هل يؤسس اتفاق إدلب لصدام روسي – تركي ؟

بخلاف كل الاتفاقات التي عقدتها روسيا مع الأطراف الدولية والإقليمية، لتنفيذ خطتها في سورية، ينطوي اتفاق إدلب، الذي وقعه الطرفان في سوتشي، على الكثير من الإشكاليات التي يصعب حلها أو تمريرها، ولا يمكن تطبيق بنوده إلا من خلال حصول تنازل، فاضح ومحرج، لأحد طرفيه، تنازل ربما يقضي على دور الطرف المتنازل في الحرب السورية في شكل نهائي، بما يعني خسارته لجميع استثماراته في هذه الحرب.

ومع اقتراب آجال تنفيذ بنود الاتفاق، تتضح أكثر بنوده التي ظلت غامضة لبعض الوقت، ولعل أخطرها، البند المتعلق بمساحة المنطقة الآمنة، والمسافة التي يتوجب على المعارضة التراجع عنها وإخلاؤها من الأسلحة الثقيلة، وفي البداية فهمت فصائل المعارضة أن هذه المسافة ستكون مناصفة بين مناطقها والمناطق التي يسيطر عليها النظام، ليتبين لاحقاً أن الطرف التركي وافق على أن تكون هذه المنطقة على حساب مناطق المعارضة.

من المؤكد أن التطبيق الحرفي لهذا البند يعني أن المعارضة ستخلي أكثر من ثلث المناطق التي تسيطر عليها، ليس ذلك وحسب، بل إنها ستتنازل عن أفضل المناطق استراتيجية، لاحتوائها على التلال والمرتفعات والجبال، كما أن هذه المناطق هي الأفضل تحصيناً لوقوعها على خط التماس، وتملك أهم أطواق الحماية، والغريب أن الخطة الروسية في اجتياح إدلب كانت تضع هذه المناطق ضمن مرحلة الاجتياح الأولى، وكانت تراهن على أن انهيار خطوط الدفاع في هذه المنطقة سيؤدي في شكل أوتوماتيكي إلى سقوط إدلب، لكن وفق التقديرات الروسية، فإن سقوط هذه المنطقة سيتطلب جهوداً كبيرة ونيراناً كثيرة، والاهم أعداداً كبيرة من العناصر لم تستطع روسيا توفيرها، وكان هذا المعطى حاسماً في قرار تأجيل شن الهجوم الروسي على إدلب!

إذاً، كيف تجاهل المفاوض التركي هذه الوقائع وانخرط في توقيع اتفاق هو أقرب الى الاستسلام منه الى اتفاق متوازن بين طرفين، وإن لم يكونا متساويين في القوة، وتبدو كفة روسيا راجحة بالحسابات النظرية، إلا أنه من الناحية العملانية لم يكن الوضع سيئاً بالنسبة الى المعارضة إلى الدرجة التي تدفعها الى الاستسلام حتى قبل خوض المعركة؟

يفتح هذا الوضع الباب للتساؤل عن طبيعة الضمانات التي تلقاها الطرف التركي، وما إذا كان قد حصل على وعود بعدم مهاجمة المنطقة، وأن انسحاب الفصائل ليس سوى بادرة لتعزيز الثقة من أجل التمهيد لمفاوضات أشمل لتحديد وضع إدلب في شكل نهائي، وتوضيح وضع الفصائل المسلحة فيها، ومصير النفوذ التركي، وما يرجح هذا الاتجاه التعزيزات والتحصينات التي تجريها تركيا في إدلب والأسلحة التي ضختها في الأيام السابقة، فالواضح أن هناك نيّة تركية للبقاء طويلاً في إدلب، ونقاط المراقبة التركية تتحوّل إلى قواعد محصنة ومنيعة، ويجري ذلك تحت نظر الروس، ومن غير المعقول أن تركيا تبني كل تلك المنشأت لتخليها بعد أيام أو شهور؟

لكن في المقابل، تبدو تصريحات المسؤولين الروس واضحة وقاطعة، بأن الاتفاق مرحلي وأن السيطرة يجب أن تؤول لنظام الأسد في وقت أقصاه نهاية 2018، كما ظهر واضحاً تناقض التفسيرات بين الطرفين، سواء في شأن مدة الاتفاق أو بخصوص دور الفصائل المسلحة المستقبلي ووضعها، كذلك في ما يخص عودة نظام الأسد الى هذه المناطق.

الأغلب، أن الطرفين يعتمدان على الرهانات أكثر من اهتمامهما بنصوص الاتفاق، بخاصة الجانب التركي الذي يعوّل على اجتماع اسطنبول الرباعي، روسيا وتركيا وألمانيا وفرنسا، للضغط على بوتين ودفعه الى التراجع نهائياً عن فكرة اجتياح إدلب، بخاصة المستشارة الألمانية أنغيلا مركل التي تملك بلادها أوراقاً مهمة للتأثير على القرار الروسي، نظراً الى حجم المصالح الروسية في ألمانيا، ولا شك في أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد تناول هذه المسألة في زيارته الأخيرة الى ألمانيا.

ولم تخف روسيا مراهنتها على عجز تركيا عن الوفاء بالتزاماتها المنصوص عليها في الاتفاق، بخاصة لجهة التخلص من التظيمات المتطرفة وعناصرها، وأرادت من وراء ذلك وضع تركيا في موقف ضعيف ودفعها الى التخلّي عن معارضة اجتياح روسيا لإدلب، وذلك يعني أن حسابات الطرفين ورهاناتهما هي التي أنتجت الاتفاق وليس قناعتهما بضرورة التوصل الى اتفاق يشكل بداية لحل الأزمة في سورية على ما اعتقد كثر من المراقبين.

لكن ما هي خيارات الطرفين وقدرتهما على نسف الاتفاق في حال اكتشاف كل منهما أن الأمور تسير لغير مصلتحه، هل من الممكن أن يلجأ الى الكباش الميداني للخروج من هذه الأزمة؟ وهل تسمح الظروف بمثل هذا الخيار؟

الإجابة عن هذا السؤال معقّدة بحجم التعقيد الذي يلف المشهد برمته، فعدا عن كون العلاقات الروسية – التركية متشابكة بدرجة كبيرة، وبالتالي فإن الحديث عن الحرب أمر ليس بمثل هذه السهولة، كذلك فإن البيئة الدولية تبدو مستنفرة ولا تحتمل مثل هكذا خيارات، بخاصة أن تركيا تستند إلى دعم غربي واسع في هذا المجال، كما أن الولايات المتحدة الأميركية باتت تعتبر نفسها طرفاً في هذا الاتفاق، وقد أشار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بصراحة إلى هذا الأمر في خطابه في الدورة الحالية للجمعية العامة للأمم المتحدة، إضافة الى أن لروسيا حسابات خاصة بإعادة الإعمار في سورية، وباتت تعرف أن نقض اتفاقها حول إدلب سيقضي على كل ترتيباتها بهذا الخصوص.

الأرجح أن روسيا، بتصريحاتها وتهويلاتها، تسعى الى ابتزاز الغرب، وأن الطرف التركي يدرك هذه الحقيقة ويواصل ترتيباته بناء على هذا الإدراك، لكن ذلك لا يعني انعدام أخطار الصدام، بخاصة إذا توصلت روسيا الى قناعة بأن الاتفاق لم يأت بالثمار التي وعدت نفسها بها.

غازي دحمان – الحياة[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها

‫2 تعليقات

  1. غازي تناول الوضع الماضي وقليل من الوقت الحالي ولم يقول ان المستهدف حاليا هو تركيا من كل الدول المتورطة في سورية التي اصبحت مدمرة وقتل المدنيين العزل اقترب من نهايته وادلب ستسلم للنظام وستكون بوابة انتقال الحرب الى تركيا بعد ان تخلى الاتراك عن اوراق القوة التي كانت في ايديهم بداية من حلب واخرها هذه المنطقة العازلة وما بعدها من تنازلات قادمة وللعلم لو كان عند الاتراك نظر لعلموا انهم في شمال سورية كاملا هم اقوى عسكريا من كل المتورطين في الحرب بما فيهم امريكا وروسيا ولكن الاتراك اختاروا المنفعة الضيقة والقريبة على المنافع الاكبر والابعد والايام قادمة وسنرى انتقال تلك الحرب الدينيية

  2. الأمور في سورية تزداد تعقيدا يوما بعد يوم ولكن النتيجة هي أن أحدا لا يستطيع الحراك كما يريد الا بموافقة أمريكا قطعا وما نسمع من كلام هو حشي بحشي. لو كان باستطاعة الروس تدمير ادلب لما تفاوضوا مع أحد ولكن يعلموا أن هناك خطوط حمر أمريكية لا يستطيعون تجاوزها وأمريكا منذ أوباما قالت بالصوت العالي أن لا انتصار عسكري في سورية وهذا واقع على الأرض. روسيا تستثمر الكثير في سلة بدون قاع والأمريكان لم يدخلوا الايرانيين والروس الى سورية لسواد عيونهم فهم لازالوا كاوبوي بكل معنى الكلمة والنتيجة في سورية والشرق الأوسط لهم ولن يشاركوا أحد وخاصة بوجود “” الترامبولين “” الذي شفاطاته تعمل ليلا نهارا لنهب المال ولن يتبرعوا بدولار واحد لروسيا أو ايران وحتى أوروبا. سقط بوتين عندما أعلن انه لا يملك لاعادة اعمار سورية وقال الغرب له أنت دمرت سورية فعليك اعادة اعمارها ههه ههه هههههههههههه.