سلطات بشار الأسد تعتقل لاجئين سوريين بعد أن تم ترحيلهم قسراً من لبنان

قالت “هيومن رايتس ووتش” اليوم إن السلطات السورية احتجزت ثلاثة سوريين على الأقل رحّلهم “الأمن العام” اللبناني إلى سوريا. وعقب قراره الصادر في 13 مايو/أيار القاضي بترحيل جميع السوريين الذين دخلوا لبنان بشكل غير نظامي بعد 24 أبريل/نيسان، قال الأمن العام إنه رحّل 2,731 سوريا بين 21 مايو/أيار و28 أغسطس/آب 2019 وسلمهم مباشرة إلى السلطات السورية. إلا أن الأمن العام رحّل ثلاثة أشخاص على الأقل كانوا قد دخلوا لبنان قبل 24 أبريل/نيسان. ولا دليل على أن أيا من الثلاثة يمكنه الطعن في ترحيله في محكمة لبنانية بشكل ملموس.

قالت لما فقيه، مديرة قسم الشرق الأوسط بالإنابة في هيومن رايتس ووتش: “يعرّض لبنان السوريين لمخاطر جسيمة من خلال إعادتهم إلى البلد الذي فروا منه وتسليمهم إلى حكومة مسؤولة عن فظائع جماعية. لبنان ملزم قانونا بالسماح للناس بالطعن في ترحيلهم والمطالبة بالحماية، كما يحظر القانون إعادة أي شخص ليواجه الاضطهاد أو التعذيب”.

وثقت هيومن رايتس ووتش منذ سنوات أشكالا عديدة من الاحتجاز التعسفي والتعذيب والوفيات في صفوف المحتجزين لدى الحكومة السورية. ورغم انتهاء القتال الفعلي في معظم أنحاء سوريا، إلا أن هيومن رايتس ووتش لا تزال توثّق حالات احتجاز تعسفي واختفاء ومضايقات في المناطق التي استعادتها الحكومة. الأشخاص الذين يُرحَلون إلى سوريا وعائلاتهم غالبا ما يخشون التحدث علنا عن تجاربهم.

يستند قرار الأمن العام الأخير إلى تعليمات “المجلس الأعلى للدفاع” بترحيل السوريين الذين يدخلون لبنان عبر المعابر الحدودية غير القانونية. المجلس الأعلى للدفاع برئاسة رئيس الجمهورية اللبناني هو المسؤول عن تنفيذ استراتيجية الدفاع الوطني. يبدو أن هذه القرارات تشير إلى حدوث تحول في السياسة في لبنان، والذي – مع بعض الاستثناءات – لم يُعِد اللاجئين قسرا إلى سوريا.

سياسة الترحيل هي إحدى الإجراءات الحكومية العديدة التي زادت من الضغط على اللاجئين السوريين للعودة، بما فيها الهدم القسري لملاجئ اللاجئين وقمع العمال السوريين ممن ليس لديهم رُخَص عمل. تأتي هذه التدابير القسرية وسط خطاب معادٍ للأجانب من قبل كبار السياسيين الذين يدعون إلى عودة اللاجئين السوريين، ويدّعون أن سوريا آمنة.

كطرف في “اتفاقية مناهضة التعذيب”، لبنان ملزم بعدم إعادة أو تسليم أي شخص معرّض لخطر التعذيب. وهو ملزم أيضا بمبدأ القانون الدولي العرفي المتمثل في عدم الإعادة القسرية بحق أشخاص إلى أماكن يتعرضون فيها لخطر الاضطهاد.

في 31 يوليو/تموز، طلبت هيومن رايتس ووتش معلومات من مكتب الرئيس والأمن العام فيما يتعلق بالأساس القانوني للقرارات الأخيرة لترحيل السوريين، وعملية الترحيل، والإجراءات اللازمة لضمان عدم تعرض المُرحَّلين إلى سوريا للاضطهاد أو سوء المعاملة. لم تتلق هيومن رايتس ووتش ردا.

تحدثت هيومن رايتس ووتش إلى سوري رَحَّله الأمن العام واثنين رُحِّل أقاربهما. تم تغيير جميع الأسماء لحماية هوياتهم.

قال “عادل” لـ هيومن رايتس ووتش إن شقيقه “رامي” قُبض عليه عند نقطة تفتيش في أواخر مايو/أيار 2019 ونُقل إلى مركز للأمن العام في مدينة طرابلس الشمالية. رأى عادل شقيقه رهن الاحتجاز وأكد له العناصر أن رامي لن يرحَّل، بل سيُرسل إلى بيروت ويُطلَق سراحه. ومع ذلك، فَقَد عادل الاتصال مع شقيقه بعد بضعة أيام. لـ 20 يوما، لم تعرف عائلة رامي مكانه. في منتصف يونيو/حزيران، تلقى عادل مكالمة هاتفية من شخص محتجز مع رامي في سوريا ، قال إن رامي محتجز في طرطوس وسيُنقل إلى دمشق في اليوم التالي. لم تتلق العائلة أخبارا عن رامي منذ ذلك الحين.

على الرغم من أن توجيه الترحيل كان ينبغي أن ينطبق فقط على السوريين الذين دخلوا بعد 24 أبريل/نيسان، كان رامي في لبنان منذ يونيو/حزيران 2017 وكان معروفا لدى السلطات. في 2018، اعتقله عناصر الأمن بسبب انتمائه إلى “الجيش السوري الحر” وقد احتُجز في سجن رومية تسعة أشهر تقريبا قبل محاكمته إلى أن برّأته المحكمة وأفرجت عنه.

“عبد الله”، وهو مراسل للمعارضة السورية كان موجودا في لبنان منذ مايو/أيار 2018، احتُجز أيضا في سوريا بعد أن رحّله الأمن العام وسلمه إلى السلطات السورية. قال عبد الله لـ هيومن رايتس ووتش إن الجيش اللبناني اعتقله في طرابلس في 4 يونيو/حزيران 2019 ثم نُقل إلى الأمن العام بعد ذلك بيومين، حيث طلب منه المحقق هويته وتاريخ دخوله. قال عبد الله إنه دخل لبنان قبل 24 أبريل/نيسان، وإن جيرانه يمكنهم تأكيد ذلك وإنه يخشى العودة إلى سوريا بسبب نشاطه المعارض. ومع ذلك، أصر المحقق على ترحيله.

قال عبد الله إن الأمن العام احتجزه ستة أيام ثم سلّمه إلى سلطات الحدود السورية. نُقل إلى عدة فروع أمنية في سوريا قبل أن يرسله القاضي إلى سجن طرطوس المركزي. وقال إنه دفع مبلغا كبيرا من المال لمحام تحصّل له على الإفراج، لكنه لا يزال مطلوبا من قبل الأجهزة الأمنية وبالتالي يحاول مغادرة سوريا مرة أخرى.

كما تحدثت هيومن رايتس ووتش مع “طارق” الذي رُحِّل شقيقه “علي” في يوليو/تموز. وعلي مسجّل لدى “المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين” (مفوضية اللاجئين) وكان يعيش في لبنان منذ عدة سنوات، لكنه ذهب إلى سوريا لتلقي العلاج الطبي ثم عاد إلى لبنان في يونيو/حزيران. قال طارق إن علي اتصل به وأخبره أن عناصر “أمن الدولة” في مدينة صيدا الجنوبية طلبوا رؤية وثائق إقامته. لم يكن لديه إقامة قانونية في لبنان، لكن العناصر قالوا إنهم سيصلحون أوراقه ويطلقوا سراحه. بعد أربعة أيام، نُقل علي من مركز أمن الدولة في صيدا إلى بيروت.

أخبر علي المسؤولين أنه كان متواجدا في لبنان منذ فترة طويلة لكن لم يكن لديه دليل يثبت ذلك. وأخبر طارق أنه وبعد يومين من وصوله إلى بيروت، سُلِّم إلى السلطات السورية عند معبر المصنع الحدودي. اعتُقل عشر ساعات في سوريا، ثم أطلق سراحه وأُمِر بالذهاب إلى قصر العدل في درعا ومراجعة سلطات التجنيد في غضون 15 يوما.

استضاف لبنان ما يقدر بـ 1.5 مليون لاجئ سوري منذ 2011. ينبغي للبلدان الأخرى زيادة مساعدتها للبنان وإعادة توطين العديد من اللاجئين الذين يعيشون فيه.

ينبغي للبنان أن يمنح أي شخص معرض لخطر الترحيل إلى سوريا فرصة مقابلة محام، والالتقاء بمفوضية اللاجئين، وتقديم حجته ضد الترحيل في محكمة مختصة. كما ينبغي للمحاكم أن تحظر أي عملية ترحيل تصل إلى حد الإعادة القسرية، وينبغي للحكومة تقديم كشف منتظم وعلني لعمليات الترحيل تتضمن أسباب الإبعاد.

وقالت فقيه: “ينبغي للدول الأخرى تكثيف برامج إعادة التوطين والمساعدات لضمان ألا يتحمل لبنان عبء استضافة مثل هذا العدد الضخم من اللاجئين وحده. ومع ذلك، لا يوجد عذر للسلطات اللبنانية لانتهاك الالتزامات الدولية وتعريض الناس للخطر”.

هيومان رايتس ووتش[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها