” نحن من خرب بلادنا ” ! .. هيثم مناع يتحدث عن المعارضة و قسد و مظاهرات السويداء و قانون قيصر

أجرى المرصد السوري لحقوق الإنسان حواراً مع المعارض السوري هيثم مناع، تحدث فيه المعارضة و قسد و مظاهرات السويداء و قانون قيصر.

نص اللقاء كما جاء في موقع المرصد:

س- سورية اليوم على مفترق طرق، وأغلبية الآراء تذهب إلى أن الواقع لم يعد يحتمل بقاء النزاع السوري على حاله، كيف تقرؤون الوضع الحالي في سورية؟

ج- بعد تسع سنوات من النزاعات المسلحة، جرى وضع السوريين في وسط دوار، تتقاسم دول التدخل والنفوذ كل المخارج حوله. وكون مستقبل الشعب السوري هو الهمّ الأخير لهذه الدول، فهي تُجمع على مسألة واحدة: تهميش وضرب كل من يتحدث عن انتقال ديمقراطي أو سورية موحدة ذات سيادة، عن سابق إصرار وتصميم. لا يدفع ثمن التوافقات التركية الروسية سوى المواطن الحالم بحياة آمنة، رغم أن كلا الدولتين تتوافقان مع دول أخرى على المادة الثامنة من بنود القرار 2254 والمتعلقة بالقضاء على “داعش” و”القاعدة” ومن يتبعهما، وهذا ينصب فصائل “أبوعمشة” على رقاب الناس، وذاك يغض الطرف عن الفصائل التابعة للحرس الإيراني في حدود وقف إطلاق النار المقابلة، أما أحوال أكثر من مليون نازح وهجرة 40 بالمئة من سكان سورية، فليست على طاولة البحث.

من يستطيع اليوم أن يتحدث عن “الجيش الحر” والفصائل التي تعمل تحت أوامر الأمن العسكري التركي.. وأكثر من 400 مقاتل منهم اندهسوا في الأراضي الليبية، حيث أرسلوا مرتزقة؟ في طرف النظام، وبرغم أن طنجرة البخار يمكن أن تنفجر في أي لحظة، لا يزال الهم الرئيسي لأجهزة الأمن اعتقال من يمكن اعتقاله من المواطنين، والممارسات الحاقدة بحق شعب.. الهمّ الرئيسي لأمراء أموال الحرب هو تأمين مكان لسرقاتهم. المواطن لا يجد ما يأكل والمريض لا يملك ثمن الدواء.. الناس تفتش عن طعامها في القمامة، والحلقة الضيقة تتمتع بأوضاع لا يعيشها أغنى الأغنياء في الغرب.

لماذا يدفع الشعب وحده فاتورة أسطورة الصمود والتصدي؟ الشبيبة الثائرة في حوران سهلا وجبلا لم تعد تقبل هذا الضيم، وصورة المظاهرات السلمية في جاسم ودرعا ونوى في 2011 تعود بقوة اليوم إلى درعا وطفس والسويداء. في شرقي الفرات تتكرر التراجيديا مع “قسد” المتمسكة بسلطة أمر واقع. ومن مهازل الأيام أن تستجدي ابنة قنديل بالأمس دونالد ترامب إبقاء القوات الأمريكية في سورية وأن يستقبل عبدي “المظلوم” برنار هنري ليفي. المصيبة أن جميع من اختار العنف ومارسه يتحدث عن انتصارات، من قصر بشار الأسد إلى سليم إدريس ومن عبدة الائتلاف إلى قيادة قنديل؟ لا أحد يريد أن يقول إن مشروعه قد هزم وشبع وحلاً وتعفنا ووسخا. عندما لا يعي أطراف الصراع هزيمتهم، لا يمكن لهم أن يبصروا سبلا لانطلاقة جديدة، وسيتابعون شرب المياه الآسنة في المستنقع الذي يركنون إليه.

س- في 2011، قلت إن نظام الأسد قد مات في القلوب وفي العقول، من أين ستأتي النجدة للخلاص منه؟

ج‌- نحن من خرب بلادنا.. سقطات بعض السياسيين عندما طبعّوا مع فكرة التدخل الخارجي والقابلية للاستعمار. في يوم افتتاح مؤتمر ما سمي “أصدقاء الشعب السوري” في تونس، كنت في قصر قرطاج عند منصف المرزوقي الذي قال لي: تعال وأعطِكَ وقتي في الحديث للتكلم في اللاءات الثلاث (لا للطائفية، لا للعنف، لا للتدخل الخارجي). قلت له: مجرد دخولي الصالة يعني أنني دخلتُ في اللعبة، دخلتُ في محور ضد محور، أي قبلتُ بأن ينتقل الملف السوري من صراع ضد الدكتاتورية إلى صراع على سورية.. بعد ساعتين من النقاش وضع لي أحد العاملين في قرطاج وجبة غداء لوحدي وذهب منصف لوحده.

من مضحكات الأيام أنه في اليوم الذي أجرى حمد بن جاسم مقابلة قال فيها “تهاوشنا على الصيدة”، كان في سورية أربع جبهات قتال. كلنا يرى ماذا فعلت “النجدة” الأمريكية البريطانية في العراق بعد 17 عاما؟ في 2012 قلت على (بي بي سي): “اللي بدّو يجاهد يجاهد في بيت أبوه”، وأضفت: “إذا جاء ألف من الشيشان سيأتي ألفان من لبنان”.. معظم ما يسمى “قوى الثورة والمعارضة” اعتبرني خائنا للثورة وعميلا للنظام. اليوم يرى الناس ثمن التدخل الخارجي، وثمن فتح أردوغان حدوده لأكثر من 120 ألف جهادي تكفيري، وثمن فتح الأسد البلاد للميليشيات الموالية لإيران (من لبنان إلى أفغانستان). عدنا اليوم إلى مرحلة التحرر الوطني، لذا صرنا نقرأ ما فعل سلطان باشا الأطرش لإجهاض مشروع الدويلات الطائفية في سوريا وكيف شكل الوطنيون كتلة نجحت في انتخابات 1928 وكيف قامت الحركة الشعبية في جبل العرب بإلغاء ما سمته فرنسا “الاستقلال المالي والإداري لجبل الدروز”، ونطالب كل الوطنيين بإلغاء حكومات الأمر الواقع في إدلب والقامشلي، والتي لا تختلف عن المشروع الفرنسي قبل 90 عاما.

لو سمح للحراك السلمي الشعبي بالاستمرار دون تدخل خارجي مسلح، لَمَا كنا اليوم في هذا الحال. واليوم وبرغم كل المآسي السورية أقول: الحل إما أن يكون سورياً وفق القرارات الدولية المعروفة حتى لبائع الخضرة، أو لن يكون.

س‌- في خضم الحرب المستمرة منذ عشر سنوات، هل توجد استراتيجية دولية للسلام في سورية برأيك؟ وهل يرضي أي حل الشعب السوري، المعني الأول بمصيره؟

ج‌- للأسف، أقول في هذه اللحظة لا، ولكن حتى لا أزرع التشاؤم، أستدرك: سيصل مختلف الأطراف بالضرورة والمصلحة، إلى هكذا حل كهذا في أمد غير بعيد، لكن على أطراف الصراع السورية أن يدركوا أن الحل السياسي لا يمكن أن يحدث دون تنازلات جراحية ومؤلمة. عندما يقول الجعفري -وهو أدهى كثيرا من قيادات المعارضة “الرسمية”: “لن يأخذوا في المفاوضات ما لم ينجحوا في الحصول عليه في المعارك”، فهو يلغي فكرة التفاوض من أساسها. التفاوض كما ندرّس في المعهد الإسكندنافي لحقوق الإنسان باختصار: “يجري التفاوض بين مكان يمكن تسميته ألف ومكان اسمه باء، ولا ينجح إلا بانتقال الطرفين إلى موقع جديد اسمه جيم”.

هناك غباء آخر يصل إلى حد الجريمة، يتمثل في قناعة صناع القرار في دمشق في أن الوقت لصالحهم. إن أي إطالة للعملية التفاوضية هي عملية اغتيال بطيئة لها. “تجمّع المصالح الأمني العسكري” الحاكم لم يكن يملك من مفهوم النظام شيئا قبل 2011، وكان المنتج الأكبر للعنف خلال تسع سنوات، ولكنه لم يعد المنتج الوحيد له منذ منتصف 2012. لم يعد يحتكر السلاح، وبالتالي لم يعد يحتكر القتل والتشبيح. الأيادي التي تلوثت بالدم والفساد والارتزاق موجودة على كل الجبهات. وكما للنظام سجون، فللجولاني وعصابته أحد عشر سجنا لا تقل وحشية وإجراما عن سجونه.

في ليبيا، غيّر أردوغان موازين القوى بآلاف المرتزقة السوريين القادمين من مناطق نفوذه، لكن الكم الأكبر من هؤلاء لا يزال شرقي وغربي الفرات. في شرقي الفرات، شكّل الأوجلانيون جيشا مسلحا مدعوما ومحميا من الأمريكي. هل يمكن تفتيت هذه البنيات العسكرية قبل وضع عملية بناء جيش وطني لكل السوريين على طاولة المفاوضات؟ والعمل الجدي على إنجاز دستور جديد للبلاد، والجاهزية المجتمعية لحماية المواطن والانتخابات لعودة التمثيل الشعبي لأصحابه؟ كل هذا يحتاج إلى مؤتمر دولي من أجل سورية، يشارك فيه كل من شارك في مؤتمر فيينا، يصدر توصيات واضحة من أجل وضع القرار 2254 موضع التنفيذ بقرار أممي جديد بأجندة زمنية واضحة وبإلزام والتزام من مختلف الأطراف. أما قمم بوتين-أردوغان، وعنتريات جيفري وإدارته، فلا تشكل سوى حبوب مخدرة لا تغير في الوضع المأساوي شيئا.

س‌- ما مدى تأثير قانون قيصر على النظام، لا سيما وأن آراء عديدة تجمع على أن سياسة الحصار لا يتضرر منها إلا الشعوب.. ما هي تداعيات هذا القانون على الشعب السوري الذي يعيش أصلا أزمات خانقة؟

ج‌- أنتم توجهون هذا السؤال إلى من اختارته 350 منظمة غير حكومية في 1998 لتقديم مشروع بيان للجنة حقوق الإنسان في جنيف بعنوان: “حماية حقوق الإنسان ومنع ارتهان الشعوب بالعقوبات الاقتصادية”. العقوبات سلاح اقتصادي بوجه المجتمعات الهشة والضعيفة. من يستطيع إعادة الحياة إلى نصف مليون طفل عراقي كانوا ضحية عقوبات سميت بـ”الذكية” لم تنجح في إزاحة صدام حسين من قصره؟ لقد عاصر فيديل كاسترو سبع رؤساء أمريكيين وكوبا تحت أقسى عقوبات أحادية الجانب في التاريخ، ومات في بيته بعد توريث أخيه. مصيبتنا كسوريين، أن من جرى اعتماده ممن سمي بأصدقاء الشعب السوري، لم يكن يتمتع لا بالكفاءة ولا الكاريزما ولا الكرامة. أما الوطنية عنده فتهمة.

اليوم، يروج البعض لـ”قيصر” باعتباره معجزة يسوعية ستوجه الضربة القاضية لبشار الأسد.. ولا استغرب ذلك، فأغلبية من غادر سورية منذ 1982، ليست لهم حتى علاقات قربى مع من يعاني داخل سورية، وبعضهم يصل به الحد إلى القول: “الناس التي في الداخل تستحق لأنها لم تنتفض على الأسد”. هذا المنطق الذي يساوي بين القامع والمقموع مرفوض مبدئيا وأخلاقيا، فكل ما يقال عن “عبقرية” هذا القانون “الذي لن يصيب إلا الجماعة الحاكمة ولا يؤثر على حياة الناس” يثير الغثيان.

س- التغيير الديمقراطي الجذري.. بمن سيجرف برأيك؟

ج- يمكن الحديث عن تغيير ديمقراطي جذري، إذا لم يقدّم للمحاكمات العادلة كل من تلوثت يداه بالدم السوري وسرق البلاد والعباد.