ التنظيمات المتطرفة، ولعلّ الدعم الأميركيّ وحدات حماية الشعب (الكُرديّة) عقب سيطرة «تنظيم الدولة» على السواد الأعظم من مدينة كوباني/عين العرب شمال سورية، قد شكّل نقطة تحول في علاقة واشنطن بحزب الاتحاد الديموقراطيّ اليساريّ اللينيني المُشْبَع بثقافة معاداة الرأسماليّة!

التحالف الجدليّ هذا توطّد عسكريّاً بصورة متزايدة، حيث توّجب السيطرة على كوباني أولاً، ولاحقاً منبج، مروراً بتل أبيض، وانتهاءً بالرقة عاصمة التنظيم، متبوعاً بأجزاء ديرالزور الواقعة شرق نهر الفرات؛ وفقاً لتفاهمات أميركيّة روسيّة تَضْمَنُ نفوذَ واشنطن عليها، إضافة إلى مدينة منبج، مقابل نفوذ روسيا وحلفائها على بقية الجغرافيا السوريّة، إضافةً لوجودٍ عسكريّ وأمنيّ في مدينتي القامشلي والحسكة، لكن السؤال الأهم هنا: لماذا تدافع الولايات عن الأكراد؟ وهل تدافع عنهم فعلاً؟

اقتصر الدعم الأميركيّ لكُرد سورية على الجانب العسكريّ فقط، ولم تُقْدِم إدارة الرئيس الأميركيّ السابق باراك أوباما على أيّة خطوة سياسيّة داعمة لـ «الإدارة الذاتية الديموقراطيّة»، بل كانت من أوائل الدول التي أعلنتْ رفضها الاعتراف بالفيديراليّة الموسومة بالكُرديّة، أما إدارة الرئيس الحالي دونالد ترامب فزادتْ من دعمها

العسكريّ في شكل لافت، وبلغت ذروتها عبر إعلان وزارة الدفاع (البنتاغون) زيادة الموازنة المقدمة لـ «قوات سورية الديموقراطيّة» والمساهمة الماليّة واللوجستيّة لإنشاء قوات حرس حدود على طول الضفة الشرقيّة لنهر الفرات، وكذلك امتداد الحدود مع تركيا والعراق.

ولكن ما لبث أنْ فاجأ ترامب حلفاءه بعزمه الانسحاب قريباً جداً من سورية، وإيكال مهمة الاهتمام بشؤونها إلى مَن سماه «الآخرين»، وكان كلامه واضحاً من جهة غياب الأهميّة الإستراتيجيّة لهذه المنطقة بالنسبة إلى واشنطن، حين قال: «أنفقنا سبعة تريليونات دولار في الشرق الأوسط. هل تعلمون ما الذي حصلنا عليه لقاء ذلك؟ لاشيء».

دعمت الولايات المتحدة، إقليم كُردستان العراق منذ عام 1990 لسببين رئيسيين، أولهما، إضعاف نظام الرئيس السابق صدام حسين، وثانيهما، الحدود المشتركة بين الإقليم وإيران؛ فواشنطن إنما أرادت أنْ يكون لها حدودٌ مع طهران – عبرالإقليم الكُرديّ – تكون عامل ضغط عليها.

في سورية يبدو الأمر مختلفاً فلا حدود جغرافياً للمناطق ذات الغالبية الكُرديّة، مع إيران، بل مع الحليفة الأطلسية تركيا – على رغم التبايناتِ في السنوات الأخيرة – وعليه فلا أهمية إستراتيجية لهذه المناطق بالنسبة إلى الولايات المتحدة، فالذي دعا إدارتي الرئيسين أوباما ودونالد ترامب لتقديم الدعم لـ «قوات سورية الديمقراطيّة» وقبلها «وحدات حماية الشعب» إنما كان لقطع الطريق أمام امتداد إيران في سورية، وذلك عبر الحدود السوريّة العراقيّة، وهذا كان محالاً أنْ تقوم به «سورية الديموقراطيّة» بسبب طول مسافة الحدود أولاً، والعلاقة التاريخية بين إيران وحزب العمال الكردستانيّ (الحليف العضويّ لحزب الاتحاد الديموقراطيّ، الذي يمثِّل القوات الكُرديّة سياسياً).

وعليه فإنّ واشنطن كانت تتعامل مع الملف الكُرديّ السوريّ وفق سياسة تسمين العجول، وبيعها في نهاية المطاف للدول الراغبة فيها.

آلان حسن – الحياة[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها