دويشته فيله : ” أريد سكناً أولاً .. معاناة المشردين في شتاء ألمانيا !

680 ألف شخص تقريبا لا يملكون مسكنا في ألمانيا، يبيتون في العراء أو في ملاجئ. والكثير منهم يحلمون بالسكن في شقة. ومبادرة “Housing first” أو السكن أولا، من الولايات المتحدة الأمريكية تتطلع لتحقيق هذا الحلم.

أندري كوركوفياك فخور بالحمام المجهز بكل المستلزمات التي كانت تبدو قبل خمس سنوات مستحيلة التحقيق. فحينها كان مدمنا على الهروين ويقبع في غرفة صغيرة داخل السجن. وقد قضى عشر سنوات في الشارع وفي دور خاصة بالمشردين وفي السجن. والآن هو يسمي منذ ثلاث سنوات الشقة التي تتسع بـ 34 مترا مربعا ملكه الشخصي دون نوافذ مغلقة بقضبان ويتوفر على عقد إيجار وله مفتاح. والجهة التي جعلت هذا ممكنا هي منظمة fiftyfifty من مدينة دوسلدورف التي تتبع منذ نحو أربع سنوات أسلوبا في مساعدة المشردين يحمل اسم Housing first “السكن أولا”.

والفكرة الأساسية بسيطة وهي أن المشردين يحصلون بدون شروط مسبقة على شقة حتى ولو كانوا مدمنين على المخدرات أو يعانون من أمراض نفسية.

والفكرة الخلفية تكمن في أن محيطا مستقرا يساعد على حل المشاكل مثل الإدمان على المخدرات، كما أن المشردين المعنيين غير ملزمين بالمشاركة في عروض مساعدة إضافية. فكل شيء يحصل على أساس تطوعي. وتقول يوليا فون ليندرن، موظفة اجتماعية لدى Fiftyfifty مسؤولة عن مبادرة “السكن أولا”: “نحن نساند تحولا في النموذج الفكري في تقديم المساعدة للسكن”. والأرقام تتحدث عن نجاح المبادرة: فنسبة نجاح البرنامج أي بقاء المشاركين في شققهم يلقى التأكيد في دراسات مختلفة ويحتل نسبا عالية تتراوح بين 75 و 90 في المائة. وحتى منظمة Fiftyfifty تؤكد هذا التطور، إذ أنه من بين 62 شخصا استفادوا إلى حد الآن من البرنامج عاد إلى حد الآن فقط أربعة إلى الشارع.

وفي دوسلدورف يسهر فريق من ستة موظفين على رعاية المشردين انطلاقا من ربط الاتصال الأول إلى الدخول إلى السكن. “نحن نرافق الناس من كيس النوم إلى الشقة”، كما تقول فون ليندرن. وهذا يخلق الثقة. وهذا شرط أساسي لمبادرة “السكن أولا”، كما تعتبر نورة سيلنير، خبيرة في المجال الاجتماعي بالكلية الكاثوليكية في ولاية رينانيا الشمالية ووستفاليا. وتنص المبادرة على أن ” يذهب فريق محترف إلى الشارع ويبحث عن الناس في عين المكان ويقوم برعايتهم”. وهذا الفريق المحترف قد يضم موظفا اجتماعيا وطبيبا نفسيا وطبيبا.

وأندري كوركوفياك مايزال يتردد اليوم رغم توفره على شقة على مقهى Fiftyfifty، وتغمره الثقة ويعرف جميع الموظفين وبعض المشردين السابقين:” أنا مسرور جدا داخل شقتي، لكن أحيانا أشعر بالوحدانية”. وصحيح أن الشعور بالكآبة قد يحصل داخل الشقة، كما تعتبر يوليا فون ليندرن التي تؤكد أن الناس إذا حصلوا على سكن، فهذا ليس ضمانا لحل جميع مشاكلهم. فبعض المشردين يبقون مدمنين على المخدرات أو مرضى بسبب الكحوليات. وحتى أندري كوركوفياك يذهب كل يوم إلى الطبيب للحصول على مادة الميتادون المعوضة للهيروين. وهو يشرب بانتظام الكحول، ويقول بأنه لن يتمكن في هذه الحياة من تجاوز هذه المشكلة. وتقول فون ليندرن بأن “هذا لا يؤدي إلى أن يخسر الناس سكنهم، بل إذا اعترفوا لنا بأنهم عادوا إلى شرب الكحول فإننا نقول هذا يحصل، فكيف علينا حل هذه المشكلة؟”.

وهذا الأسلوب في التعامل يعود إلى أصل مبادرة “السكن أولا”. ففي الأصل تم تطوير المبادرة في نيويورك وكانت تستهدف مجموعة بشرية معينة: مشردين لهم أمراض نفسية ومشاكل إدمان. وفي الأثناء يتم تطبيق المبادرة في أشكال مبتكرة ليس فقط في الولايات المتحدة الأمريكية، بل خرجت إلى النور في العديد من البلدان الأوروبية. ففنلندا أعلنتها استراتيجية وطنية وتمكنت كبلد عضو وحيد في الاتحاد الأوروبي من التقليص من عدد المشردين.

وهل هذا النجاح يعود فقط لمبادرة “السكن أولا” أم لا، فهذا يصعب الجزم فيه، كما تقول نورة سيلنر. “ما يمكن قوله هو أن فنلندا لها استراتيجية واضحة يتم تطبيقها في جميع أنحاء البلاد. فهم يتبنون مبادرة السكن أولا التي تفيد بأن كل إنسان له الحق في السكن وهذا وصل أيضا إلى الساسة في البلاد. وهذا شيء وجب علينا أولا الوصول إليه هنا في ألمانيا”.

كما أن فنلندا تسلك نهجا غير موجود في المبادرة الأصلية “السكن أولا”، لأن هذا البلد السكندينافي قام بإعادة بناء ملاجئ وشقق. وهذا يعني أن المشردين السابقين يسكنون جنبا إلى جنب مع مشردين مروا من نفس التجربة. وفي الأصل تنص المبادرة على أن يسكن المشردون السابقون في مناطق سكنية لا يوجد فيها أشخاص من محيطهم. وبهذا، كما تقول يوليا فون ليندرن يحقق مشروع “السكن أولا” في دوسلدورف أكبر النجاحات: إذا سكن مشردون في بيوت بها أناس لم يعرفوا أبدا التشرد.

وفي ألمانيا يبدأ ببطء تطبيق مبادرة “السكن أولا” لتقديم المساعدة للمشردين. ودوسلدورف وبرلين تتقدم المبادرة بمشاريع ذاتية. لكن حتى مدن أخرى مثل كولونيا وبريمن وهانوفر تلحق الركب. والعقبة العالية دوما في ذلك هي المنافسة في سوق السكن، لاسيما في المدن الكبرى، لأن مبادرة “السكن أولا” تنص على أن يسكن المشردون في شققهم كمستأجرين مستقلين. وهذا يعني أنه يجب إيجاد مؤجرين يقبلون مشردين سابقين. ومنظمة Fiftyfifty تطبق نهجا آخر، إذ أنها تشتري بفضل التبرعات وبيع بعض المقتنيات الفنية شققا، فهي مالكة وتؤجر أيضا. وغالبية الشقق التي تشتريها منظمة Fiftyfifty  تقع خارج وسط المدن وهي تنفق في المتوسط بين 70.000 و 90.000 يورو لشراء شقة واحدة. وهذه مبالغ مالية مرتفعة، إلا أنها تبقى أقل من تكاليف رعاية المشردين في ملاجئ طوال فترة زمنية محددة قد تصل إلى 18 شهرا.

وأندري كوركوفياك كان محظوظا، لأن شقته تقع في وسط مدينة دوسلدورف وتبعد 15 دقيقة عن محطة القطار الرئيسية وهو قريب أيضا من المتاجر والأسواق. ومنذ أن دخل أندري الشقة قبل ثلاث سنوات لم يفكر مرة واحدة في العودة إلى الشارع.

ليزا هينل – دويتشه فيله[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها