حقيقة الاتفاق الذي أدى إلى انسحاب أميركا من سوريا

المفترض أن لا اعتراض على عودة بعض الدول العربية إلى دمشق، بعد قطيعة سبع سنوات طويلة؛ لكن وفي كل الأحوال إنه على هذه الدول، التي لا شك في أن دوافعها شريفة ونظيفة، أن تضع في اعتبارها ومنذ الآن أن الإيرانيين باقون في سوريا، وأن بشار الأسد حتى لو أراد التخلص منهم فإنه غير قادر على ذلك؛ لأن هذا القرار ليس قراره، ولأن وضعية الروس في حقيقة الأمر في هذا البلد أضعف كثيراً من وضعية إيران، التي تستند إلى حالة اجتماعية وطائفية أيضاً، غدت بعد كل هذه الأعوام حاضنة فعلية وقوية لهم، في حين أنه ليس لروسيا إلا قواعدها العسكرية، ووجودها العسكري الذي أصبح عبئاً ثقيلاً عليها، في ضوء أوضاعها الاقتصادية المتردية، وهذا بالإضافة إلى أنه قد تفجرت في وجهها بؤر توتر كثيرة، من بينها مشكلتا القرم وأوكرانيا، ومشكلات أخرى متعددة وكثيرة.

وبداية، وخلافاً لكل ما يشاع ويقال، فإنه لا بد من التأكيد على أن قرار الانسحاب الأميركي الأخير من سوريا لم يكن عفوياً ولا ارتجالياً، وأنه لم يفاجئ الروس؛ لا بل إنه قد جاء وفقاً لاتفاق بين الولايات المتحدة وروسيا وعلى أعلى المستويات، وبحيث يكون للأميركيين حصة مجزية من نفط شرق الفرات، ويكون انسحابهم إلى قاعدتين على الحدود العراقية – السورية تكونان جاهزتين لأي تدخل سريع في الأراضي السورية.

والمعروف أن دونالد ترمب قد قطع الشك باليقين، بإطلاق تصريح خلال زيارته الأخيرة القصيرة إلى العراق، قال فيه، رداً على منتقديه، إنه بالإمكان استخدام القواعد العسكرية الأميركية على الأراضي العراقية كـ«قاعدة» لأي عمل عسكري أميركي داخل الأراضي السورية. ويقيناً أن هذا التأكيد متفق عليه مع الروس الذين لم يتخلوا عن قناعتهم بأن الولايات المتحدة، حتى بعد خطوتها الأخيرة، لا تزال رقماً رئيسياً فاعلاً في المعادلة السورية.

إنه غير ممكن أن يطالب نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف الإيرانيين بالانسحاب من سوريا «لأنه لم يعد لوجودهم فيها أي مبرر» لو لم يكن هناك اتفاق بين روسيا والولايات المتحدة. والمشكلة هنا هي أن بقاء إيران العسكري والسياسي و«الاستيطاني» فيما يطلق عليه «البعثيون» سابقاً ولاحقاً وحتى الآن: «القطر العربي السوري»، يعتبر تحدياً لإسرائيل التي بعد احتلال هضبة الجولان عام 1967 باتت على بُعْد مجرد مرمى حجر من دمشق، وباتت تتحكم فعلياً بأي حركة عسكرية على الأراضي السورية.

كان الروس قد أعلنوا أن بلدهم يدْرس القيام بعمل انتقامي ضد إسرائيل، رداً على الغارة الإسرائيلية الأخيرة على مطار دمشق، وحقيقة أن هذا لا يمكن أن يحصل وعلى الإطلاق، والمعروف أنه لم يحصل إطلاقاً، وإنْ كـ«مجرد نوايا»، في عهد الاتحاد السوفياتي، حتى بعد عدوان يونيو (حزيران) عام 1967 الذي احتل فيه الإسرائيليون سيناء المصرية كلها، وهضبة الجولان بأسرها، والضفة الغربية حتى نهر الأردن، فهذه مسألة باتت محسومة ومعروفة، ولا نقاش إطلاقاً فيها، وحتى لو أنَّ الروس قد أرغوا وأزبدوا في لحظة غضب مفتعلة، وحتى لو أن بنيامين نتنياهو قد أغضبهم في بعض تصرفاته التي أمْلتها عليه حساباته الداخلية.

وهكذا فإنه غير مستبعد؛ لا بل إنه مؤكد، أنه إنْ لم ينسحب الإيرانيون وفقاً للاتفاق الروسي – الأميركي الآنف الذكر، الذي وبالتأكيد أن إسرائيل مطلعة عليه، هذا إنْ هي لم تكن جزءاً منه، فإن الروس والأميركيين بالطبع سيدعمون أي عمل عسكري إسرائيلي وعلى نطاق واسع ضد وجود إيران العسكري و«الميليشياوي» وأيضاً «الاستيطاني» على الأراضي السورية، وهذا تحول إن هو حصل بالفعل، وهو قد يحصل لأن عوامل حصوله متعددة وكثيرة، سيعني زوال نظام بشار الأسد، لبديل تتفق عليه واشنطن وموسكو، وقد تُؤخذ أنقرة بعين الاعتبار في هذا المجال، ولكن بعيداً عن «الإخوان المسلمين» وتنظيمهم العالمي، وبعيداً عن طموحات رجب طيب إردوغان وتحالفاته العربية.

وعليه، فإن المفترض أن العرب «المتحمسين» للعودة إلى دمشق – بينما لا تزال هناك كل هذه التداخلات المعقدة، وبينما أصحاب القرار الفعلي في هذا البلد العربي العريق هم الروس والإيرانيون، وبالطبع الأميركيون والإسرائيليون، ومعهم ولكن من دون أي ثقل فعلي وحقيقي رجب طيب إردوغان وتركيا – يدركون أنَّ مواطئ أقدامهم لا تزال غير مضمونة، وأنه لا دور لهم في كل هذا التزاحم الهائل، وأن عمليات إعادة البناء في هذا البلد بحاجة قبل الأموال إلى الاستقرار، وإلى حسم تجاذبات هذه الدول وهذه الأطراف كلها، وإلى وجود نظام لديه الرغبة والقدرة في أن يكون بلده مستقلاً، ومن دون كل هذه الاحتلالات المعقدة، ومن دون الوصاية الإيرانية!

لا، بل إن ما هو مؤكد وواضح، أن القوة الفاعلة وصاحبة القرار في نظام بشار الأسد، الذي أصبح جيشه مجرد شراذم مبعثرة غير قادرة على القتال الفعلي والمواجهة، هي الفرقة الرابعة التي يقودها شكلياً ماهر الأسد، ويتحكم فيها عملياً قاسم سليماني والإيرانيون، مما يعني أن إيران، وليست روسيا، هي الضامنة الفعلية لبقاء الرئيس السوري واستمراره، وليس الروس الذين من الواضح والمؤكد أن إسرائيل تهمهم أكثر بألف مرة مما تهمهم سوريا، وهي في هذه الأوضاع المزرية، وبينما السيطرة فيها ستبقى وعلى المدى المنظور للإيرانيين، الذين أصبحوا في هذا البلد العربي هم كل شيء، وإنه غدا لهم فيه وجود استيطاني ومذهبي وطائفي، كالوجود الاستيطاني الإسرائيلي في الجولان والضفة الغربية.

ولعل ما تجدر الإشارة إليه في هذا المجال، هو أن هناك من يراهن إزاء هذا كله على انهيار داخلي في إيران، إنْ لأسباب اقتصادية، وإنْ بسبب احتدام الصراع التناحري بين مراكز القوى الحاكمة. لكن وإذا صح هذا الذي فيه كثير من الصحة، فيجب الأخذ بعين الاعتبار، ودائماً وأبداً أن انهيار نظام الملالي في طهران سيترتب عليه وعلى الفور انهيار نظام بشار الأسد، مما يعني أن العرب، سواء من أراد منهم العودة إلى العاصمة السورية، ومن لا يزال متردداً، سيجدون أنفسهم أمام مأزق جديد معقد، هذا بالإضافة إلى مآزقهم الكثيرة التي سبب معظمها الإيرانيون، بمحاولاتهم التمددية والاستحواذية في هذه المنطقة منذ عام 1979 وحتى الآن.

وهنا وفي النهاية، فإنه يجب أن يكون هناك إدراك فعلي وحقيقي، أن خيارات العرب إزاء هذا كله غدت محدودة جداً، فهم وضعوا أنفسهم، منذ البدايات منذ عام 2011، بالنسبة لسوريا وأزمتها التي غدت مستفحلة بالفعل، وغدت أكثر تعقيداً خلال كل هذه الأعوام الماضية، ووضعهم الآخرون، خارج هذه الدائرة نهائياً، وبحيث إنه لم يعد هنالك أي مجال وعلى الإطلاق لتلك الحكمة القائلة: «أن تأتي متأخراً خيرٌ من ألا تأتي أبداً».

صالح القلاب – الشرق الأوسط[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها

‫7 تعليقات

  1. ما فهمت شو بدك خلص روح اقبض الشيك من الشرق الاوسط و خلصنا

  2. 7 سنين وانت عم يتفلسف وعامل حالك مفكر كبير … مو ملاحظ هالفهمان انو ماظبط معو ولا توقع واحد ؟؟؟ فعلا انو قلاب وبلا طعمة… خليك عم تعوي وماحدا عم يسمعك

  3. المقوله التي يرددها بعض العرب المطبعين بأن لا نترك سوريا فريسة لايران تلتهما كيفما شاءت مقولة واهيه لكنها لا تخلو من بعض الوجاهه مثل أن السياسه هي فن الممكن وأن فن المستحيل ليس بسياسه .. هذا صحيح مئه بالمئه
    لكن الحقيقه اذا اردنا أن نناقشها من هذا الجانب تكون حجة على أصحابها فالنظام العربي الوحيد الذي استقامت علاقته بايران منذ 1979 هو النظام السوري وكلما كانت تمر سنه كانت العلاقات تزداد قوة ومتانة ورسوخاً أكثر من السنة التي قبلهاحتى وصلت الى أن تحتل ايران سوريا وتستبيحها برضى من النظام الحاكم وطيب خاطر وترحيب لا مثيل له!!
    الزواج بين النظام الأثنى عشري في ايران والعلوي في سوريا زواج مقدس الطلاق فيه محرم ( هكذا عقدته الحركه الصهيونيه)
    فعندما قصّرت ايران في الدفاع عن نظام العلوي هرع نتنياهو الى بوتين يقبل الأيادي لدخول القوات الروسيه لنجدت بشار ونجدت ايران
    فاستجاب بوتين لنداءات اليهود والحركه الصهيونيه للمحافظه على مصير حلف الأقليات واستغل الوضع وفرض أوراقه التي يحتاجها وتوسعت احتلاته واشتدت شروطه على أوكرانيا خصوصاُ والغرب عموماً
    المراهنه على سقوط النظام الايراني مراهنه كاسبه لكن لن يكون السقوط بالطريقه التي يعتقدها الكثيرون وهي المظاهرات الحاشده أو بنشاط ومقاومة الأحزاب المعارضه ولكن بصراعات دمويه بين أجنحة السلطه الحاكمه
    هذه هي النهايه الحتميه لنظام كهنوتي ديني متسلط ذي فروع متعدده لكل فرع مرجعيته وفتاواه ومقلديه بل ومدارسه التي في الأزمات الحاده والمواقف الفارقه تستسهل التكفير والرده والخروج عن المله وعن مبادىء الثوره الخمينيه
    فعندما يتصارعون ستجد كل منهم يكفر الأخر ويتهمه بالرده والمروق واستيراد المشاريع في وجه الثوره التي انشأت أصلاً للتصدير وليس للتوريد
    العقوبات الأمريكيه عقوبات واهيه مشبعه بالاستثناءات لكن العقوبات الألهيه شيءٌ أخر.

    1. صدقت .. ويكفي إيران فخرا أن الدجال الملك المنتظر لليهود سيخرج من أصفهان وهذا الحديث الشريف فيه دلالة واضحة لعمق الأواصر بينهم ناهيك أن قول اليهود أنهم مدانين للفرس بمساعدتهم بعد السبي البابلي.

  4. للأسف حل المشكله السورية كان و ما زال بيد السوريين أنفسهم و لكنهم أبهم من الوصول للحل.
    فالإيراني ليس بالقوه التي يصفها هؤلاء البجم.
    و الروسي مهما بلغت قوته لن تطال قوه الأمريكي و التواجد التركي اليوم أقوى بكثير من التواجد الإيراني و الروسي معاً.
    العرب حكامهم بهائم لا تفقه سوى كلمه حاضر سيدي للصهيوني و ترسل مرتزقتها لقتل المدنيين.
    الحل لكل نظام يكمن في قطع رأسه و السيطرة على عاصمته لا في التقاتل على فتات مدن الريف المدمر المهجر.
    الحل لم يكن يوماُ بالسيطره على حمص أو حلب أو الرقه أو القامشلي بل بالسيطره على دمشق, تخيلوا لو أن أهالي مصر خرجوا في الأقصر بدل القاهره لبقي مبارك و لم يرحل, تخيلوا لو أن القمصان الصفراء لم تقم في باريس بل في كورسيكا لما استجاب ماكرون لهم.
    دمشق يدعي البعض انها باتت حصن صعب المنال و لكنها إلى هذه اللحظه كبيت العنكبوت يمكن قصف القصر الجمهوري أو تدمير بعض مراكز القرار فيها فيقتل النظام بأرضه.
    هذا النظام قام على القتل و الارهاب و لن يرحل إلا به.
    و مع ذلك تدمير أحلام النظام في سلب أموال المستثمرين ليزيد قوته وثروته بدعوى إعادة الأعمار بسيط يكفي بعض الأعمال التخريبية الصغيره بورشات البناء فيهرب المستثمرين إلى غير رجعه, بل لا داعي للتخريب النظام ذاته بممارساته اللصوصية و عمليات الاعتقال و الخطف سيتكفل بنفسه بتأمين ما نريده و كل ما نحتاجه هو نشر أخبار عمليات سرقه الأموال و النصب و الاحتيال والخطف التي تحصل بالبلد عندها يهرب المستثمرين و لكن للمسأله جانب محزن و هي أن الشعب المسكين هو الذي سيدفع ثمن عدم إعاده بناء البلد.
    أي أن الحل بقي بيد السوريين الذين عليهم التضحيه مرة أخرى ببلدهم لأجل التخلص من هذا النظام الارهابي.

  5. مع الاحترام ولكن ثبت من كلامك أنك لا تختلف عن أي مرتزق آخر في الكرة الأرضية كبيرا ( شبيح ) وما فوقه!!!!!!!!!!!!!!!. ايران هي اليد الطولى لاسرائيل ولأمريكا منذ أيام الشاه وكانت قبلا اليد الطولى لبريطانيا!!!!!!. أنت تعرف قبل الآخرين أنه منذ اجتماع 1907 تم اتخاذ قرار السيطرة على العرب المسلمون في بلاد العرب ولا تنسى أن العرب هم الذين كانوا “”” خنازير “””” الانكليز بالقضاء على الامبراطورية العثمانية وبالتالي وعد بلفور والحرب العالمية الثانية التي غيرت الموازين وغيبت الامبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس الى الأبد!!!. وكما جرى على الأرض ، فقد ظهرت شعارات القومية العربية لتلغي الحكم الاسلامي وشكلت الأحزاب وتفتت الشعوب ووصلنا الى ما نحن عليه من انحطاط واستعباد وذل بعد أن بقينا أسيادا لثلاثة عشر قرنا!!!!!!!!!!. تاريخهم – الصليبيون – الذليل للعرب والمسلمين معروف وموثق كتابة فلماذا لا تنشره أو ينشره غيرك ؟؟؟ عسى أن تعود الروح الى غثاء السيل ( وهو المستحيل بأمر رب العالمين ). نرجو أن نسمع منك كلاما واقعيا فأنت شهدت الكثير فكن ناقلا جيدا للتاريخ أسوده وأبيضه بدون تحيز لهذا أو ذاك حتى نفهم ماتريد قوله.