ألمانيا : ما سر عداء مشجعي الدوري الألماني لهذا الرجل بالذات ؟

ديتمار هوب كان الشخصية المحورية للمرحلة 24 من منافسات “بوندسليغا”، يومي السبت والأحد، وضده رفعت لافتات بعبارات نابية في عدد من المباريات، كمباراة هوفنهايم أمام بايرن ميونيخ ما استدعى توقيفها مرتين.

وفي الدقيقة 77، عاد اللاعبون واكتفوا بتمرير الكرة بينهم إلى غاية نهاية المباراة في حركة رمزية تشدد على غضب الناديين من مشجعيهم، وذلك رغم المحاولات الحثيثة التي قام بها لاعبو بايرن في سبيل اقناع الجمهور باحترام أخلاقيات النادي، وإلا سوف ينهزمون في هذه المباراة رغم تقدم بايرن بسداسية نظيفة.

المشهد ذاته يتكرر في مباراة بوروسيا دورتموند أمام فرايبورغ حيث علت الأصوات بعبارات مهينة ضد ديتمار هوب، مالك نادي هوفنهايم، ما أدى إلى إيقاف اللعب مؤقتاً، ثم بعد ذلك، في مباراة الأحد بين فريقي برلين وفولفسبورغ، هذه المباراة أيضاً توقفت بدورها مرتين.

ديتمار هوب مستثمر ألماني في الـ79 من العمر، يعد من أكبر أثرياء ألمانيا، وكمهندس إعلاميات بدأ مسيرته مع شركة “IBM” العملاقة للبرمجيات، قبل أن يطور نهاية تسعينيات القرن الماضي، إلى جانب مهندسين آخرين برنامج “SAP” المختص في معالجة البيانات، ويفتح شركته التي أصبحت اليوم ثالث أكبر شركة برمجيات عالمياً بعد مايكروسوفت وأوراكل.

في عام 2003، تخلى هوب عن إدارة الشركة لكنه ما يزال يحتفظ بنسبة 5.2% من عائدات أسهمها، وذلك وفق بيانات الشهر الماضي الصادرة عن شركة بورصة القيم الألمانية.

أنشأ ديتمار هوب العديد من الجمعيات والمنظمات الخيرية بقيمة 600 مليون يورو وهي تعمل في العديد من مجالات الحياة، بما فيها التدريس والطب والرياضة، وجميع الهبات التي تقدمها مؤسساته الخيرية تركز على مسقط رأس الملياردير في جنوب غرب ألمانيا.

أكبر استثمار لهذا الرجل خصّه لنادي هوفنهايم، هذا النادي الصغير الذي لعب فيه حين كان طفلاً، وبفضل أموال هوب قفز هوفنهايم من نادي “الضيعة” الذي لا يعرفه أحد إلى دوري الدرجة الثالثة وكان ذلك بين عامي 1990 و2001.

وفي عام 2005، أعلن ديتمار هوب نيته في قيادة هوفنهايم إلى دوري الدرجة الأولى، ولهذا الغرض تعاقد مع المدرب رالف راينيك، بعد عامين صعد النادي بالفعل إلى دوري الدرجة الثانية، ثم في العام الموالي انتزع مكانه بين كبار الدوري الألماني.

ما يعني أن 18 عاماً احتاجها ديتمار هوب لقيادة نادٍ صغير جداً إلى عالم “بوندسليغا”، وتشير العديد من التقارير المحلية أن هوب خصص 350 مليون يورو لناديه، عبرها تعاقد مع لاعبين مهمين، وموّل ملعبين إضافة إلى مركز هوفنهايم للتدريب.

اليوم وبفضل نجاح الفريق وقيمة صفقات اللاعبين التي بات يعقدها لم يعد بحاجة إلى أموال هوب، فالطفل الصغير أصبح شابًا يافعًا يشق طريقه بنفسه.

بالنسبة للمشجعين وأعضاء ألتراس الأندية الأخرى، هوفنهايم “دخيل” على الساحة الكروية لأن نجاحه، كما يعتقدون، “تم شراءه” بأموال ديتمار هوب الذي أطاح بقاعدة 50+1 المعمول بها في الكرة الألمانية، والتي تمنع أن يضع المستثمرون يدهم على غالبية أسهم النادي، إلا ديتمار هوب الذي سمح له بذلك.

هي “ثورة” يقوم بها عشاق الأندية التقليدية ضد رأسمالية كرة القدم، وهذا الرجل بات وجه هذا التوجه، وفي العمق يمكن تشبيه ما حدث نهاية الأسبوع بالمظاهرات ضد العولمة التي تنتقد “توحش السوق”، غير أن الاحتجاج اتخذ أشكالاً مرفوضةً لا يمكن للأجهزة الساهرة على كرة القدم الألمانية السكوت عليها.

يذكر أن ألتراس بوروسيا دورتموند على وجه التحديد، يهاجم منذ سنوات وبقوة ديتمار هوب، وكان أول من رفع لافتة وضع عليها صورته وحول رأسه دوائر نعرفها من تمرينات الرمي بالرصاص، وكان ذلك في عام 2008، وهو ما تكرر الأحد في مباراة برلين وفولفسبورغ، وإلى جانب الجمهور كان أيضاً رئيس نادي دورتموند من أكبر مهاجمي هوب، فقد طالب عام 2011 رابطة الأندية الألمانية بفتح تحقيق ضده وضد ناديه للتأكد من صحة دفاتر هوفنهايم.

ومن الواضح أن ألتراس الأندية الأخرى تحركت نهاية الأسبوع بالتنسيق فيما بينها، لتضع حتى أنديتها أمام الأمر الواقع، وإن كان الهدف المعلن هو شخص مالك هوفنهايم، فإن مشجغي الأندية في حقيقة الأمر غاضبين جداً من الاتحاد الألماني لكرة القدم، وذلك بسبب قراره الأخير بمنع أحد مشجعي دورتموند من دخول ملعب هوفنهايم لثلاث مباريات متتالية يشارك فيها فريقه، وكان السبب، مرةً أخرى، شعارات تهاجم ديتمار هوب.

هذه الخطوة أدت وكما اتضح فيما بعد إلى حركة تضامن واسع بين المشجعين مهما اختلفت قمصان أنديتهم، لكونهم مقتنعين أنه “قرار تعسفي” لم يكن سيصدر لولا أن الأمر يتعلق بهوفنهايم وبمالكه ديتمار هوب، خاصةً وأن الاتحاد واستناداً إلى قرار صادر من عام 2017 لم يعد راغباً في إصدار أحكام الإيقاف ضد المشجعين.

المشهد حالياً يسيطر عليه التصعيد والاختناقـ فمن جهة رابطة الأندية الألمانية والاتحاد الألماني لكرة القدم يتجهان نحو اجراءات أكثر قسوة، خاصةً وأن درجة العنف في الملاعب الألمانية أصبحت مقلقة جداً مع تزايد كمية الشعارات العنصرية العنيفة التي باتت ترفع مؤخراً، ومن هذا المنطلق تمّ ايقاف المباريات نهاية الأسبوع، أولياً مؤقتًا، مع إطلاق تحذيرات خاصة في مباراة برلين وفولفسبورغ بمعاقبة المتورطين.

تلا ذلك قرار الحكم بإرسال جميع اللاعبين إلى غرفة الملابس، والتهديد بوقف المباراة كاملةً في حال تكررت الأمور، ولا يستبعد أن تتجه الأمور إلى ما هو أشد في الأسابيع القادمة.

وفي صباح الاثنين، وفي محاولة لاستيعاب ما حصل، ظهر تباين واضح بين رجالات الكرة الألمانية والمسؤولين حول طريقة التعامل مع الجماهير الغاضبة، فهناك من يدعو إلى رد حاسم لأعمال يقوم بها “مخربون” أو حتى “إرهابيون” عنصريون يطيحون بعالم الرياضة، بينما يوجد فريق آخر يدعو إلى فتح قنوات الحوار المغلقة أصلاً بين الألتراس والاتحاد.

في المقابل يرى الألتراس والمشجعون أنه حان الوقت لما يصفونه بـ”ثقافة حقيقية وخالصة” لكرة القدم، بعيداً عن الأهداف التسويقية التي “أفسدت” عالم الساحرة المستديرة، وليس هذا فقطـ بل هم يرفضون النظر إليهم كمستهلكين للمنتوج الجديد، ويطالبون بدور قيادي يليق بهم كحكم “أخلاقي” مهمته السهر على أن لا يسيطر المال على الكرة، لكن الوسائل تطرح أكثر من علامة استفهام. (DW)[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها