الإستراتيجيات الإسرائيلية في استهداف المواقع الإيرانية بسوريا
من بين أبرز المتغيرات ذات التداعيات غير المحسوبة، قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في 19 كانون الأول/ديسمبر 2018 سحب قوات بلاده من سوريا على الرغم من “التراجع” والضبابية في الموقف النهائي من القرار الذي “قد” لا يطبق حتى مع سحب أعداد كبيرة من الآليات والمعدات القتالية إلى العراق.
دفع قرار الرئيس الأمريكي إسرائيل لإعادة رسم إستراتيجياتها العسكرية لمنع إيران والقوات الحليفة لها من تعزيز تموضعها على الأراضي السورية بما تعتقد إسرائيل أنه يشكل تهديدا وخطرا على أمنها الوطني.
تعتمد إيران في نشاطاتها العسكرية خارج الحدود على قوة فيلق القدس، المسؤول عن العمليات الخاصة للحرس الثوري الإيراني خارج الحدود، ومجموعات شيعية مسلحة عراقية وأفغانية وسورية وباكستانية ومن دول أخرى، إضافة إلى ذراعها الأقوى في المنطقة، حزب الله اللبناني، لإنشاء موطئ قدم في هضبة الجولان السورية وجنوب لبنان على الحدود مع إسرائيل.
وتعتقد إيران أن تحالفها العميق مع سوريا والذي يمتد إلى حرب الخليج الأولى (1980 ـــــ 1988) ووقوف سوريا إلى جانبها في حربها على العراق، هو التحالف الأعمق والأكثر خدمة لمشروعها في الهيمنة على المنطقة والحصول على موطئ قدم “مضمون” على شواطئ البحر الأبيض المتوسط على الساحلين السوري واللبناني.
كما أن إيران التي ترى أنها تقود “محور المقاومة” ضد إسرائيل والهيمنة الأمريكية في المنطقة، تجد من مصلحتها الإستراتيجية إدامة التحالف مع سوريا والوقوف إلى جانب نظامها ضد المعارضة التي تحاول الإطاحة به منذ آذار/مارس 2011.
ولإيران تواجد عسكري ونفوذ تقليدي في جنوب لبنان على الحدود مع إسرائيل، وهي خاضعة لسيطرة ونفوذ حزب الله اللبناني، وفي سوريا على خطوط وقف إطلاق النار في هضبة الجولان حيث تنتشر مجموعات شيعية مسلحة حليفة لإيران، وأيضا في قطاع غزة الخاضع لسيطرة حركة حماس؛ وهي جبهات ثلاث يتحدث رئيس الوزراء الإسرائيلي عن ضرورة مواجهتها للحفاظ على أمن إسرائيل ووجودها الذي حذّر أكثر من مرة بقدرة إسرائيل على الوصول إلى “كل من يسعى لإلحاق الضرر بها”.
أما الإستراتيجيات الإسرائيلية فتركز، وفق ما يتحدث عنها مسؤولون إسرائيليون، على منع “أي” تواجد عسكري إيراني على الأراضي السورية، سواء العسكري أو شبه العسكري التابع للحرس الثوري الإيراني، بما في ذلك المنشآت العسكرية التي أقامتها إيران على الأراضي السورية بعد تدخلها المباشر إلى جانب قوات النظام منذ عام 2012، بالإضافة إلى انتشار القوات الحليفة لإيران من المجموعات الشيعية المسلحة أو من حزب الله اللبناني على الأراضي السورية، أو بالقرب من الحدود مع إسرائيل كأولوية.
وتعتقد إسرائيل أن العدو الرئيسي لها في المنطقة، هي إيران التي تعمل على تطوير أسلحة نووية وكثيرا ما هدد مسؤولون إيرانيون كبار بتدمير إسرائيل وإزالتها من الوجود.
لم تهتم إسرائيل بمعالجة الوجود الإيراني عسكريا في سوريا إلا بدءا من العام 2017، حين باشرت باستهداف مواقع تابعة للحرس الثوري أو القوات الحليفة، بما فيها مواقع مشتركة مع قوات النظام السوري.
تركز إسرائيل على منع تواجد عسكري إيراني دائم في سوريا والحد من بناء مصانع تطوير الأسلحة والصواريخ متوسطة المدى التي ترى فيها إسرائيل تهديدا جديا لأمنها ووجودها.
وتحاول إسرائيل من خلال مواصلة الضربات الجوية والصاروخية منع تطوير أو نقل الأسلحة والذخيرة الإيرانية إلى حليفها في لبنان، حزب الله اللبناني، كما تواجه إسرائيل منذ عدة أسابيع تحدي القضاء على أنفاق لحزب الله على جبهتها الشمالية مع لبنان.
وفق معطيات واقع تعامل إيران مع مئات الضربات الجوية الإسرائيلية التي استهدفت مواقع تواجدها هي والقوات الحليفة لها على الأراضي السورية، فإن احتمالات المواجهة الإيرانية الإسرائيلية على الأراضي السورية تبدو مستبعدة تماما في المدى المنظور.
اقتصرت الردود الإيرانية على المزيد من التحذيرات والتهديدات لإسرائيل في أعقاب كل ضربة يتلقاها الحرس الثوري والقوات الحليفة له على الأراضي السورية، وآخرها الضربات الجوية والصاروخية يوم 20 كانون الثاني/يناير التي قتل فيها 12 إيرانيا وأكثر من 26 شخصا آخرين من القوات الحليفة لها والقوات السورية.
وليس بعيدا عن الردود الإيرانية المعتادة، فإن مسؤولي النظام السوري يكتفون أيضا بإطلاق التهديدات ضد إسرائيل بعد أي ضربات تتعرض لها مواقع قوات النظام أو القوات الإيرانية والقوات الحليفة لها.
وفي أحدث التصريحات السورية، تحدث مندوب سوريا في الأمم المتحدة متسائلا عما إذا كان على سوريا أن ترد على الضربات الإسرائيلية باستهداف مطار بن غوريون الإسرائيلي في تل أبيب.
ثمة احتمالات “متواضعة” لاضطرار إيران للرد على الضربات الإسرائيلية في العمق الإسرائيلي والاكتفاء بتوجيه القوات الحليفة لها “لإزعاج” الإسرائيليين في المستوطنات القريبة من خطوط التماس سواء في الجولان السوري أو جنوب لبنان أو في قطاع غزة.
وتعلن إيران مرارا أنها مستعدة لمواجهة إسرائيل والرد عليها مهددة بإزالتها من الخريطة.
وأعلن قائد القوات الجوية الإيرانية في رده على الضربات الإسرائيلية على مواقع إيرانية في 20 كانون الثاني/يناير، أن بلاده مستعدة لحرب حاسمة للقضاء على إسرائيل.
في 24 كانون الثاني/يناير، فتحت “قوات” تتمركز على خط وقف إطلاق النار بين سوريا وإسرائيل في هضبة الجولان، نيران أسلحتها على دورية إسرائيلية ردت عليها بالمثل دون وقوع إصابات بين الطرفين.
سبق ذلك، إطلاق صاروخ إيراني في 20 كانون الثاني/يناير ردت عليه إسرائيل بسلسلة من الضربات الجوية على مواقع إيرانية وسورية جنوب العاصمة دمشق ومطارها الذي أصابته سبعة صواريخ إسرائيلية من أربع طائرات كانت تحلق فوق البحر الأبيض المتوسط قبالة السواحل اللبنانية.
استهدفت الضربات الإسرائيلية في موجتها الأخيرة، أهدافا عسكرية إيرانية سورية مشتركة جنوب العاصمة دمشق وبطاريات الدفاع الجوي ومواقع خاصة بفيلق القدس في أنحاء متفرقة من سوريا جاوزت 37 موقعا مستهدفا، من بينها مواقع تابعة للاستخبارات الإيرانية ومعسكرات تدريب للمجموعات الشيعية المسلحة.
جاءت الضربات الإسرائيلية ردا على إطلاق صاروخ إيراني أرض أرض متوسط المدى على الأراضي الإسرائيلية فشل في الوصول إلى هدفه بعد اعتراضه من منظومة الدفاع الصاروخية (القبة الحديدية) قبل يوم واحد فقط من الرد الإسرائيلي.
وفي غياب أي رد عسكري سواء إيراني مباشر أو عبر القوات الحليفة، هدد قائد فيلق القدس اللواء قاسم سليماني بشن هجوم واسع داخل الأراضي الإسرائيلية قبل انتخابات 9 نيسان/أبريل القادم لإسقاط رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في الانتخابات.
في خريف عام 2017، كشفت إسرائيل أنها نفذت أكثر من 100 ضربة على مواقع إيرانية في سورية وأرتال نقل الأسلحة والمعدات لحليفها في لبنان، وبلغت وفقا لتقارير إسرائيلية، أكثر من 200 ضربة خلال عام 2018.
لكل من إيران وإسرائيل وسائل ردع متبادل تميل كفتها لصالح إسرائيل القادرة على شن ضربات جوية وصاروخية مكثفة دون الدخول ضمن مدى الدفاعات الجوية المحتملة في سوريا، في ذات الوقت الذي تمتلك إسرائيل درعا صاروخيا (القبة الحديدية) يحول دون وصول الصواريخ الإيرانية إلى المدن الإسرائيلية بينما لا يعتقد أن القوات الجوية الإيرانية تمتلك ما يكفي من الطائرات الحديثة والتقنيات المتطورة التي تجنبها وسائط الدفاع الإسرائيلي المضادة للجو.
إلا أن امتلاك إيران لأكثر من 150 ألف صاروخ في مخازن تابعة لحزب الله، وفق تقارير إسرائيلية، يمكن لها إذا استخدمت بكثافة إطلاق عالية أن تربك الدفاعات الجوية الإسرائيلية واحتمالات سقوط أعداد منها على المدن والمنشآت الإسرائيلية، وهو ما تعتقد إيران أن إسرائيل سترد عليه بقوة في العمق الإيراني، ما يجعل الوضع ثابتا على ما هو عليه حتى إشعار آخر.
إحسان الفقيه – الأناضول[ads3]
ايران، اسرائيل، روسيا
تبرّزَ بعضهم على بعض؛ أزكمت الرائحه أنوف العطارين.