ألمانيا : مفارقة نقص الكمامات في البلد الصناعي الضخم
منذ منتصف شهر آذار لم يتوقف هاتف ديفد شميلتس آيزن عن الرنين، المتصلون دائماً مشترون من عيادات ومؤسسات طبية ضمن منطقة هاينزبيرغ التي شهدت أول اصابة بكورنا في ألمانيا.
والمتصلون لديهم سؤال واحد فحسب: هل يوجد مزيد من الكمامات؟، وهم يطلبون مساعدة شميلتس آيزن وزملائه في “معهد تقنيات النسيج” بجامعة آخن، وهنا قد يحصل المرء على معلومات عمن يمكنه أن ينتج كمامات، وعمن لديه مخزونات منها.
ولتأمين طلبات الزبائن، أنشأ ديفد شميلتس آيزن موقعاً يمكن من خلاله تأمين الاتصال بين المنتجين وبين الزبائن وهم الأطباء والمشافي وبيوت التمريض وغيرها من المنشأت الطبية الأخرى.
وفي هذا السياق يقول ديفد شميلتس آيزن متحدثاً لـشبكة “دويشته فيله” الإعلامية الألمانية: “جهزنا حتى اليوم نحو مليون كمامة، وأول دفعة كان حجمها 50 ألف كمامة ذهبت إلى منطقة هاينزبيرغ”.
منصة “need-mask.com” التي يملكها شميلتس آيزن تعنى بالدرجة الأولى بسد احتياجات مؤسسات القطاع الصحي وهي غير معنية بتجهيز الصيدليات أو الموزعين التجاريين من نوع أمازون.
لكنّ مشاكل التجهيز تبقى قائمة مع جميع الجهات كما يقول شميلتس آيزن لأنّ السوق قلق، فحتى الزبائن من القطاع الصحي ليس بوسعهم القول بالضبط متى وكيف تصل شحنات الكمامات المرسلة إليهم، وبهذا الخصوص، يقول شميلتس آيزن: “أسعار الكمامات ارتفعت إلى عشر أضعاف، وهناك الكثير من يعرض الكمامات من المحتالين في السوق اليوم”.
هناك فرق شاسع بين أنواع النسيج المستخدمة في إنتاج الكمامات كما يوضح شميلتس آيزن، فالكمامات المنتجة لاستخدامات الكوادر الطبية يجري إنتاجها من نسيج خاص من رقائق “سنثتيك بوليمرات” لتبطين الطبقات الداخلية من الكمامة، بما يتيح للمستخدم التنفس وتقلل في نفس الوقت من تدفق الجزيئات المسببة للمرض إن وجدت، “نحن نتكلم عن خيوط يقل قطرها 20 مرة عن قطر شعرة الإنسان، ويحتوي نسيجها على 500 طبقة”، كما يقول بيرند رايفنهويزر المدير العام لشركة “رايفنهويزر” المنتجة للمكائن في حديث مع شبكة “DW” الإعلامية الألمانية، ويمضي إلى القول: “القطن أقل كثافة من هذا النسيج، كما أن خاصيته التنافذية أضعف”.
الشركة التي يقع مقرها في مدينة ترويسدورف بألمانيا مجهز رئيسي لنسيج رقائق “سنثتيك بوليمرات” في العالم، فحسب قوله إن 75% من الإنتاج العالمي السنوي من الكمامات الواقية يتم إنتاجه وفق النموذج الذي ابتدعته الشركة، والإنتاج يأتي بشكل أساسي من الصين.
وبسبب النقص الحاد في الكمامات الواقية من فيروس كورونا، فقد أطلقت شركة “رايفنهويزر” خط إنتاج يصنّع هذا النسيج في ألمانيا، وقد بلغ مجمل الإنتاج اليومي مليون كمامة، رغم أن الإنتاج ما زال في مراحله التجريبية.
يكشف رايفنهويزر أن ألمانيا حالياً تفتقر إلى بنية صناعية تحتية يمكنها أن تنتج الكمامات المطلوبة “الصناعة الألمانية ركزت جهدها لسنوات طوال على بناء المعدات والمكائن المعقدة، والآن علينا أن نتراجع خطوة إلى الخلف، ونخلق قاعدة استراتيجية منتجة” لغرض إنتاج الكمامات وأشباهها.
وتحت ضغط نقص الكمامات في ألمانيا، وعدت الحكومة بدعمٍ لحكومات الولايات يصل إلى 30% من قيم الاستثمارات للشركات التي تتبنى خطوط إنتاج أنسجة الكمامات.
أما الجهات الصناعية من قبيل “غرف التجارة والصناعة الألمانية” والمعروفة بـ”DIHK” فقد حذرت من الوقوع في فخ السياسات الحمائية في ظل السباق المحموم الجاري لتجاوز الأزمة الصحية.
خطوط إنتاج الكمامات ذات النسيج الخاص تكلّف ملايين اليوروهات، أما خطوط انتاج الكمامات العادية التي يريدها ملايين الناس فيسهل تأسيسها بكلف أقل بكثير، لكنّ هوامش الربح في الخطين تبدو ضعيفة، وهو السبب الذي دفع بهذه الصناعة إلى الصين حيث أجور اليد العاملة متدنية للغاية مقارنة بمثيلاتها في أوروبا.
وكشف شميلتس آيزن أن خط الإنتاج الواسع لكمامات لا تزيد كلفتها عن بضع سنتات يصعب إرساءه هنا في ألمانيا، مضيفاً: “ويتفاقم الأمر في حقيقة أن الأوروبيين غير متعودين على ارتداء الكمامات كما هو حال الآسيويين”.
شركة “Mahle” المنتجة لقطع السيارات في شتوتغارت، وبعد أن تدنى الطلب على أجهزة تكييف المركبات التي تنتجها، أطلقت خط إنتاج لفلاتر مخصصة لكمامات “FFP3” في شراكة مع مصنع “Triumph”، الذي ينتج المنسوجات “في أقل من أسبوع”، بحسب قول روبن دانش، المتحدث باسم الشركة.
خط الإنتاج يطمح لإنتاج 1.5 مليون كمامة في الشهر، كما جاء في حديث روبن دانش مع شبكة “DW”، لكنه رفض التعليق لدى سؤاله عن مدى مطابقة الكمامات المنتجة لمعايير إنتاج كمامة “FFP3”.
وتسعى شركة “BMW” المنتجة للسيارات ومقرها في ميونيخ إلى الدخول في ميدان إنتاج الكمامات، وقد كشف رئيس مجلس إدارتها، أوليفر تسيبسه، أن الشركة تسعى لإنتاج مئات ألوف الكمامات يومياً.
وفي حديث مع شبكة “DW”، قال المتحدث الرسمي باسم شركة “BMW” إنّ الوجبات الأولى من الإنتاج ستخصص لعمال الشركة وموظفيها في معامل السيارات الخاصة بهم.
وتخطط الحكومة الألمانية لإنشاء جسر جوي لتأمين تدفق الكمامات وغيرها من مواد الحماية الطبية من ألمانيا بشكل منتظّم.
وأعرب شميلتس آيزن عن اعتقاده أن الدول الصناعية من وزن ألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية ستتجاوز عنق الزجاجة في تأمين كمامات الوقاية في مستقبل قريب منظور، لكنّه أعرب عن قلقه بشأن نقص الكمامات المتعاظم الحاصل في البلدان النامية، بما فيها الهند وبلدان أفريقية بدأت تواً فيها أزمة صحية بسبب فيروس كورونا، ومن هنا، فهو يخطط لتوسيع منصته المعروفة بـ”need-masks.com” لتشمل مجاميع تتخصص في إنتاج نسيج الكمامات عبر العالم في مسعى منه لحماية الحلقة الأضعف، وهي البلدان النامية.
أندرياس بيك – دويتشه فيله[ads3]