علماء يكتشفون وجود كائنات على قيد الحياة في جليد القطب الشمالي
تسبَّب العصر الجليدي الصغير، الذي بدأ حوالي عام 1300، واستمرَّ لمئات السنين، في زيادة ملحوظة لحجم الأنهار الجليدية في القطب الشمالي، على سبيل المثال، توسَّعت الكتلة الجليدية دمعية الشكل الموجودة في جزيرة إلسمير في كندا، وطغت على المناظر الطبيعية بشكل جعلها تزحف نمواً على أي شيء في طريقها، بما في ذلك ما يبدو أنه حزمة ضئيلة من كائنات تشبه الطحالب.
ووفقاً لمجلة All That’s Interesting، ظلَّ النبات متجمِّداً تحت عمق مئة قدم من الجليد منذ ذلك الحين، وبينما كان الجنس البشري يغزو القمر ويخترع أجهزة الكمبيوتر، ظلَّ النبات خاملاً وآمناً.
ولكن مع استمرار انبعاثات غازات الدفيئة حولنا، وحرق الوقود الأحفوري حالياً، بدأت الطبقات الجليدية في القطب الشمالي في الذوبان بسرعة.
وبحسب موقع “عربي بوست”، حرصت كاثرين لافارج، عالمة الأحياء التطورية، على الكشف عمَّا يكمن أسفلها، مع إدراكها أنَّ حزم الطحالب مخبَّأة هناك، لذا سافرت إلى القسم الأكثر ذوباناً في الكتلة الجليدية لاسترجاع الطحالب وفحصها عن كثب.
وبالرغم من شحوب لون طحلب Aulacomnium turgidum، إلا أنَّه كان أكثر اخضراراً مما يتوقع المرء لشيء عضوي أن يكون بعد أن دُفن تحت الجليد لقرنٍ أو أكثر من الزمان. فجأة، نما إلى ذهن كاثرين احتمالية أن يكون هذا النوع من النباتات لا يزال يظهر علامات الحياة بعد أكثر من 150 عاماً.
في حديث لافارج، التي تدرس الطحالب في جامعة ألبرتا بكندا، عن اكتشافها لعام 2009، قالت: «لم نكن لنفترض أنَّ أي شيء مدفون منذ مئات السنين سيكون قادراً على النجاة، لَطالما اعتُبرَت تلك الكائنات ميتة، ولكن مع رؤية الأنسجة الخضراء قلت لنفسي: حسناً، هذا أمر غير عادي».
لم تكن كاثرين محقة فقط في افتراضها، بل الأكثر من ذلك أن أشكالاً معقدة أخرى خرجت للحياة من جليد القطب الشمالي، بما في ذلك الديدان الخيطية بطول نصف ملليمتر، التي يبلغ عمر أحدها 42 ألف عام. واكتشفتها بالصدفة تاتيانا فيشنفسكايا، عالمة الأحياء المجهرية بجامعة تينيسي، بمساعدة فريقها، خلال بحثهم عن أشكال الحياة القديمة تحت سطح الأرض في سيبيريا، العام الماضي.
وتعد الديدان الخيطية التي يبلغ طولها نصف ملليمتر، والتي عادت مرة أخرى إلى الحياة بعد عدة آلاف من السنين من التجميد العميق، هي رسمياً المخلوقات الأكثر تعقيداً التي قام أي شخص بإعادة إحيائها.
على جانب آخر، تمكَّنت لافارج وفريقها من إحضار العشرات من العينات إلى مختبرهم في مدينة إدمنتون الكندية، وعملوا على تغذيتها بتربة غنية بالمغذيات، وفي بيئة مشمسة ودافئة. عاد ثلث تلك العينات إلى الحياة، ونمت لها براعم وأوراق جديدة.
في تعليقها على ذلك اعترفت لافارج: «ذُهلنا للغاية».
يذكر أنه بعد فترة وجيزة من اكتشاف لافارج، نجح بيتر كونفي، عضو الهيئة البريطانية لمسح القطب الجنوبي، في إيقاظ طحلب عمره 1500 عام دفن تحت عمق ثلاث أقدام من التربة الصقيعية في أنتاركتيكا.
في تعليقه على ذلك قال: «إن البيئة الصقيعية مستقرة للغاية»، موضحاً أن الجليد الدائم يحمي الطحالب من عوامل الإجهاد الموجودة على سطح الأرض، والتي من شأنها أن تُلحِق أضراراً أكبر بكثير بالطحالب من دفنها تحت الجليد. فمع دورات التجمُّد والإذابة التي تحدث كل عام، وكذلك الإشعاع الضار بالحمض النووي الذي يصيب الكائنات فوق سطح الأرض، فإن التربة دائمة التجمد تكون محمية تماماً.
بمعنى آخر، في الوقت الذي نواجه فيه احتمالات تهديد مليون فصيلة بالانقراض بسبب فترة الاحترار الشديدة التي تَسبَّب بها الإنسان، تنجح التربة الصقيعية والجليد في القطب الشمالي والقطب الجنوبي في حماية أكثر الفصائل تحملاً للظروف، بدلاً من إدانتهما بوصفهما مقابر متجمِّدة لتلك الفصائل.
ومن المؤكد أن ديدان د. تاتيانا كانت من النوع المتحمل للظروف، إذ اقتصر بحثها هي وفريقها على الكائنات وحيدة الخلية، لأنها كانت أشكال الحياة المعروفة علمياً الوحيدة المُعتقد بإمكانية إعادة إحيائها بعد آلاف السنين من الاحتجاز تحت الجليد.
فجأة، تمكنت الديدان ذات الرؤوس والشرج، من بين كل أنواع البكتيريا والأميبا، من العودة فعلياً إلى الحياة.
من جانبه علَّق د.غيتان بورغوني، الباحث في مجال الديدان الخيطية في معهد Extreme Life Isyensya بمدينة جوتنبرغ في بلجيكا على الأمر قائلاً: «تنجو تلك الديدان التافهة على كل شيء آخر».
يذكر أن بورغوني سبق أن اكتشفت هذه «الديدان التافهة» في مهاوي الألغام التي يبلغ عمقها ميلين في جنوب إفريقيا، وأوضح أنها متفشية في جميع أنواع البيئات.
إذ تتمكن هذه الفصائل من التوقف عن العمل بشكل أساسي، والدخول إلى طور من السبات الصناعي، أو ما يُعرف بمرحلة داور، التي تحدُث عندما تتدهور الظروف البيئية المحيطة. خلال هذه المرحلة، تُطور الديدان طبقة واقية وتتوقف عن التغذية. من جانبها تثق د. تاتيانا أن الديدان الخيطية يمكنها النجاة إلى أجل غير مسمى، إذا ما جُمّدت بشكل سليم في تصور مرحلة داور.
تقول تاتيانا: «يمكن لتلك الديدان أن تدوم إلى أي عدد من السنوات إذا ما ظلت خلاياها دون مساس».
أما د. بورغوني، فحاله كحال كل خبير آخر في هذا المجال، وصف هذا الاكتشاف القديم بأنه «مفاجأة كبيرة».
إذ أقرّ: «إذا تمكَّنت تلك الكائنات من النجاة لمدة 41 ألف سنة، فليس لديّ أدنى فكرة عن ماهية حدودها».[ads3]