هل سيأخذ اختفاء فيروس كورونا نفس منحى اندثار فيروس الإنفلونزا الإسبانية ؟

شهد العالم فيروسات وبائية عديدة لكن أكثرها شراسة في التاريخ المعاصر كانت الإنفلونزا الإسبانية التي اجتاحت أنحاء العالم بين أيلول/سبتمبر و1918 وأبريل/نيسان 1919، سجل الضحايا الأوائل المثبتين للفيروس في الولايات المتحدة، ثم تفشى في أوروبا قبل أن يمتد إلى العالم كله. وقدّر معدّل الوفيات ب2,5% (وفق المراكز الأمريكية).

حصدت الجائحة آنذاك أرواح ما يقارب 50 مليون شخص فيما أصيب بها نحو 500 مليون شخص حول العالم (رقم تداولته المراكز الأمريكية للوقاية من الأمراض ومكافحتها).

هذا الفيروس الوبائي الشرس، الذي لم يعرف سببه آنذاك وقتل أكثر بخمس أضعاف من عدد الذين أودت بحياتهم الحرب العالمية الأولى، كان سريع التفشي، إذ كان ينتقل عن طريق الرذاذ عند التحدث أو العطس وغيرها من الأفعال الاعتيادية. أما أعراض المرض فقد كانت مشابهة لأعراض الإنفلونزا الموسمية المعتادة، إلا أنها أكثر شراسة وأسرع انتشارا.

ثلاث موجات للإنفلونزا الإسبانية

انتشرت الإنفلونزا الإسبانية على ثلاث موجات قبل اختفائها. فالموجة الأولى ظهرت في النصف الشمالي من الكرة الأرضية في ربيع عام 1918. وتسببت في عدد قليل من الضحايا وبدت إلى حد كبير مثل الأنفلونزا الموسمية.

لاحقا اندلعت موجة ثانية في أواخر أغسطس/آب من نفس العام، وهذه المرة كانت أكثر ضراوة وحدثت خلالها غالبية الوفيات البالغ عددها 50 مليونًا في الأسابيع الثلاثة عشر بين منتصف سبتمبر 1918 ومنتصف ديسمبر.

أما الموجة الثالثة والأخيرة فقد وقعت في الأشهر الأولى من عام 1919 واستمرت حتى الربيع، وكانت أقل شدة من الموجة الثانية. ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن عدد الموجات وتسلسلها الزمني تختلف بين نصفي الكرة الأرضية الشمالي والجنوبي.

هل تختفي الأوبئة في الربيع؟

أوضحت لاورا سبيني، مؤلفة كتاب “الحمى القاتلة: كيف غيرت الإنفلونزا الإسبانية العالم”، في حوار لمجلة العلوم والمستقبل، أن الأوبئة بشكل عام “تنتهي تدريجيا، وإن لم يتم اتخاذ تدابير الصحة العامة.”

وأشارت سبيني أن الفيروسات تختفي لاحقا تدريجيا بفضل ما يعرف بالمناعة الجماعية (أو مناعة القطيع) لكن ولسوء الحظ فإن “ذلك تحقق في تجربة الإنفلونزا الإسبانية على حساب حياة العديد من الناس، فهناك من مات وهناك من نجا من الوباء وبالتالي فإن هذا الانتقاء الطبيعي هو الذي سمح للفيروس بأن يصبح أقل ضراوة.”

ووفق تصريح إبراهيم القرقوري دكتور باحث في علوم البيولوجيا وتحليل الأدوية في ألمانيا لفرانس24، فإن الاستراتيجية التي اتخذتها الولايات المتحدة في البداية في ظل تفشي فيروس كورونا هي “ألا تفعل شيئا” بهدف اكتساب المناعة الجماعية. لكنها تراجعت لاحقا عن هذه السياسة ولجأت إلى إجراء الحجر الصحي.

والمناعة الجماعية هي شكلٌ من أشكال الحماية غير المُباشرة من مرض معد، وتحدث عندما تكتسبُ نسبة كبيرة من المجتمع مناعة لعدوى معينة، إما بسبب الإصابة بها سابقا أو التلقيح.

من جانبه رجح البروفيسور ديدييه راوول الباحث الفرنسي في مجال الأمراض المعدية في شريط فيدو نشره الثلاثاء على حسابه عبر تويتر أن وباء فيروس كورونا سيختفي في فصل الربيع أي خلال الأسابيع المقبلة.

ويشار إلى أن اسم البروفيسور راوول برز إعلاميا بشكل واسع مع تفشي وباء كورونا، عندما أثار الجدل بشأن نجاعة استخدام عقار الكلوروكين لمعالجة مرضى كوفيد 19.

وأوضح ديدييه لصحيفة لوباريزيان أنه لا يمكن أن نفهم دائما لماذا وكيف يختفي الفيروس بمرور الوقت، “نحن نتحدث عن ظواهر شديدة التعقيد لأنها أمراض متعلقة بالنظام البيئي، وكلما تغيرت النظم البيئية، عدلنا سلوكنا… إنه أمر غريب ولكنه كذلك. نحن لا نعرف جيدا لماذا، لكن كثيرا من الأمراض المعدية اختفت في الربيع في بلادنا المعتدلة”.

وقال راوول إن المستشفى الجامعي للأمراض المعدية، حيث يعمل والواقع في مرسيليا جنوب فرنسا، شهد “ذروته إذ كان يستقبل ما يصل إلى 368 حالة جديدة يوميا أما الآن فنحن نستقبل بين 60 إلى 80 حالة في اليوم. وهو ما يعتبر انخفاضا كبيرا جدا في عدد الإصابات، إضافة إلى تراجع عدد الأشخاص الذين يأتون لإجراء اختبار كوفيد-19، ومن ثم فإنه من الممكن أن يختفي الوفاء في الربيع.” (France24)[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها