ألمانيا و ” الأرواح الشريرة “
فجّر إعلان زعيمة الحزب المسيحي الديمقراطي الألماني، إنجريت كرامب- كارينباور، نيتها التخلي عن منصبها، وعن الترشح لمنصب المستشارية خلفاً لأنجيلا ميركل، أزمة سياسية حادة، كأن «روحاً شريرة» قد ضربت هذا الحزب الذي يعتبر أعرق حزب ألماني بعد الحرب العالمية الثانية، ولعب دوراً محورياً في نهضة البلاد، وإعادة توحيدها على يد زعيمه الراحل هلموت كول.
مبعث خطورة الموقف يعود إلى أن خلخلة الحزب المسيحي الديمقراطي مع ما يعرفه شريكه في الحكم الحزب الاشتراكي الديمقراطي، سيفتح الباب على مصراعيه أمام القوى والتيارات اليمينية الشعبوية والتوجهات المتطرفة لتكتسح المشهد السياسي العام، وتزيد من شدة الاستقطاب، وهو مؤشر سيئ ليس لألمانيا فحسب، بل للاتحاد الأوروبي الذي يقاوم نزعات التفكك بعد الانفصال البريطاني، محاولاً إيجاد قواعد جديدة تساهم في صمود صرحه أمام العواصف السياسية المتوقعة في أكثر من بلد.
مبرر كرامب- كارينباور لاعتزالها الحياة السياسية يتعلق بما تصفه «وجود تحديات جديدة في المجتمع، وابتعاد فئات عدة عن الأحزاب الوسطية والتقليدية»، وهو تشخيص يعكس بعض حقائق الواقع، بعدما أصبحت الأحزاب التقليدية «ثقيلة الظل»، وعاجزة عن تجديد قواعدها الشابة، بينما تكتسب أحزاب جديدة مثل «الخضر» اليساري، أو «البديل» المتطرف، شعبية متزايدة، مستفيدة من انسداد الآفاق أمام الأحزاب الكبرى. وبهذه الصورة تكتمل معالم أزمة خطيرة تضرب النظام السياسي الألماني، ولا تقتصر على الحزب المسيحي الديمقراطي. كما لا يتعلق الأمر بمن سيخلف ميركل بعد انتخابات العام المقبل، التي أعلنت أنها لن تترشح لها بعد استقالتها من قيادة الحزب.
ولكن بعد التطورات الجديدة ربما يعود الوضع إلى المربع الأول، وستنطلق رحلة شاقة للبحث عن «قائد» يمكن أن يحفظ للحزب المسيحي الديمقراطي هيبته وموقعه أمام تحديات جمة، ومخاطر لا يتورع كبار المسؤولين الألمان عن التحذير منها، ومن تداعياتها على صورة البلد القوي في أوروبا. ومن هذه المخاطر تفاقم الانقسامات الاجتماعية والسياسية، وتعرّض التطور الاقتصادي للتدهور في توقيت قاتل على مستويات عدة.
وقبل أيام قليلة، أعرب الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير عن تشاؤمه حيال مستقبل البلاد، في ظل صعود اليمينيين الجدد، ومن أسماهم «الأرواح الشريرة للماضي»، في إشارة صريحة إلى عودة الأفكار الشعبوية والنازية بحلل جديدة. وحمل موقف شتاينماير تحذيراً للطبقة السياسية ودعوة مباشرة لحسن الاستعداد لمواجهة هذا التحدي. ولكن ما حدث في الحزب الحاكم لم يكن استجابة لدعوة الرئيس، بل تأكيداً لما حذر منه.
وإذا لم تحسن النخبة الوسطية الألمانية التصرف مع ما يطرأ من مفاجآت ومستجدات، ربما تنساق البلاد إلى وضع لم يكن في الحسبان قبل أشهر قليلة، فكل شيء في أوروبا أصبح على المحك، خصوصاً في سيدتها الأولى ألمانيا، ووصيفتها فرنسا.
مفتاح شعيب – الخليج الإماراتية[ads3]