أسلوب جديد في ألمانيا لإعادة الشباب الجانحين إلى أحضان المجتمع

استحدثت ولايات ألمانية مشروعات لتأهيل الشباب الصادرة أحكام بحقهم بتسكينهم مع أسر بديلة لتأهيلهم للعودة للمجتمع مرة أخرى، وبحسب تقرير لوكالة الأنباء الألمانية، فهناك ثلاثة مشاريع مماثلة في ألمانيا بدأ تنفيذها عام 2011، حيث يعيش هؤلاء الشباب في شقة يشاركون النزلاء الإقامة بها، ويتبعون خلال فترة الإقامة جدولاً يومياً صارماً يخضع لرقابة مستمرة.

ويقول أحد هؤلاء الشباب، ويدعى رالف: “كنت عضوا في منظمة يمينية مشاغبة تتبنى أسلوب العنف”، وهذا هو السبب الذي جعله في النهاية نزيلاً بأحد السجون.

والآن وقد بلغ رالف 23 عاماً من العمر، فقد صدر عليه حكم لتسببه في أذى بدني وحرمانه من الحرية وذلك من بين عقوبات أخرى.

وعادةً ما يتم جلب الشباب الجانحين في ولاية ساكسونيا إلى مركز احتجاز الأحداث ببلدة ريغيس بريتينغن التابعة للايبزيغ، ولكن رالف لم تعجبه الأوضاع في تلك الإصلاحية، حيث يقول: “منذ اليوم الأول الذي وصلت فيه إلى بلدة ريغيس، عرفت أنني لا أستطيع أن أقيم في هذا المركز وأردت أن أغادر المكان”، ثم جاء بعد ذلك إلى المنزل المطل على البحيرة والمعروف باسم “زي هاوس”.

وخلال جميع أيام الأسبوع، يبدأ يوم هؤلاء الجانحين في الساعة الخامسة والنصف صباحاً بممارسة بعض التمرينات الرياضية في وقت مبكر، ويعقب ذلك تناول طعام الإفطار ثم القيام بأعمال ترتيب البيت والتنظيف، ويجب الانتهاء من جميع المهام قبل موعد بدء المدرسة أو العمل، ويقول رالف ضاحكاً: “ما أرغب فيه بشدة كل يوم هو الذهاب إلى فراشي والحصول على قسط من النوم”.

ويقول فرانز شتاينرت، وهو أحد الآباء المقيمين بالمنزل في إطار المؤسسة التي تنظم هذا البرنامج، ومعه زوجته وأبناؤه الثلاثة: “بعض الأولاد لا يستطيعون تحمل هذا البرنامج”، بينما يشير تقرير لوزارة العدل الألمانية إلى أن نحو ثلث عدد النزلاء ينسحبون من البرنامج.

وقام مجلس مكافحة الجريمة في ولاية ساكسونيا بجمع البيانات خلال الفترة من عام 2011 إلى 2016 لتقييم نجاح المشروع، وتشير البيانات إلى أن نصف عدد الجانحين الذين انسحبوا من استكمال البرنامج يتخذون هذا القرار لأنهم يريدون العودة إلى أحد المراكز العادية للاحتجاز، ويرجع السبب بالنسبة للنصف الآخر إلى أنه يتم استبعادهم نتيجة خرق القواعد مثل قيامهم بسلوك عنيف أو ترك مقر الإقامة دون إذن.

وعندما يتحدث شتاينرت عن “الأولاد” فإنه يعني النزلاء من الأحداث، فلا يوجد ذكر في مركز “زي هاوس” لكلمات مثل السجين أو المجرم أو الجانح أو مرتكب أعمال عنف، ويطلق على الشباب فقط كلمة “أولاد”، وهذا أمر له معناه الرمزي بالنسبة لفلسفة المؤسسة حيث يتم إظهار الاحترام لكل فرد، بغض النظر عما فعله أو المكان الذي جاء منه.

ويوضح شتيفن هوفمان، المشرف على المشروع، أن “النظام يهدف إلى دمجهم في المجتمع، ويتم تشجيع الشباب المشاركين على اكتساب المسؤولية الاجتماعية وعلى إدراك أن أعمالهم يكون لها نتائج وعواقب، وهناك نظام مكون من خطوات ونقاط لتقييم مدى مواظبة والتزام المشاركين بتنفيذ بنود جدول العمل والنشاط، وأيضاً قياس تقدم سلوكهم الاجتماعي وحرصهم على النظافة وترتيب المنزل، وتتم مكافأة الملتزمين بمنحهم مزيداً من الحريات.

ونجح رالف بالفعل في اكتساب بعض المزايا، ويتذكر في بداية قدومه إلى المكان أن دورة المياه كانت في الأساس هي المكان الوحيد الذي يسمح له بالدخول فيه بمفرده، ولكنه يمكنه الآن أن يزور ابنته وصديقته من آن لآخر.

ويقول رالف إن أكثر الأوقات التي يستمتع فيها أثناء وجوده في “زي هاوس” هو الوقت الذي يقضيه مع أطفال الأسرة، حيث يلعب معهم ويقرأ لهم بعض الكتب.

ويستفيد خريجو هذا البرنامج التأهيلي من هذه العلاقة الوثيقة، حيث إن النزلاء يرتبطون بالمرشد الاجتماعي المكلف بالعمل معهم وبأسرته، وهذا التطور يكون له ميزة وفائدة كبيرة بالنسبة للمشاركين في البرنامج، خاصةً فيما يتعلق بإعادة دمجهم في المجتمع، وفقاً لمتحدث باسم وزارة العدل، كما أن مستوى التعليم الذي يحصل عليه المشاركون يعد مرتفعاً، مقارنةً بالمستوى الذي تصل إليه مجموعات أخرى من الأحداث.

ويريد المرشدون الاجتماعيون في “زي هاوس” استضافة المزيد من الشباب المدانين، ويوجد حتى الآن سبعة أماكن في كل شقة مشتركة الإقامة، وتقوم الإدارة في بلدة ريغيس بريتينغن باختيار الأشخاص الذين يتم استضافتهم، وذلك استناداً إلى معايير معينة مثل النجاح في الحصول على عطلة والعودة أثناء فترة الاحتجاز، ويتم بشكل عام استبعاد الأشخاص الذين يرتكبون جرائم جنسية من المشاركة في البرنامج.

ولم يندم رالف على قراراه بالمشاركة في هذا البرنامج التأهيلي، وهو يريد إثبات أنه يمكن لأي شخص أن يتغير في حالة التمسك بإرادة التغيير والعمل على ذلك بعزم، وقد نجح في الحصول على شهادة إكمال الدراسة الثانوية خلال ستة أشهر أثناء إقامته في “زي هاوس”.

وتراود رالف آمال عديدة بعد الإفراج عنه، منها أنه يريد إكمال الخدمة العامة التطوعية على المستوى الاتحادي في ألمانيا، وكانت مشاركته في البرنامج صعبة بالنسبة له في البداية، ويصف تجربته، قائلاً: “عندما بدأت اليوم الأول من إقامتي في زي هاوس، شعرت بأنني أشارك مؤخراً في الحياة مرة أخرى بعد أن أصابني اليأس”.

(الشرق الأوسط – DPA)[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها