خبراء ألمان .. قضية مخلوف إعصار يهدد عرش الأسد ؟
كشف النزاع بين بشار الأسد وابن خالته رامي مخلوف بعضا من خبايا الدائرة الضيقة المحيطة بالرئيس السوري، نزاع عائلي يتجاوز الخلافات المالية المحضة ليَمُس الركائز التي يقوم عليها النظام السوري كما يرى عدد من الخبراء الألمان.
كسر المحرمات بانتهاك قاعدة الكتمان
على مدى خمسين عامًا من حكم سوريا، لم تعرف عائلة الأسد تمزقا مماثلا، عُرضت أدق تفاصيله على الرأي العام وتناقلت فصوله وسائل التواصل الاجتماعي. لقد وضع الأب المؤسس (حافظ الأسد) قاعدة ذهبية تقوم على فرض ستار من الكتمان على غسيل العائلة وعدم نشره في الخارج، مهما كان الثمن، صيانة ً لها وحفاظا على بقاء النظام. فحتى الخلاف الذي تفجر عام 1984 بين حافظ الأسد وأخيه رفعت فُرض عليه ستار من حديد، تكريسا لصورة النظام القوي المنسجم الذي يُطيع بانضباط أوامر القائد. موقع “دير شبيغل” الألماني (19 مايو/ أيار 2020) علق على الموضوع وكتب بأن بشار الأسد بات قاب قوس أو أدنى من كسب الحرب الأهلية المستمرة منذ تسع سنوات، لكن صراعا آخر من أجل السلطة والمال ينخر دائرته العائلية القريبة” منذ أشهر.
الخط الأحمر الذي تم وضعه على أساس الكتمان تم تجاوزه في الأول من مايو/ أيار تاريخ نشر رامي مخلوف، ابن خال الرئيس السوري بشار الأسد، لفيديو أول ثم ثاني اشتكى فيهما من “الطريقة غير العادلة التي يٌعامل بها”. فهل يتعلق الأمر بخلاف عائلي محض، أم هو مؤشر على أزمة أعمق تسللت إلى أركان نظام كذب كل التوقعات ولم تجرفه أمواج “الربيع العربي”. مخلوف رجل أعمال غني مالك شركة “سيريتيل” للاتصالات (يقدر البعض قيمتها بنحو 162 مليون يورو) ويتربع على أكبر ثروة في سوريا. وثيقة مُوقعة من قبل وزير المالية السوري أظهرت قرار الحكومة السورية فرض “حجز احتياطي” على ممتلكات مخلوف ضمانا لتسديد مستحقات لهيئة تنظيم الاتصالات السورية. وقبلها ناشد مخلوف في مقطعي الفيديو الرئيس السوري بوقف الضغوطات عليه للتنازل عن شركاته.
تحولات في أعلى هرم السلطة بدمشق
تفسيرات مختلفة وأحيانا متناقضة، مبنية في الغالب على تكهنات، ظهرت بشأن تفجر هذا الخلاف، منها معلومات متداولة في دمشق تُشير إلى أن مطبات مخلوف، الذي تعتبره المعارضة من أبرز رموز فساد النظام، لها علاقة مباشرة بالفريق الاقتصادي الذي تديره أسماء الأسد (عقيلة الرئيس السوري)، ويبدو أن هذا الفريق وضع خطة لاستعادة المبادرة في قطاعات المال والأعمال في ظل الأزمة لاقتصادية الخانقة التي تجتازها البلاد، ولكن أيضا لدرء أي مخاطر أو منافسة محتملة تهدد مستقبل عائلة الأسد. وبهذا الصدد كتب موريتس باومشتيغر في صحيفة “زودويتشه تسايتونغ” (الخامس من مايو/ أيار 2020) أن “اختيار مخلوف لأسلوب الفيديو للوصول إلى ابن خالته فيه جانب استعراضي، لكنه يكشف في الواقع عن تحولات في أعلى هرم السلطة، فلطالما كان مخلوف أحد المقربين من الأسد، الذين دفعوا نحو نهج متشدد، بعد احتجاجات عام 2011، وقام بتمويل الحرب ضد الشعب السوري”.
اندلاع الخلاف بين الأسد وابن خالته تأجج نهاية العام الماضي، حين صدر أمر بالحجز الاحتياطي على أموال رجل الأعمال النافذ. قبلها، وصلت على ما يبدو إشارات من موسكو أوعزت للأسد، بحل ميليشيات “البستان” الذراع العسكرية لمؤسسات مخلوف الاقتصادية والخيرية. وهنا تتضارب الروايات أيضا: فهناك من يرى أن الكرملين بات يرى في “جشع” مخلوف خطرا على استقرار النظام في دمشق، فيما يرى البعض الآخر بأن موسكو نفسها تسعى للاستحواذ على شركة “سيريتيل” وأجزاء أخرى من القطاعات الاقتصادية يحتكرها مخلوف. غير أن الأكيد هو أن الصراع لا يقتصر على المال فقط، فقد كدست عائلتا الأسد ومخلوف ما يكفي من الثروة للعيش في ترف دائم، لكن الأمر يتعلق أيضا “بصراع على السلطة والنفوذ” على حد تعبير أوليفر بيشا في مقال نشره موقع “مينا ووتش” (14 مايو/ أيار 2020).
نجم سطع في ظل حكم بشار الأسد
ظهرت بوادر الخلافات بين الطرفين صيف عام 2019، عندما استحوذت السلطات السورية على جمعية رامي مخلوف الخيرية، قبل حل الميليشيات التي يمولها والتي تورطت في الحرب الأهلية. المعارضة السورية تؤكد أن مخلوف موًل ما يسمى بميليشيات “الشبيحة” التي تسببت في العديد من القتلى خلال المظاهرات التي اندلعت في زخم “الربيع العربي”. وفي ديسمبر/ كانون الأول 2019، حينما قررت السلطات متابعة عدد من رجال الأعمال بالتهرب الضريبي والإثراء غير القانوني، شمل ذلك أيضا صديق طفولة الرئيس بشار الأسد، رامي مخلوف.
صعد نجم مخلوف بسرعة البرق بعد تولي بشار الأسد السلطة عام 2000 ليصبح أحد عناوين الانفتاح الاقتصادي، ويقال أنه تمكن خلال سنوات من بسط سيطرته على 60 بالمائة من الأنشطة الاقتصادية في البلاد، وحتى إذا كان هذا الرقم مبالغا فيه، فإنه يؤكد موقع رجل الأعمال مخلوف في الاقتصاد السوري، واستفادته في ذلك من موقعه داخل “العائلة الحاكمة”. أنشطته مخلوف امتدت لتشمل قطاع الاتصالات والمحروقات والكهرباء والبنوك والنقل الجوي. وهناك من يقدر ثروته بعدة مليارات من الدولارات. باومشتيغر أوضح أن “أسرة الأسد متعطشة للسلطة بقدر ميلها للدسائس، فقصور دمشق قد تتحول لكواليس مؤامرات، رغم أن الدائرة المحيطة ببشار الأسد حريصة دوما على إعطاء صورة متماسكة نحو الخارج”.
التنافس الروسي الإيراني يخترق العائلة؟
هناك من يُرجع مآسي مخلوف لصراع النفوذ بين طهران موسكو، فالأخيرة قد تكون منزعجة من عجز الأسد على إنهاء حرب باهظة الثمن، وضع لا يسمح للشركات الروسية من أخذ نصيبهم من مشاريع إعادة الإعمار الضخمة. آل مخلوف قريبون تقليديا من موسكو ولهم استثمارات هائلة في روسيا. وبالتالي فإن مخلوف يعتبر نظريا حليفا لروسيا عكس ماهر الأسد شقيق الرئيس الذي يعتبره المراقبون قريبا من إيران. غير أن المفارقة تكمن في ظهور روايات تؤكد أن الروس هم من يقفون وراء انهيار امبراطورية مخلوف لرغبتهم في تقاسم الكعكة الاقتصادية بعد دورهم الحاسم في إنقاذ نظام الأسد. وحسب “مينا ووتش” يبدو “أن الإيرانيين بدورهم أرادوا دخول سوق الهواتف المحمولة السورية عامي 2014 و 2015 ، وكان مخلوف على ما يبدو هو من حال دون ذلك. فسوريا ليست “دولة عادية”، لقد استولت أسرة على بلد تنهب فيه منذ عقود” على حد تعبير الموقع.
شبكة الإعلام الألمانية “إير.إن.دي” أوردت في (20 مايو/ أيار 2020) دعوة حشمت الله فلاحت بيشة العضو في لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني، إلى استعادة أموال إيران من سوريا والتي قدرها بـ 20 إلى 30 مليار دولار، ما دفع مراقبون للتساؤل حول توقيت تلك التصريحات. وأكد بيشة أن “الدعم الإيراني للحكومات والحركات المسلحة في سوريا واليمن وفلسطين ولبنان يواجه انتقادات متزايدة داخل إيران، كما ظهر ذلك خلال الاحتجاجات الشعبية الأخيرة هناك. وزاد الوضع تأزما بعد تجدد العقوبات الأمريكية والأزمة الاقتصادية الناتجة عنها، فبات العديد من الإيرانيين يطالبون الحكومة باستثمار الأموال في البلاد وعدم إنفاقها على العرب”.
تنامي نفوذ آل مخلوف ـ خطر على الأسد؟
الواقع أن متتبعي أوضاع سوريا حائرون في تفسير تفجر هذا الخلاف. فهل يعود ذلك لتولد شعور محتمل لدى عائلة الأسد بالنفوذ المتعاظم لرامي مخلوف وأشقائه ما قد يشكل تهديداً مستقبليا على بشار وشقيقه ماهر؟ عمليا، هناك ما يدعم هذا الطرح، خصوصا وأن مؤسسة “البستان” الخيرية التابعة لمخلوف كانت بدأت بتقديم الدعم المالي للمنتسبين للجيش وقوات الأمن من أبناء العلويين. كل هذا يبقى مجرد تكهنات في ظل غياب معطيات واضحة من مصادر مستقلة. صحيفة “زينيت” الألمانية في عددها يوم (20 مايو/ أيار 2020) أجرت حوارا مع بسمة قضماني، الناشطة السورية المعارضة والمديرة التنفيذية لـ”مبادرة الإصلاح العربي”. قضماني أكدت بدورها أن “كل ما يتعلق بالنزاعات الداخلية داخل الأسرة الحاكمة السورية هو مجرد تكهنات. ليس لدينا سوى القليل من المعلومات الموثوقة. أعضاء الدائرة الداخلية للسلطة لا يتحدثون عن مثل هذه الأمور. (..) لكني أعتقد أن الصراع بين بشار الأسد ورامي مخلوف يعتبره النظام السوري مسألة خطيرة”.
غير أن الأسد يواجه مشكلة حقيقية مع ابن خالته، لأن أي مقامرة بتقسيم العلويين، العمود الفقري لحكمه، قد تكلفه غاليا. السوريون استمعوا بعناية للظاهر والمستتر في شكاية مخلوف على شرائط الفيديو، في محاولة لفك شفرتها، خصوصا وأنها تضمنت تلميحات اعتبرها البعض غامضة يمكن تأويلها في كل الاتجاهات. كريستوف إرهارت مراسل صحيفة “فرانكفورته ألغماينتسايتونغ” في بيروت كتب مقالا (15 مايو/ أيار 2020) عرض فيه شهادات لسوريين من الطائفة العلوية. وأورد شهادة رجل في الثلاثينات قال “لقد ضحينا بدمائنا، لكننا لم نحصل على شيء مقابل ذلك”، في إشارة للحرب الأهلية التي استنزفت طاقات البلاد. ويرى إرهارت في تنمامي عدم الرضا بين العلويين “إضعاف لسلطة الرئيس الأسد داخل الدائرة المحيطة به، فالعديد من العلويين يبتعدون عنه وحتى صبر روسيا بدأ يتلاشى.. فهل يمكنه الصمود؟” أزمة من شأنها إحداث شقوق قد تتفاقم وتهدد مستقبل النظام.
حسن زنيند – دويتشه فيله[ads3]