سوريا و خرافة تعافي النظام

ما يجري في سورية لا يدفع إلى الاعتقاد بأن النظام سيتعافى وسيخرج آمناً غانماً من المحنة الهائلة التي أصابت السوريين، وأصابت كل أطراف النزاع في ذلك البلد. لكن، وفي موازاة هذا الاعتقاد، لا يبدو أن ثمة أفقاً يُستعاض فيه عن حال الاستعصاء هذه.

النظام لم ينتصر، بل إنه يترنّح كل يوم. الاتفاق الروسي – التركي على إدلب علامة على ترنّحه. عجزه عن الإتيان بأي رد فعل حيال الغارات الإسرائيلية اليومية علامة ثانية على هذا الترنح. إقصاؤه عن إدارة الحياة اليومية في درعا ومحافظتها وتولّي الشرطة الروسية المهمة، دليل آخر على شعور حلفائه بأنه قاصر ولا يصلح للحكم. اقتسام الإيرانيين والروس المهام الفعلية عنه صار جزءاً من مشهد عادي في سورية.

مَن هذه حاله يُنتظر منه أن يحكم، لا بل أن يحكم الذين بينه وبينهم أنهار من الدماء؟ هو لا يملك من عدة الحكم إلا السوط، وربما يملك أيضاً يأس القاعدة الاجتماعية التي انتفضت عليه. وفي مقابل عدة السلطة هذه، يعيش النظام أغرب حال يمكن أن يعيشها نظام مشابه. لقد أفقدت الغارات اليومية الإسرائيلية نظام البعث الخطاب الجوهري لحكمه. والإهانات السيادية التي يتولى الروس توجيهها إليه يوماً بعد يوم لم تعد تُخفى على أقرب الموالين له. كل الاجتماعات المتعلقة بمستقبل سورية لا يبدو أن له مكاناً فيها. يقول الروس والأتراك أن الحملة على إدلب لم يعد موعدها وشيكاً، فيلتزم الجيش العربي السوري بهذا القول وينكفئ لمسافة العشرين كيلومتراً التي حددها الاتفاق بين فلاديمير بوتين ورجب طيب أردوغان.

«النظام في صدد التعافي»! هذه مقولة أثيرة نسمعها على نحو مثابر في السنتين الأخيرتين. النظام يذوي كل يوم أكثر. طائرات تقصف في سورية من كل حدب وصوب. وهو إذا فقد القدرة على ضبط المشهد راح يتصدى لطائرات «حليفة»، أسقط منها واحدة في اللاذقية مؤخراً، لكنه لم يتمكن من النيل من الطائرة الإسرائيلية. هذه ليست معادلة ساخرة. السخرية لا تصلح لوصف نظام على هذا القدر من القسوة والعنف. إنها مفارقة واقعية. الطائرات المتعددة الجنسية في سورية لم تعد تنتهك سيادة ولا تخرق قانوناً دولياً. الأميركيون يقيمون في شمال البلاد وفي شرقها، والأتراك في إدلب، والروس والإيرانيون في وسط البلاد وفي جنوبها، فيما السماء السورية مفتوحة للطائرات الإسرائيلية. هذا كله ويأتي من يقول لنا أن النظام في سورية على وشك أن يتعافى، وأن «الجيش العربي السوري» سيبسط سيادته قريباً على كامل الأراضي السورية.

وفي ظل هذا المشهد المعقّد، لا يمكن أيضاً توقّع صفقة ترسي سلطة تتقاسم من خلالها هذه الدول النفوذ في سورية. إذ كيف ستتحدد حصة إيران مثلاً، في ظل التداخل بين مصالحها ومصالح روسيا؟ وهل ستقبل إسرائيل بأن تكون إيران شريكة في السلطة في سورية؟ الغموض نفسه ينسحب على حصة تركيا أيضاً وعلى الأكراد في الشمال. المشهد يتطلب مزيداً من الحروب حتى ينجلي. والنظام «المتعافي» سيصاب بمزيد من الوهن، لا سيما بعد ذواء المعارضة، ذاك أن آلة القتل التي يملكها صارت بلا أي وظيفة غير وظيفة القتل، وهو إذا أوقف عملها بعد فناء «خصومه» سيفقد آلة السلطة الوحيدة التي يملكها وسيعاود السوريون الانقضاض عليه. سيستمر في القتل بصفته اللغة الوحيدة التي يجيدها، وهذا ما لا يمكن تصريفه بتسوية.

أغرب ما أصابني بعد مشاهدتي صور تظاهرات إدلب، أنها طالبت بإسقاط النظام، فالأخير هو أضعف حلقة في مشهد العنف السوري اليوم. صحيح أنه لم يفقد قدرته على القتل، لكن ما تبقى من هذه القدرة هو القتل غير الوظيفي. القتل بصفته امتداداً لممارسة قديمة ولثقافة لا يعرف صاحبها غيرها. أما القصة الفعلية والواقعية في سورية، فقد صارت في مكان آخر تماماً.

حازم الأمين – الحياة[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها

‫7 تعليقات

  1. أعتقد بأنه توصيف صحيح لما يعاني منه نظام الأسد في الوقت الحالي فهو لا يملك اتخاذ أي قرار بدون قبول من الجانب الروسي وبات مجرد صنم يدير من خلفه الأخرون الأمور

  2. الشعب هو مصدر القوة لأي حكم في العالم و عصابة تحكم سيكون نهايتها الخراب كم حدث مع الاسف في بلدنا لكن المصيبة بملايين المنافقين و المصلحجية الذين يطبلون و يحلمون ببقائه

  3. كلنا يعلم هذه الحقيقه وهي ان النظام ميت سريريا بمجرد نزع الاكسجين الروسي سيكون تحت الثرى ولكن السؤال الان هي متى تاتي هذه اللحظه وكيف ستكون ردة فعل من تشردوا وقتلوا واغتصبت نسائهم وفقدوا كل شيء اعتقد ان الرحمه والعفو كلمتان سينساهم وقتها الشعب السوري المظلوم وسيكون رد الفعل مناسبا لمافعله هذا السافل وطائفته القذرة والمنافقين من بقية الطوائف

  4. هذه العصابة الشرذمة لا تفهم ولا تفقه شيئ الا لغة الحديد والنار
    والقوة لم ولن تكن في يوم من الايام تصنع دولة مدنية بل دولة بربرية همجية

  5. يتكلمون عن النظام وكأنه قائم أصلا!. النظام انتهى منذ أن دخل الايرانيون ودخولهم كان بموافقة أمريكية اسرائيلية وحتى الروس فلم يدخلوا بكيفهم وانما سمح لهم بالدخول كذلك لتدمير سورية وتهجير شعبها فهو الأخطر على اسرائيل!!! ولكن بعد ماجري ويجري وسيجري لن تقوم قائمة لسورية أو غيرها حتى يأتي المهدي محمد بن عبد الله ياذن الله وستكون هذه بشائر النهاية وخاصة أن البقرة الحمراء ولدت في الاسبوع الماضي فالعلائم تتوالى والذين على الأرض السورية اليوم كلهم اعداء بعض والقتل بينهم سيبدأ قريبا ولا نهاية قريبة له لأن أمريكا واسرائيل يخططون الحرب العالمية الثالثة لتنظيف العالم قبل قدوم المسيا المنتظر!!!.