لبنان : إجراءات مواجهة فيروس كورونا تهدد اللاجئين السوريين
قالت هيومن رايتس ووتش اليوم إن 21 بلدية لبنانية على الأقل فرضت قيودا تمييزية على اللاجئين السوريين لا تُطبق على السكان اللبنانيين، كجزء من جهودها لمكافحة “فيروس كورورنا المستجد”، مما يقوّض الاستجابة لأزمة الصحة العامة في البلاد. أعرب لاجئون سوريون أيضا عن قلقهم إزاء قدرتهم على الحصول على الرعاية الصحية ونقص المعلومات عن كيفية حماية أنفسهم من العدوى.
منذ أوائل مارس/آذار 2020، فرضت ثماني بلديات على الأقل حظر تجوّل يقيّد حركة اللاجئين السوريين ضمن فترات محددة، متذرعة بمخاوف من فيروس كورونا المستجد. طبّقت هذه البلديات الإجراءات قبل أن تدعو الحكومة إلى حظر تجوّل على الصعيد الوطني، وتتخطى القيود بحق السوريين تلك التي وضعتها الحكومة على السكان عامة.
قالت نادية هاردمان، باحثة ومدافعة عن حقوق اللاجئين لدى هيومن رايتس ووتش: “لا دليل على أن حظر التجوّل الإضافي المفروض على اللاجئين السوريين سيحد من انتشار فيروس كورونا المستجد. الفيروس لا يميّز ويتطلب الحد من انتشاره وتأثيره في لبنان ضمان تمكن الجميع من الوصول إلى مراكز الاختبار والعلاج.”
حتى 1 أبريل/نيسان، سجّلت وزارة الصحة اللبنانية 479 حالة إصابة بفيروس كورونا المستجد، 14 وفاة ضمنا، بدون تسجيل أي حالة مؤكدة لدى اللاجئين السوريين. في 15 مارس/آذار، أعلن الرئيس ميشال عون “حالة طوارئ طبية” وأمرت الحكومة كافة المؤسسات العامة والخاصة غير الأساسية بالإغلاق باستثناء تلك التي تؤمن الاحتياجات الحيوية مثل المخابز والصيدليات والسوبرماركت والمصارف.
أعلنت الحكومة أنها ستُعلق السفر فورا من البلدان التي تشهد تفشيا خطيرا لفيروس كورونا المستجد، وأدرجت سوريا من ضمنها، ثم أغلقت جميع الحدود الجوية والبرية والبحرية في 18 مارس/آذار. في 21 مارس/آذار، طلب رئيس الوزراء حسان دياب من المواطنين التزام “حظر تجول ذاتي” وأعطى القوى الأمنية تعليمات بالتشدد في تطبيق الإجراءات لضمان بقاء المواطنين في منازلهم. شددت الحكومة الإجراءات في 26 مارس/آذار وأعلنت حظر التجوّل – مع استثناءات محدودة – من 7 مساء وحتى 5 صباحا.
في المقابل، أعلنت بلدية بريتال في بعلبك أنه و”لتفادي تفاقم وانتشار فيروس كورونا المستجد”، يُسمَح للسوريين بالتجوّل ضمن نطاق البلدية بين الساعة 9 صباحا والواحدة ظهرا فقط، وذلك لتلبية الحاجات “الضرورية” فقط، مثل الذهاب إلى الصيدلية أو السوبرماركت. أفاد تعميم البلدية أن الشرطة البلدية ستطبق هذه الإجراءات وأن السوريين الذين سيخالفون هذه التعليمات قد يواجهون “إجراءات قانونية” وقد تتم مصادرة وثائقهم الثبوتية. قد تؤدي هذه الإجراءات إلى تفشي الفيروس في حال خاف السوريون من طلب المساعدة الطبية بعد الساعة 1 ظهرا.
في 16 مارس/آذار، أعلنت بلدية كفرحبو في شمال لبنان عن إجراءات لمكافحة فيروس كورونا المستجد، من ضمنها فرض حظر تجوّل على اللاجئين السوريين من الساعة 3 بعد الظهر وحتى 7 صباحا. في 19 مارس/آذار، “منعت” دار بعشتار، بلدية أخرى في شمال لبنان، السوريين من مغادرة منازلهم أو استقبال زائرين – بدون أي استثناء. في الحالات الثلاث، خضع السكان اللبنانيون الآخرون فقط لقيود عامة تتعلق بالحركة، باستثناء في الحالات الطارئة.
18 بلدية على الأقل في وادي البقاع – حيث يعيش ثلث اللاجئين السوريين في لبنان – فرضت قيود غير حظر التجوّل استهدفت مجموعات اللاجئين فقط. في بر الياس مثلا، ينبغي للاجئين تحديد شخص لشراء وتوفير الحاجات الأساسية للمخيمات غير الرسمية والتنسيق مع البلدية بخصوص هذه التحركات.
الإجراءات التمييزية بحق اللاجئين ليست بجديدة. فرض عدد من البلديات لا يقل عن 330 حظر تجوّل على السوريين بدءا من يناير/كانون الثاني 2020. انتقدت هيومن رايتس ووتش هذه الإجراءات لأنها تُخالف التزامات لبنان الحقوقية الدولية والقانون الداخلي اللبناني.
يفرض القانون الدولي لحقوق الإنسان على السلطات تأمين الاحتياجات الصحية للاجئين، وفي سياق جائحة كوفيد-19، ينبغي لأي قيود على الحقوق الأساسية لأسباب تتعلق بالصحة العامة أو الطوارئ الوطنية، أن تكون قانونية وغير تمييزية، أن تكون أيضا ضرورية ومتناسبة.
قالت هيومن رايتس ووتش إن على الحكومة اللبنانية إبلاغ اللاجئين السوريين بوضح بأنهم قادرون على الحصول على الرعاية الصحية بدون أي عقاب في حال شعروا بأي عوارض تشبه عوارض فيروس كورونا المستجد، حتى لو لم يكن لديهم إقامة صالحة أو أي وثائق أخرى.
ينبغي للحكومة إعطاء الأولوية لمشاركة المعلومات مع اللاجئين السوريين. في مناقشات مجموعات تركيز أجريت في 5 و6 مارس/آذار مع لاجئين سوريين في البقاع وطرابلس، وجدت “أوكسفام” أن “المعرفة والوعي الموجودين في مجتمعات اللاجئين في البقاع وطرابلس حول الفيروس، وكيفية انتقاله وما هي التدابير الاحترازية الواجب اتخاذها، كانت قليلة”. وجدت أوكسفام أيضا أن التكاليف المرتبطة بالحصول على الرعاية الصحية تشكل قلقا كبيرا. أعرب لاجئون سوريون عن خوفهم من تزايد التمييز والوصم في حال أصيبوا بفيروس كورونا المستجد. وصفوا هذا الخوف كرادع لهم لطلب الرعاية الصحية حتى لو أحسوا بالعوارض.
قال وزير الصحة حمد حسن إن على الحكومة اللبنانية أن تتشارك مسؤولية الرعاية الصحية للاجئين مع وكالات “الأمم المتحدة”، لكنه انتقد المجتمع الدولي على بطئه في التعامل مع أزمة فيروس كورونا المستجد. قالت “مفوّضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين” (مفوّضية اللاجئين) إنها تُجري بالفعل حملات توعية وتوزّع مواد نظافة صحيّة.
تدعم مفوضية اللاجئين تكاليف الرعاية الطبية الأساسية للاجئين السوريين في لبنان. اختبار فيروس كورونا المستجد وعلاجه مجانيان حاليا في “مستشفى رفيق الحريري الجامعي” في بيروت للأشخاص المصرح لهم إثر اتصالهم بالخط الساخن لوزارة الصحة وخضعوهم للفرز. أعلن وزير الصحة أيضا في 30 مارس/آذار عن تجهيز تسع مستشفيات حكومية إضافية في أنحاء البلاد لاستقبال مرضى فيروس كورونا المستجد. أعلنت مفوضية اللاجئين أنها ستغطي تكاليف اختبار وعلاج فيروس كورونا المستجد للاجئين السوريين في أي مركز علاجي لكن فقط بعد الفرز الذي تجريه وزارة الصحة وتوصيات هذه الأخيرة. ليس واضحا ما هي الوثائق التي قد تطلبها المستشفيات من اللاجئين. كذلك، ورغم أن المعلومات التي تقدمها المفوّضية إلى اللاجئين السوريين عن فيروس كورونا المستجد تفيد أن “الصليب الأحمر اللبناني” قد يكون متوفرا لنقل الحالات الأكثر خطورة إلى مراكز العلاج، ليس من الواضح على أي أُسس سيجري تقييم خطورة الحالة أو إن كان هذا الإجراء سيكون كافيا ليتمكن اللاجئين السوريين من الوصول إلى المستشفيات، وهو أمر يعتبر نتيجة طبيعية للالتزام بتأمين رعاية صحية متاحة بسهولة. يواجه السوريون الذين ليس لديهم إقامة قانونية خطر الاحتجاز عند نقاط التفتيش في كافة أرجاء البلاد.
في مسح أجراه “المجلس النرويجي للاجئين” مؤخرا، تبيّن أن 81%من اللاجئين “لا يعلمون” بأنه يتعيّن عليهم الاتصال فورا بالخط الساخن التابع لوزارة الصحة في حال ظهرت عليهم أعراض الفيروس أو إن أرادوا التبليغ عن حالة مشتبه بها.
قالت هاردمان: “على لبنان واجب تأمين صحة السوريين واللبنانيين على حد سواء، ولن ينجح في مكافحة فيروس كورونا المستجد إلا في حال ضمن وصول الجميع إلى المعلومات والاختبار والعلاج. لكن يتعيّن على المجتمع الدولي ألا يترك لبنان ليواجه الأزمة وحده، وأن يكثّف جهوده للمساعدة بشكل عاجل”.
الظروف القسرية المحيطة باللاجئين السوريين
بسبب القيود الناتجة عن سياسات الإقامة في لبنان، 22% فقط من نحو 1.5 مليون لاجئ سوري في لبنان لهم الحق القانوني في العيش في البلاد، بينما تعيش الغالبية العظمى في الخفاء وتعتبر عرضة للاعتقال التعسفي والاحتجاز والمضايقة. افتقارهم إلى الوضع القانوني يعني أنهم غير قادرين على العبور بحرية عند نقاط التفتيش الموجودة في كل مكان حتى قبل انتشار فيروس كورونا المستجد، ويجدون صعوبة في الحصول على الخدمات كالرعاية الصحية أو التعليم وفي في تسجيل الولادات والوفيات والزواج.
اتخذ “المجلس الأعلى للدفاع” في لبنان عدة قرارات في 2019 زادت الضغط على اللاجئين السوريين في لبنان، تضمنت الترحيل العاجل لمن يدخل لبنان بشكل غير نظامي، وهدم ملاجئ اللاجئين، وقمع السوريين الذين يعملون دون رخصة. في 26 أغسطس/آب 2019، أفاد “الأمن العام” – الجهاز المسؤول عن دخول وخروج الأجانب – عن ترحيل 2,731 شخصا إلى سوريا منذ 21 مايو/أيار، ما جعلهم عرضة للاحتجاز التعسفي والتعذيب.
التزامات لبنان
لبنان طرف في “العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية” ما يتطلب منه اتخاذ الخطوات اللازمة لضمان “حق كل فرد في التمتع بأعلى مستوى ممكن من الصحة البدنية والعقلية”. الحكومات مُلزمة أيضا بحماية الحق في التماس المعلومات وتلقيها ونشرها لتعزيز الحقوق وحمايتها، بما فيه الحق في الصحة. “اللجنة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية” تعتبر أن توفير “الوصول إلى المعلومات المتعلقة بالمشكلات الصحية الرئيسية في المجتمع والعلم بها، بما في ذلك طرق الوقاية منها ومكافحتها” هو “التزام أساسي”. ينبغي ضمان حماية هذا الحق لكل شخص ضمن أراضيها دون تمييز.
صادق لبنان أيضا على “العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية” الذي يضمن الحق في حرية التنقل. بينما قد تقيّد الدول الحركة في ظروف معينة، ينبغي أن تُسَّن مثل هذه القيود في القانون وأن تكون ضرورية “لحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة أو حقوق وحريات الآخرين”. ينبغي أيضا أن تكون القيود المفروضة على الحركة متناسبة في الحكم على المجالات المعنية، ومدتها، وعدد الأشخاص المتضررين وتأثيرها على حياتهم، مقارنة بالهدف المراد تحقيقه.
لا يمكن فرض قيود على الحقوق، بما في ذلك حرية التنقل والحق في الصحة، على أساس تمييزي، بما في ذلك بحسب الجنسية. ينطبق هذا المبدأ الأساسي حتى أثناء حالات الطوارئ.
*النص كما ورد في النسخة العربية لموقع منظمة هيومان رايتس ووتش[ads3]