لماذا يستمر استخدام الإغراء الجنسي في بيع الملابس النسائية ؟
علمتنا تجارة الأزياء أنه يصعب على شركات الأزياء الكبرى تحديد الخط الفاصل بين تمكين النساء وتسليعهن، وفي الوقت الذي تستنكر فيه السلطات المسؤولة عن مراقبة الإعلانات ووضع معاييرها إنتاج الإعلانات المفرطة في استخدام الإيحاءات الجنسية، أصبح المستهلكون أكثر وعيا من قبل في تحديد الشركات التي تستخدم الإغراء الجنسي لجذب الشابات الصغيرات لشراء منتجاتها.
فما حجم الربح الذي يتحقق من استغلال الجنس للترويج للملابس النسائية في عصر ما بعد حملة “أنا أيضا”؟
والإجابة أنه عندما يكون الأمر بالطريقة الصحيحة، تكون الأرباح خرافية.
لنضرب مثلا بمجموعة “تيك ستايل” للأزياء، إذ ارتفع عائدها السنوي بنحو 750 مليون دولار العام الماضي عند إضافتها خط إنتاج أزياء”سافدج X فينتي” الخاص بالمغنية ريانا، وحقق خط أزياء ريانا نجاحا كبيرا في عالم الأزياء لاتسامه بالشمول والتنوع، واتخذ الأمر منحى كبيرا بعد إبرام اتفاق مع أمازون برايم.
وبحسب أولغا ميترفيلنر، المحاضرة في مجال تسويق وإدارة الأزياء في كلية لندن للأزياء، يكمن سر نجاح خط أزياء ريانا في تبنيه خطاب يولي رغبات الأنثى الأهمية الأكبر، فالأمر يتعلق بأن ترى المرأة نفسها جميلة، لا أن يراها الآخرون، وتحديدا الرجال.
وأضافت: “كل أساليب الدعاية التي تتبعها هذه العلامة التجارية قديمة، لكن ثبت أنها مُجدية مع الشباب وأنها استُخدمت في الوقت المناسب. فتحديق المرأة في صور الدعاية يرجع لعصر شخصيات نسائية تاريخية من أمثال: دليلة وكليوباترا وآنييس سوريل ومدام دو بومبادور. لكن من الرائع تذكير الجيل الجديد بخياراتهم المتعلقة بالقوة والتحكم في كيانهم وما يريدون أن يصبحوا عليه”.
وترى ميترفيلنر أن هناك حراكا في عالم الأزياء يهدف لتمكين النساء وتحقيق شمولية تمثيلهن في المجتمع، مدعوما بحملة على مواقع التواصل الاجتماعي.
وتقول: “التواصل المنفتح بين الأفراد المستهلكين عبر مواقع التواصل الاجتماعي أتاح لهم فرص تعريف شركات العلامات التجارية الشهيرة بما يفكرون فيه ويريدونه”.
وتابعت: “أرى أن الناس دائما ما أرادوا تحقيق التمثيل الكامل للمرأة، لكن شركات العلامات التجارية الشهيرة بدأت للتو في تحقيق استفادة مادية من هذا الأمر على نطاق واسع”.
وأضافت “وكحال الكثير من المنتجات، تبيع شركات الأزياء الآمال والأحلام، والتي تتجسد في عصرنا الحالي في صورة التمكين وشمولية التمثيل الاجتماعي. لكن هذا لا يعني بالضرورة أن المستهلك سيشعر بتمكين أو احتواء حقيقي”.
وتضرب ميترفيلنر مثالين على اختلاف أساليب الدعاية في الحالتين: “فالعلامة التجارية ’فينتي’ تروج للملابس الداخلية عن طريق فكرة تحكم المرأة في جسدها وحياتها العاطفية واختياراتها، لكن ’فيكتوريا سيكريت’ على سبيل المثال تروج لنفس السلعة عن طريق فكرة جعل الرجل يتحكم في جسد المرأة وحياتها العاطفة، وأن خيارها الوحيد أن تكون نحيفة ومغرية وإلا تضاءلت فرصها في الحياة”.
وأضافت: “كل منهما تعد بمنح المرأة القوة عن طريق الملابس الداخلية، لكن إحداهما أصبحت قديمة”.
وتعرضت شركة “إل براندز” المالكة للعلامة التجارية “فيكتوريا سيكريت” للكثير من الهجوم بسبب أحد الإعلانات الشهيرة المفرطة في استخدام الجنس بشكل لا يتناسب مع العصر الحديث. وجاء رد الفعل قويا إذ أعلنت أن مديرة الشركة، ليزلي ويكسنر، تخوض محادثات للاستقالة منها، ما يزيد من الآمال بانتهاج طريق جديد.
وفي الوقت الذي رفضت فيه العلامة التجارية فيكتوريا سيكريت (التي كانت في وقت ما الأكثر تفضيلا بين الشابات) التماهي مع الفكر الجديد للنساء المُستهلكات، حققت علامات أخرى مثل “سافدج Xفينتي” و”بريتي ليتل ثينغ” و”ميسغايديد” نجاحا كبيرا.
والسر وراء هذا النجاح شديد البساطة، وهو أن هذه الشركات استمعت للمستهلكين، بحسب لوسي ليغريت، البالغة من العمر 21 عاما، ودرست الأزياء في جامعة نوتنغهام ترينت.
ولا يعني ذلك اختفاء الإعلانات التي تستخدم رسائل جنسية تماما (رغم أن الكثيرين، خاصة من الأجيال الأكبر سنا، قد تسعد باختفائها).
وتقول ليغريت: “أعتقد أن الأجيال الأصغر مبتلاة بالدعاية المفرطة في استغلال الإغراء الجنسي، وهي كل ما شهدناه في حياتنا”.
وتابعت: “أعتقد أن التصرف الأمثل أن تتفهم العلامات التجارية أن الشعور “بالإغراء” يختلف من امرأة لأخرى. ولا تعني بالضرورة ارتداء الملابس الضيقة والكعوب العالية لدى كل النساء. هذا الفكر أصبح قديما، شعورنا بالثقة هو ما يُشعرنا بالإغراء”.
وتشارك أيملي، التي تعمل في مجلة للأزياء وتبلغ من العمر 21 عاما، الشعور نفسه، وفق ما ذكرت “هيئة الإذاعة البريطانية”، وتقول إن بإمكان شركات العلامات التجارية الرائجة الاستمرار في بيع الملابس المُثيرة للنساء إذا فعلت ذلك بالطريقة الصحيحة.
وتضيف: “أعتقد أن النساء يُقدرن التنوع، ويردن أن يرين أنفسهن مُمثلات جيدا في دعاية شركات العلامات التجارية الشهيرة التي يشترين ملابسهن منها”.
وتكمل: “نريد أن تشعرنا الملابس بالقوة والتمكين، والتركيز على ما يمنحنا شعورا جيدا، بدلا من مجرد أن نبدو بمظهر جيد لأشخاص آخرين”.
وتشير أيملي إلى شركة العلامة التجارية “أوه بولي” كمثال على تسير بعناية على الخط الرفيع الفاصل بين تمكين النساء لأن يشعرن بأنهم جميلات ومغريات من ناحية، والترويج لصورة لا يمكن للنساء بلوغها على أنها الصورة المثالية من ناحية أخرى.
وتقول “اشتريت من هذه العلامة التجارية أحد الفساتين البسيطة. لكنني أفضل الشراء من علامات تجارية أخرى لتنوع الخيارات التي تعرضها”.
وتضيف “وإذا تصفحت حساب انستغرام الخاص بهم (أوه بولي)، ستلحظ تنوعا بين العارضات من حيث العرق، لكن كلهن نحيفات وذوات أجساد رياضية، وهذا لا يمثل كل النساء”.
لكن “أوه بولي” تعد كذلك دليلا على صعوبة الوصول لخيار صحيح. فقد كان لديها حساب انستغرام خاص بصور العارضات ذوات الجسم الممتلئ، لكنها تخلت عن هذه السياسة بعد انتقادات شديدة من جانب الجمهور.
وتقول إيملي: “بعض إعلانات “أوه بولي” للتشكيلة الخاصة بعيد الحب تبدو كإعلانات ذات محتوى جنسي للبالغين أكثر منها إعلان للأزياء. لكنني أعتقد أنه حال الترويج للجنسانية على أنها نوع من التمكين للنساء، وليست مجرد إشباع لرغبة الرجال، يمكن عندئذ استغلالها للترويج للملابس”.
وتكمل: “لا أعتقد أن على شركات العلامات التجارية تجنب استخدام الجنس للترويج للملابس. ولا يجب بالضرورة أن يكون ذلك تسليعا للمرأة ما دام يستخدم بالطريقة الصحيحة”.[ads3]