BBC : لماذا يشعر الشباب الألمان بالتشاؤم حيال مستقبل بلدهم ؟

يشهد الاقتصاد الألماني حالة ازدهار، فالبطالة تراجعت إلى في مستوى لم يسبق له مثيل. كما تنظر أوروبا والعالم إلى ألمانيا كمنارة للثروة والكفاءة.

إذن لماذا يشعر هؤلاء الألمان بالتشاؤم حيال مستقبلهم؟

مع توافر الفرص الجيدة للحصول على عمل، والبيئة النظيفة، ومعدلات الجريمة المنخفضة، والكثير من وقت الراحة والاستجمام، وعوامل الجذب الثقافية من أنشطة ومنشآت، وسهولة المواصلات العامة، ما الذي لا يُعجب الشباب الألمان في كل ذلك؟

يقول بيتر ماتوستشيك، كبير المحللين السياسيين في معهد الاستطلاعات الألماني “فورسا”، إنه بينما يميل الألمان إلى الرضا عن حياتهم الخاصة، فإنهم لا يشعرون بارتياح كبير نحو الاتجاه الذي تسير فيه البلاد.

ففي استطلاع أجراه معهد “فورسا” لمؤسسة “أر تي أل” الإعلامية، تبين أن 81 في المئة من الألمان كانوا سعداء جداً أو سعداء تجاه أوضاعهم المالية، لكن عند سؤالهم عن الأوضاع في البلاد بشكل أوسع، انخفضت نسبة رضاهم عنها إلى 10 في المئة فقط.

وفيما يتعلق بالاقتصاد على سبيل المثال، قال ماتوستشيك لبي بي سي كابيتال إن “الموقف تغير بشكل كامل خلال العام الماضي”.

وعند سؤال المشاركين في الاستطلاع في يناير/كانون الثاني الماضي، عما إذا كان الاقتصاد سيتحسن أم سيتدهور، انقسم الألمان بشكل متساو تقريبا. لكن منذ بداية شهور الصيف، حدث تغير واضح بنسبة 20 في المئة باتجاه تشاؤم أكبر حول الوضع الاقتصادي للبلاد.

وبينما يمكن أن نفترض أن هذا الاتجاه يمثل ظاهرة بين كبار السن من الألمان، فهو أيضاً يؤثر بدرجة كبيرة على الأجيال الشابة منهم.

وانعكاساً لما بعد تصويت بريطانيا للخروج من الاتحاد الأوروبي (بريكست)، تشير المعلومات إلى أن الشبان الألمان يشعرون بأنهم يعانون وطأة المشاكل التي ورثوها عن آبائهم وأجدادهم، وأن مستقبلهم السياسي رسمته الأجيال الأكبر سناً.

ومن الإنصاف القول إن هذا الصيف كان مضطرباً بالنسبة للألمان. فقد كاد خلاف كبير حول الهجرة أن يطيح بالحكومة.

كما أن مسعود أوزيل، لاعب المنتخب الألماني لكرة القدم الذي ينحدر من أصول تركية، اعتزل هذا الصيف بعد مزاعم بالعنصرية تجاهه من قبل أعضاء الفريق والمشجعين. وقد أدت هذه الحادثة إلى نقاش أوسع عن انتشار العنصرية في الحياة اليومية في ألمانيا.

وفي أواخر أغسطس/آب أيضا، هزت البلاد مقاطع فيديو لمتطرفين يمينيين يقومون بأعمال شغب ويطاردون أجانب في شوارع كيمنتس، وهي بلدة في ولاية ساكسونيا الألمانية التي تقع شرقي البلاد، وأعادت طرح تساؤلات عن مدى تعلم ألمانيا من ماضيها.

وترددت أصداء وجود أزمة تهدد البلاد في وسائل الإعلام الألمانية. ففي أواخر يونيو/حزيران، بعد وقت قصير من إخفاق المنتخب الألماني لكرة القدم في الوصول للجولة الثانية من مباريات كأس العالم، صدرت مجلة “ديرشبيغل” الألمانية بموضوع غلاف يقول: “يوم من الأيام، كان هناك بلد قوي: الأزمات في السياسة والاقتصاد والرياضة هي نتيجة خداع النفس، بمعنى الرضا عن النفس من دون إدراك الأخطار المحدقة، كيف وصلنا إلى ذلك؟”

وتبع ذلك إعلانات قاتمة مشابهة عن موجة الحر الصيفية وما يمكن أن يعنيه التغير المناخي بالنسبة لألمانيا.

إذن ما الذي يجري بالضبط؟ رغم أن مشاعر التشاؤم هذه ربما تبدو كزوبعة إعلامية في فنجان، إلا أن المعلومات والأحاديث مع الشبان الألمان تكشف عن الظاهرة وتجعلها واضحة للعيان.

بالنسبة للشبان، يأتي قسم كبير من هذا التشاؤم من رؤية ارتفاع أسهم حزب اليمين المتطرف المسمى “البديل من ألمانيا”.

يقول تيل باكين (28 عاماً)، وهو يعمل في منظمة غير حكومية في برلين، إن التأثير المتزايد لليمين المتطرف يعني أن المناقشات حول السياسة والإعلام قد باتت تهيمن عليها موضوعات جديدة، وغالباً تكون مشبعة بالكراهية.

فمنذ صعود اليمين المتطرف، “يبدو لي أن كل النقاش السياسي يدور حول الهجرة والكراهية والجريمة”، كما يقول.

ويضيف باكين: “لا يتركز النقاش حول المشاكل الحقيقية التي سوف نواجهها، أو التي نواجهها حالياً”.

وبدلاً من التركيز على الهجرة كما يقول باكين، ينبغي على الحكومة أن تصرف وقتاً أكبر على تحسين نظام الرعاية الصحية، وأن تستثمر أكثر في التعليم وفي إعداد الأجيال الشابة من أجل تقاعد آمن.

وتقول جولي لو (24 عاماً)، وهي طالبة في برلين، إن ما حدث في بلدة كيمنتس يمثل ذكرى سيئة بأن ألمانيا لم تتعلم جيداً من تاريخها.

وتضيف: “طوال حياتي تقريباً، اعتقدت أنه مع الأشياء التي تعلمناها، القومية الألمانية وتاريخ القرن الماضي، أننا تركنا ذلك كله وراء ظهورنا، أي القومية والعنصرية. لكن الواقع يظهر لنا حقيقة مختلفة”.

وتواصل لو بالقول إن ما حدث في كيمنتس ربما يبدو كحادثة منفصلة، لكنها برهان على أن أحداثاً مشابهة يمكن أن تقع في أي مكان في البلاد إذا لم يتغير الخطاب السائد.

وتتابع: “في الحي الذي أعيش فيه، لم يحدث ذلك حتى الآن. لكن كيمنتس ليست بعيدة كثيراً من هنا”.

ويسود أيضاً شعور بأنه حتى لو كانت الأمور تسير على ما يرام في الوقت الحاضر، فإن ألمانيا تقف على حافة مشاكل مالية واجتماعية أكبر.

وبمعنى آخر، ربما يشعر الكثير من الشبان الألمان أنهم في وضع جيد الآن لكنهم يخشون من أن المستقبل ربما يحمل لهم غير ذلك.

ويقول باكين: “وضعنا لا بأس به، ووضعي الشخصي جيد حالياً، لكن من الواضح أنه إذا نظرت إلى السنوات الـ 15 المقبلة، فنحن نقف على مفترق طرق، فيما يتعلق بكيفية تطور البلاد”.

ويضيف: “أعتقد أن الجميع يساورهم بعض القلق بشأن الوجهة التي ينبغي أن يقصدونها مع ارتفاع شعبية اليمين المتطرف، ومع عدم استثمار الدولة بقدر كاف في التعليم والبنية التحتية، وهما يمثلان مستقبلنا”.

وبعقد مقارنة بين الشبان الألمان وبين أقرانهم في دول أوروبية أخرى، تبدو الأمور على السطح جيدة بالنسبة للألمان. فالبطالة في صفوف الشباب هنا كانت 6.4 في المئة عام 2017، أي أقل بكثير من دول في الاتحاد الأوروبي مثل إيطاليا أو اليونان. لكن مع ذلك، لا يزال هناك شعور بأن الجيل الأكبر سناً لا يركز بشكل كاف على القضايا التي تؤثر على الشبان.

كما ارتفعت أسعار المساكن 80 في المئة في المدن الرئيسية منذ 2009، طبقاً لتقرير حديث نشره مصرف “دويتشه بنك”. وأسعار الإيجار آخذة في الارتفاع أيضاً، كما يقول التقرير، ويوجد نقص في المساكن على مستوى البلاد يقدر بمليون وحدة سكنية.

وفي غضون ذلك، يفيد تقرير لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أن تسارع الهرم في صفوف السكان “سيؤدي إلى تحدي القدرة المالية لبرنامج التقاعد العام”.

“السياسة التي لدينا الآن في ألمانيا تهتم بذوي العمر المتوسط الذين ينجبون أطفالاً، وليس بالأجيال الشابة”، كما يقول أرون هاينز (24 عاماً) الذي يعمل في مجال الرعاية الصحية في برلين.

ويضيف: “عندما تنظر إلى المستقبل وتتساءل: من سيدفع راتبي التقاعدي عندما أتقدم في السن؟ لا أحد”.

وكون الألمان متشائمين حيال مستقبلهم لا يعني أن الآخرين خارج البلاد ينظرون إلى ألمانيا أيضاً بنفس الطريقة. ففي أماكن أخرى في أوروبا والعالم، تبقى ألمانيا أرضاً خصبة للشباب الراغبين في الانتقال إلى مكان يوفر فرصاً أكثر في التعليم والعمل والرفاهية.

يقول دينو تشفيكو (24 عاماً)، وهو يدرس الصحافة في سراييفو، لبي بي سي كابيتال، إنه يأمل في الانتقال لألمانيا بعد إتمام دراسته الجامعية، حتى لو كان ثمن ذلك تخليه عن طموح العمل في مجال الصحافة.

ويضيف: “أغلبنا يتطلع إلى الانتقال من هنا ومغادرة البوسنة، خاصة إلى ألمانيا، التي نعتبرها الأرض الموعودة”.

إيميلي شولسيز – BBC[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها

تعليق واحد

  1. اوقات بتخيل يدخل على سوريا مجموعات كبيرة من الهنود و الصينين و الكولومبيين ويصيروا بعد كم سنةمواطنين سوريين .. لا اسمه سوري ولا دينه سوري ولا ثقافته سورية ولا بيحكي سوري واذا حكى بيحكي مكسر وعم يتكاثروا بشكل اكبر من الشعب السوري شلون رح اشعر اكيد رح يصير مع احباط ..