دروز سوريا سرّ بقائها

بروز الاهتمام بالمسألة الدرزيّة في سورية بعد الأحداث الأخيرة في «قلب لوزة» في إدلب، والمرحلة الحرجة التي بلغتها الثورة السورية اليوم في السويداء، يؤكّد ضرورة تفهّم مسألة الأقليّات في سياق البحث عن خلاص السوريّين من نظام الإبادة. فحالة التهميش التي طاولت الدروز خلال العهد الأسديّ، إضافة إلى التجهيل المتعمّد للدّور الذي لعبوه في تاريخ البلاد، فضلاً عمّا كان من تعميم للصور النمطيّة السلبيّة عنهم، بنوعَيها الاجتماعي والديني، أمور تعدّ من موجبات الثّورة ومن واجب الثّوار تفهّمها.

من جهة أخرى، يساهم بروز هذه المسألة في إحياء سؤال الكيان السوري، نشأته وتاريخه المكبوت وخطوطه الحمر. ذاك أنّ الدروز مثّلوا، قس شكل أو آخر، العصب الذي شدّ أطراف الكيان السوري بعضها إلى بعضها، أكثر من كونهم عامل تهديد لاستقرار ذاك الكيان في الشكل الذي صار إليه فيما هم يتعرّضون للتهديد والتهميش. فقد استُخدموا خلال مراحل عدة من تاريخ سورية كمثال للعبرة أو مكسر عصا، ابتداءً من حكومة الجلاء الأولى في 1946 التي تقاسمتها دمشق وحلب ولم تتمثّل فيها الأقليّات، في دلالة واضحة على هيمنة الأعيان الوطنيّين ورغبتهم في فرض رؤيتهم الخاصة، ونفورهم وهروبهم من مواجهة مسألة الأقليّات، ولم تكن خافية رغبة سعد الله الجابري، رئيس الحكومة وقتها، في تحجيم الدروز وتأديبهم، فكان التشهير بسلمان المرشد، الزعيم العلويّ، وإعدامه الاستعراضي في دمشق رسالة غير مباشرة لهم.

ليأتي أديب الشيشكلي لاحقاً ويعطي لتلك السياسة شكلاً جديداً وأوضح في استهداف الدروز، ارتكز على العنف الشديد والتحريض والتشهير، فضلاً عن محاولته اجتثاثهم من مؤسّسة الجيش، حيث أدّى استخدامه المبكّر لاتهامات الخيانة والعَمالة لإسرائيل إلى فتح الباب للبروباغاندا الناصريّة التي ساهمت بدورها في تشويه صورة الدروز الوطنيّة والدينيّة، في إشارة إلى المنحى الذي بدأت تأخذه مسألة الأقليّات في المشرق وعلاقتها بالأنظمة العسكريّة. فقد شكّلت تلك المسألة، كما يبدو، المدخل الأمثل لعبدالناصر ليباشر مشروعه التوسّعي ويرسّخ النظرة العروبيّة الاستئثاريّة تجاه الأقليّات. وبدوره، أكمل نظام البعث تلك السياسات تجاه الدروز والأقليّات، وبدا ذلك كلّه تمهيداً للحقبة الأسديّة عندما أحكم الأسد الأب قبضته على المجتمعات وفخّخها عبر خنق هويّاتها وجعلها إحدى أدوات هيمنته.

هنا تبرز أهميّة الزعامة الجنبلاطيّة اليوم كواحدة من أنجح زعامات الأقليّات، على ما فيها من عيوب قد يغفرها مشرق عنيد يشبه الدروز الذين كانوا عبر تاريخه مفتاحاً أساسيّاً في تطوّره واستقراره، ولهذا، هُم اليوم عُقدة ربطٍ للكيان السّوري.

 

حسان القالش – الحياة[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها

تعليق واحد