لافتة تظهر فتاة ” متحررة في جلستها ” تثير ضجة في باكستان !
يروي الصحفي في بي بي سي عمار إبراهيم قصة شابتين في باكستان أعدتا لافتة لمسيرة يوم المرأة العالمي، لكنهما لم تتخيلا أن تلك اللافتة ستضعهما في قلب جدل واسع في بلدهما.
إذ لا تزال المرأة تعاني في المجتمعات المحافظة التي ما فتئت تراقب تحركاتها: كيف تجلس، كيف تمشي، وكيف تتحدث، وماذا ترتدي؟
ولا يقتصر الأمر فقط على باكستان، إذ يمتد ليشمل العديد من الدول الأخرى، ومنها دول عربية.
وتناضل ناشطات نسويات في بعض المجتمعات من أجل التحرر من وصاية الرجل، وتخرج في مسيرات للمطالبة بحقوقهن المختلفة.
ويقول الصحفي عمار إبراهيم إن روميسة لقاني ورشيدة شابير حسين عندما أعدّتا لافتة لمسيرة يوم المرأة العالمي، لم تكن لديهما فكرة أن تلك اللافتة ستضعهما في قلب جدل وطني مضطرم.
فقبل المسيرة بيوم، حضرت الطالبتان البالغتان من العمر 22 عاما ورشة في عمل في جامعتهما في مدينة كراتشي حول تصميم اللافتات.
لقد أرادتا عمل شيء يجذب الأنظار ويعصف بالأذهان.
وتصادف أن زميلة لهما كانت تجلس بساقيها منفرجتين. هذا المشهد ألهم الفتاتين بشأن لافتتهما.
وترى روميسة أن الطريقة التي تجلس بها المرأة طالما كانت قضية تشغل بال المجتمع.
وتقول: “يتعين علينا أن نكون أنيقات؛ يجب أن نحرص على عدم إظهار شكل أجسامنا. أما الرجال، فيفعلون ما يحلو لهم، ويجلسون كما يريدون، دون أن يلفت ذلك الأنظار”.
وصمّمت روميسة اللافتة مصوّرةً فتاة تجلس فارجة ساقيها بلا مبالاة بينما ترتدي نظارة شمسية.
ثم تفتق ذهن صديقتها رشيدة عن الشعار. وأرادت رشيدة أن تلفت إلى حقيقة أن المرأة “تُطالَب بالجلوس على نحو معين، وبالمشي بطريقة معينة، وبالحديث بأسلوب معين”.
ومن ثم قررت الصديقتان أن يكون الشعار على اللافتة: “ها أنا أجلس بالشكل الصحيح”.
وتناصر روميسة ورشيدة حقوق المرأة، مستندتين إلى خبراتهما الشخصية على صعيد الفروق بين الجنسين.
وبالنسبة لروميسة، بات التعامل مع ضغوط الأسرة عليها لكي تتزوج “صراعا يوميا”. وهي تعتبر عدم زواجها إلى اليوم بمثابة “انتصار شخصي”.
أما رشيدة فتقول إنها تواجه مضايقات دائمة في الشوارع. كما أنها لا ترتاح لفكرة ضرورة زواجها وأن تمسي ربة منزل.
ومن ثم حرصت الصديقتان على المشاركة في إحدى المسيرات النسائية التي شهدتها مدن باكستانية الشهر الماضي.
تقول روميسة: “شعور رائع، أن تصرخ العديد من النسوة مطالبات بحقوقهن. كان ذلك هو مكاننا وتلك لحظتنا، وأظن أن كل الحاضرات استشعرن القوة جراء ذلك”.
ومثلت المسيرات النسائية لحظة مهمة بالنسبة للحركة النسوية في باكستان. وعلى الرغم من أن البلاد شهدت مسيرات نسوية صخمة قبل تلك المسيرات، إلا أن هذه -التي حملت اسم أورات (المقابل الأوردي لكلمة نساء)- تجاوزت الفروق بين الطبقات، كما أنها ضمت بين صفوفها أعضاء من المجتمع المثلي.
وفي عام 2018، صنف المنتدى الاقتصادي العالمي باكستان كثاني أدنى مرتبة على قائمة تضم 149 دولة فيما يتعلق بالمساواة بين الجنسين، ولم تأتِ دونها في هذه القائمة إلا اليمن.
وتعاني النساء في باكستان بشكل منتظم: عنفا محليا وإجبارا على الزواج وتحرشا جنسيا، فضلا عن وقوعهن أحيانا ضحايا في جرائم الشرف.
وحملت بعض اللافتات في مسيرات “أورات” دلالات جنسية في طبيعتها، مما أثار ردود فعل غاضبة في بلد محافظ.
وتعزي القائمات على تنظيم المسيرات ذلك إلى حقيقة أنهن تتحدين فكرة أن الرجال ينبغي أن يكونوا هم مَن يتخذون القرارات بشأن أجسام النساء.
تقول مونيزا، إحدى القائمات على تنظيم المسيرات: “كنا نطرح مسألة الوصاية على الجسم للنقاش … وثمة فكرة في المجتمع المتدين مفادها أن المرأة ينبغي أن تغطي نفسها وتظل مكنونة في المنزل. ونحن في المسيرات كنا نتحدى ذلك”.
وتعتقد روميسة أن رؤية 7500 امرأة مجتمعات في الشارع قد صدم المحافظين.
تقول روميسة: “القيام بذلك على الطريق بصوت عال قد أزعج الكثيرين ممن يستشعرون تهديدا للإسلام، وإنْ كنت لا أرى ذلك. وفي اعتقادي أن الإسلام دين مناصر لحقوق المرأة”.
وقبل أن تخرج من بيتها للانضمام للمسيرات، كانت صورة اللافتة التي أعدتها روميسة قد حققت انتشارا واسعا على وسائل التواصل الاجتماعي.
وقال أحد المستخدمين على موقع فيسبوك: “لا أريد هذا النوع من المجتمع لابنتي”؛ بينما قال تعليق آخر: “أنا امرأة لكنني بكل تأكيد لا أشعر بارتياح لذلك. أظهِروا أننا ننتمي لمجتمع إسلامي”؛ وجاء في تعليق ثالث: “كان يوم المرأة. وليس يوم العاهرة”.
وقالت امرأة في تغريدة على موقع تويتر: “لا أجد وجاهة في ذُعر الكثيرين من كلمات مكتوبة على لافتة، بينما كان أحرى بهم أن يرفضوا خضوع المرأة في باكستان”.
وتلقت روميسة رسائل من أشخاص تعرفهم تقول: “لا نصدق أنك فعلت ذلك، وأنتِ من أسرة محافظة”.
وقال أعضاء في عائلة روميسة الكبيرة لأبويها إنهما ينبغي ألا يتركانها تشارك في مسيرات أخرى.
وعلى الرغم من تلك الضغوط، دعم والدا روميسة ابنتهما في قرارها المشارَكة في التظاهر.
وقالت لافتة أخرى في المسيرة: “جسمي، اختياري”.
وتقول مونيزا إن التهديدات بالاغتصاب والقتل باتت أمرا شائعا منذ يوم المسيرة، “ثارت ردود فعل غاضبة على وسائل التواصل الاجتماعي، وتلقت كثيرات من القائمات على تنظيم المسيرة تهديدات بالاغتصاب. وأعتقد أن ذلك يدخل في إطار فكرة كراهية النساء”.
كما أحدثت مسيرات النساء تلك انقسامات داخل الحركة النسوية في باكستان.
تقول روميسة: “شارك الكثيرون من المناصرين لحقوق المرأة وممن يعتبرون أنفسهم مناصرين لحقوق المرأة في ردود الفعل الغاضبة. معتبرين أن هذه ليست قضايا صالحة للنقاش، ولا على هذا النحو ينبغي أن تسلك النساء… بعض أصدقائي -ممن يعتبرون أنفسهم مناصرين لحقوق المرأة- شعروا أن لافتتي لم تكن ضرورية”.
وتعتقد كشور نابيد، وهي حقوقية نسوية بارزة، أن لافتة روميسة ورشيدة ولافتات أخرى مشابهة، لم تحترم العادات والتقاليد.
وقالت نابيد، أن مَن يعتقدون أنهم يؤّمنون المزيد من الحقوق مستخدمين أمثال تلك اللافتات هم مضلّلون تماما كالجهاديين الذي يعتقدون خطأ أنهم بقتل أبرياء يضمنون مكانا في الجنة.
واتهمت صادية خاطري، في صحيفة دون، الناشطة كشور نابيد بخذلان الحركة النسوية.
ودعت خاطري مَن ينشدون تغييرا إلى تبني الأفكار “غير المتحفظة” التي طرحتها بعض اللافتات.
وقالت: “نريد أن نتبنى أفكار تلك اللافتات ونربط بينها وبين معارك النضال النسوي الأوسع نطاقا”.
وترى خاطري أن “من حق الفتاة أن تفعل ما يحلو لها بجسدها دونما توبيخ أو مضايقة، وحقها في الجلوس بساقين منفرجتين كحقها في الحركة بحرية. إن ذلك لا يعدو كونه إلقاء اللوم على الضحية … مَن الملوم حال وقوع اعتداء، ليست الفتاة هي الملومة، أيا كان ما ترتديه”.
ورغم ما ثار من جدل، لم تندم روميسة على لافتتها، وتقول: “أنا جدّ سعيدة بما أثارته لافتتي من اهتمام، ولست خجلى ولا خائفة من هذا الاهتمام؛ إنه أحد الأهداف التي استخدمنا من أجلها شعارات من هذا القبيل لأننا أردنا جذب الأنظار لمسيرة المرأة ولكافة القضايا”. (BBC)[ads3]