ألمانيا : البحث عمن يرافق الموتى لمثواهم الأخير .. من يحمل التوابيت مقابل أجر ؟ !
عندما يُستدعَون تكون المناسبة التي دعوا إليها حزينةً دائماً.
وسواء كان الجو شديد الحر أو شديد البرد، ممطراً أو عاصفاً أو حتى ثلجياً، لا بد أن تغلب المهابة على مشهد حمل التابوت إلى القبر.
ولكن أصبح في ألمانيا نقص في أعداد حاملي التوابيت.
كما أن الكثير منهم أصبح ومنذ فترة طويلة في سن التقاعد، “فعندما يكون اثنان من الأشخاص الستة الذين يحملون التابوت فوق سن 80 عاماً، فإن الأمر يمكن أن يصبح صعباً، حيث إن الناس أصبحوا اليوم أثقل وزناً، لأن وزن التابوت بالجثة والزينة المعتادة للتوابيت، أصبح يصل إلى نحو 200 كيلوغرام”، بحسب ما أوضح ميشائيل واش، من مؤسسة “فيبر” لدفن الموتى، بمدينة دورتموند الألمانية.
يضيف واش: “لا بد أن يتحلى حامل التابوت بالاحتشام والأدب، وأن يكون قبل كل شيء محافظاً على مواعيده بحيث يمكن الاعتماد عليه”.
يقف حاملو النعش أمام مبنى الكنيسة الذي سيشيع منه المتوفى، ثم يحملون التابوت إلى القبر، أو يضعونه على سيارة بطيئة ويتبعونه إلى القبر، ثم يدلونه إلى قبره برفق قدر الإمكان.
يقول واش: “جرت العادة دائماً على أن يحمل التابوت ستة أشخاص، أهمهم في حفظ التوازن هما الشخصان اللذان يقفان في الوسط”.
يشير واش إلى أنه ليس من السهل دائماً العثور على حاملين للتابوت، خاصةً من صغار السن، “فهذا العمل ليس وظيفة بدوام كامل، ولا يعود على صاحبها سوى بأجر إضافي زهيد”.
من جانبه يؤكد كريستيان ييجر، المدير التنفيذي لاتحاد مؤسسات متعهدي الدفن بولاية شمال الراين فيستفاليا، غربي ألمانيا، على مشكلة نقص العاملين في هذا المجال، ويقول: “تراجع وبشكل واضح عدد الأشخاص المستعدين للقيام بهذا العمل المسؤول”، مضيفاً أن الوسط الشخصي للمتوفين كانوا قبل جيل أو جيلين هو من يتولى هذه المهمة الشرفية، سواء من الأقارب أو الجيران، أو زملاء العمل.
ولكن هناك تراجع في أعداد هؤلاء، “فلقد تغير المجتمع، حيث إن أعضاء الأسرة غالبًا ما يكونون متناثرين في أرجاء ألمانيا أو خارجها، بحيث لا يستطيعون القدوم في الوقت المناسب لحضور الجنازة”، خاصةً وأن الناس في المدن الكبيرة لا يعرفون بعضهم البعض كثيراً.
كما أن الناس يكبرون، “حيث إن رفقاء الدرب القدامى أو الزملاء السابقين قد توفوا بالفعل أو أوهنهم السن، بشكل يُعجزهم عن حمل تابوت رفيق دربهم”، بحسب ما يوضح ييجر، مما يستدعي وجود عاملين مدفوعي الأجر، مخصصين لحمل التابوت.
ولكن ليس من المجدي بالنسبة لمتعهدي دفن الموتى، حسب ييجر، أن يكون لديهم فرق دائمة لحمل التابوت، وذلك لأن هناك تزايداً شديداً في “دفن” رماد الجثث بدلاً من دفن الجثامين، حيث وصلت نسبة الألمان الذين يفضلون حرق جثثهم إلى نحو 70%.
وفي هذه الحالة فإن أحد أقارب الموتى، أو القس، هو الذي يحمل رماد الجثة الموضوع في قنينة.
ورغم ذلك، فلا بد أن يكون متعهد الدفن قادراً على توفير عدد من حاملي التابوت، بشكل سريع، عندما يكون الدفن تقليدياً.
أحياناً تمتد عملية تشييع الجنازة عدة ساعات، “حيث إن أغلب هذا العمل يتمثل في الانتظار الطويل، أما الحمل نفسه فلا يستمر سوى بضعة دقائق”، بحسب ما يوضح متعهد الدفن، واش، البالغ من العمر 49 عاماً.
بعض هؤلاء يحصلون على أجرهم عن كل مرة يشارك فيها، حيث يصل هذا الأجر في كثير من الأحيان إلى 25 يورو.
ولكن ليس من المضمون بالطبع أن يضمن الشخص العامل في تشييع الموتى عملاً منتظماً، وهو ما يجعل من الصعب على صاحب العمل أيضًا اعتبار هذا الدخل ضمن دخله الثابت.
لذلك فإن الكثير من كبار السن يؤدون هذا العمل مقابل دخل إضافي ضئيل.
هناك تزايد في عدد شركات الخدمات التي تتأسس خصيصاً لتغطية هذا النقص في أعداد حاملي توابيت الموتى.
توفر هذه الشركات بشكل دائم أطقم عاملين لمتعهدي الدفن الذين يستعينون بخدمات هذه الشركات.
فهذا على سبيل المثال أندريه شيلينغ، من شركة “NRW”، إحدى شركات خدمات دفن الموتى، يقول: “سمعنا عن وجود صعوبة في العثور على حاملي التوابيت، وأسسنا شركتنا كرد فعل على هذا النقص”.
وفي سبيل ذلك تعتمد الشركة منذ عامين على تعيين مساعدين بشكل غير مؤقت، يتم احتساب أجرهم بالساعة، ويحصلون على حد أدنى من الأجر.
يؤكد شيلينغ أن هناك إقبالاً كبيراً على الخدمة التي توفرها شركته، “حيث تتزايد الحاجة لهذه الخدمات”، وربما اضطر شيلينغ للعمل بنفسه لتغطية النقص في المساعدين.
أوضح شيلينغ أن هذا العمل مجهد جداً من الناحية الجسمانية، إضافةً إلى أنه يتطلب من صاحبه مظهراً خارجياً لائقاً، وأن يتميز بالدماثة ويؤكد أن العاملين في تشييع الجنائز يتدربون على طقوس الدفن، “فلا بد أن تكون كل لمسة في مكانها الصحيح”.
أشار شيلينغ إلى أن حاملي التوابيت يرتدون عادةً حلات أو عباءات داكنة اللون، وقفازات بيضاء، وأحياناً قبعات اسطوانية، وغالباً ما يكون زي هؤلاء موحداً، وهو ما تحرص عليه شركات الخدمات المتخصصة أو شركات متعهدي الدفن.
ويقول ييجر: “الأمر لا يتعلق بمجرد نقل التابوت للقبر من الناحية الفنية، بل بمرافقة المتوفى إلى مثواه الأخير، إنها خدمة نسديها إلى ذوي المتوفى”.
تابع ييجر: “ربما بدت عملية حمل التابوت أمراً مستغرباً، ولكنه عمل شرفي”، لا يمكن أن يؤديه أي شخص، بحسب ما أكملت إيلكه هيرنبيرغر، من الاتحاد الألماني لمتعهدي الدفن، مضيفةً: “لا يكفي مجرد توفر عدد من الشباب الأقوياء، يمكن أن يتصرفوا بشكل غير صحيح”. وأكدت هيرنبيرغر أن متعهدي الدفن يختبرون المظهر الخارجي للمتقدم للقيام بهذا العمل، وسلوكه.
ومن النادر أن تشارك نساء في حمل التابوت، “ولكن كان لدينا في بعض المرات نساء قمن بهذا العمل بشكل أكثر مهارة من بعض الرجال”، حسب واش، مشيراً إلى أن المتعهدين يكتفون أحياناً بالشباب أولي القوة، خلال تشييع الموتى بسطاء الحال، “عندها نكتفي بأربعة حاملين فقط، لأن مكتب الشؤون الاجتماعية لم يعد يتحمل التكاليف”. (DPA)[ads3]