الطلبة الأجانب في ألمانيا و في الغرب أمام تحديات جديدة

خلقت جائحة كورونا حالة من الحذر لدى كثير من الطلبة الوافدين إلى الغرب للدراسة، ففي الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، أجبر بعض الطلبة على مغادرة الأقسام الداخلية في إجراء احترازي يسعى إلى الحد من انتشار الفيروس، المداخيل المتواضعة التي يجنيها الطلبة من بعض الأعمال الصغيرة، تدنت إلى الصفر تقريباً، ووجد آلاف الشباب من الجنسين أنفسهم تائهين في بلدان غريبة ولا سقف يحميهم، بلا نقود، وبلا وسيلة يحصلون من خلالها على المساعدات الاجتماعية الحكومية.

إغلاق الحدود أعاق خطط سفر الطلبة العالقين، وفاتت كثير منهم فرصة العودة إلى بلدانهم، أما من غادروا البلدان التي يدرسون فيها، فقد علق كثير منهم في بلدان أخرى بسبب إغلاق الحدود ووقف الطيران، أما الذين نجحوا في العودة إلى بلدانهم فقد تدنت مستويات دارستهم إلى صفوف متناثرة نظرا لصعوبات الدراسة (أولاين) بسبب تفاوت التوقيت بين البلدان، ورغم ذلك هم ملزمين بدفع أجور التعليم الباهظة.

رغم الجهود الكبيرة للجامعات للتكيف مع الأزمة الصحية المتفاقمة، يتوقع أن يشهد قطاع التعليم تدنياً شديداً في أعداد الطلبة الوافدين من الخارج، فالمخاوف بشأن السلامة والوضع الصحي والوضع المالي باتت تحجب آلاف الشباب الباحثين عن فرص لمواصلة تعليمهم، هذا علاوةً على تصاعد التفرقة العنصرية تجاه الأشخاص الذين يحملون ملامح شرق آسيوية التي أججها وصف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لفيروس كورونا بأنه فيروس الصين المدعو “كونغ فلو”.

ميشائيل غيبل مدير سياسات الدراسات العليا في رابطة الجامعات الأوروبية التي تمثل أكثر من 800 جامعة كشف في حديث مع شبكة “DW” الإعلامية الألمانية أن الإحصاءات كشفت أن 25 إلى 70% من طلبات الطلبة الأجانب لم تدرج ضمن السمستر الشتوي لهذا العام، “لو وضعت نفسك مكان طلبة من بنغلاديش وتايلاند والصين، فسترى أن ضبابية المشهد بالغة جداً”.

تبخر مليارات الدولارات المتوقع من أجور التعليم، سيظهر أثره على أشده في الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة بسبب ارتفاع أجور التعليم فيهما بشكل كبير، فالطالب الأجنبي يدفع نحو 44.300 يورو (50 ألف دولار) سنوياً ليدرس في الولايات المتحدة، ويدفع من يدرس في المملكة المتحدة نحو 10 آلاف جنيه إسترليني أجور تعليم سنوياً، وهكذا فإن الاقتصاد الأمريكي، وهو الأكبر في العالم، يحقق نحو 45 مليار دولار من خلال انضمام 1.1 مليون طالب أجنبي إلى جامعات أمريكية، أما المملكة المتحدة، فتحقق نحو 21 مليار باوند سنوياً بانضمام نحو نصف مليون طالب إلى جامعاتها، ويضم هذا الرقم المبالغ التي ينفقونها للعيش في بريطانيا.

قلة إقبال الطلبة الوافدين على الدراسة في البلدان الغربية سيُضعف على وجه الخصوص قطاع الدراسات العليا، وبدأت كثير من الجامعات فعلاً باختصار برامجها التعليمية للدراسات العليا، والتقليل من استثماراتها المنتظرة في مجال التكنلوجيا ومشاريع البنية التحتية، ويتوقع أن يشهد هذا القطاع فقدان وظائف كثيرة.

الجامعات الأمريكية سرحت أكثر من 48 ألف موظف وعامل في قطاع التعليم، بناء على ما جاء في “نشرية الدراسات العليا”، فيما توقعت دراسة تبناها “اتحاد جامعات وكليات المملكة المتحدة” أن يفقد قطاع الدراسات العليا نحو 30 ألف وظيفة بسبب تدني التمويل، أما البلدان الأوروبية فقد لا تشهد مثل هذا الانهيار في أعداد الطلبة الوافدين، فأغلب دول الاتحاد الأوروبي تتقاضى أجور تعليم منخفضة جداً من الطلبة الوافدين، فيما لا تتقاضى أغلب الولايات الألمانية أجور تعليم إطلاقاً، وبهذا السياق يقول غيبل: “أغلب مؤسسات الدراسات العليا تمولها الدولة، وقد لا يكون بوسعي القول إن ميزانياتها سوف تتقلص، فإن التخفيضات غير ظاهرة الآن”.

تقليدياً، سيطرت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة على قطاع الطلبة الوافدين لأغراض الدراسات العليا، نظراً لرغبة أغلب الوافدين التعليم باللغة الإنكليزية، ونظراً لأنهم يكنون احتراماً لأنظمة التعليم في البلدين، ومع العروض التي تقدمها جامعات ألمانيا للتعلم باللغة الإنكليزية، باتت البلاد منافسة في هذا المجال، فقبل 10 سنوات اجتذبت ألمانيا نحو ربع مليون طالب أجنبي، ولكن بحلول عام 2019، وصل عددهم إلى 393,579 طالب.

ويتوقع أن يشتد إقبال الطلبة الوافدين إلى ألمانيا بالنظر لسياستها في التعامل مع جائحة كورونا، فقد تعرضت سياسات الولايات المتحدة والمملكة المتحدة إلى انتقادات واسعة بسبب فشلها في التعامل مع المرض، فيما نالت ألمانيا استحسان الجميع بسبب ردّ فعلها السريع، وانتشار اختبارات الفيروس فيها بشكل واسع، وحسن أداء نظام التأمين الصحي في هذا البلد، ومن المتوقع أن تصبح ألمانيا بسبب هذه الثقة قبلة المزيد من الطلبة الأجانب.

ويعلق غيبل على هذا الموضوع، بالقول: “منذ سنوات ونحن نطرح هذا السؤال، لماذا يتحتم على الطالب دفع 30 ألف جنيه إسترليني ليحصل على كرسي في دراسة عليا مرموقة، إذا كان بوسعه الحصول عليها مجاناً من جامعة عريقة وتحظى باحترام دولي؟”.

على كل حال، ما زال يتحتم على ألمانيا تخطي بعض العقبات، وفي طليعتها تسريع منح فيزا الدراسة للطلبة المتقدمين بطلبها، وهو تحدٍّ كبير لأنّ أغلب السفارات مغلقة أو تعمل لساعات محدودة، وقد مددت السلطات مدة تقديم الطلب شهراً كاملاً ينتهي في 20 آب المقبل.

العنصر الآخر الذي يجب التصدي له في ألمانيا هي التفرقة التي تواجه الخريجين الأجانب من الجامعات الألمانية في سوق العمل بهذا البلد، وذلك مقارنة بسوق العمل الأمريكي والبريطاني التي تعد أكثر مرونة، فرغم أّنهم حصلوا على تأهيل محلي، يشكو الخريجون الأجانب من صعوبة الحصول على عمل ذي دخل مرموق في ألمانيا، وفي الوقت الحاضر، فإن بوسع الخريجين القادمين من خارج دول الاتحاد الأوروبي تمديد إقاماتهم لمدة 18 شهراً ريثما يحصلوا على عمل، فيما تعرض أغلب الدول الأنجلو سكسونية فرصة إقامة أطول للباحثين عن عمل.

ورغم أن الحكومة الألمانية تعرض منحاً مالية صغيرة لمساعدة الطلبة الوافدين من الخارج في تجاوز المحنة الصحية، وقد خففت الفائدة عن القروض المعاشية الممنوحة للطلبة حتى آذار المقبل، ما زال كثير من الشباب مترددين في التقديم للجامعات الألمانية، مؤكدين أن الأضرار التي تواجههم الآن سوف تتفاقم بارتفاع معدلات البطالة في هذا البلد.

وفي هذا السياق، يقول كومار آشيش رئيس اتحاد الطلبة الأجانب في ألمانيا متحدثاً لـ DW: ” لا يريد الطلبة قبول القروض الحكومية، لأنهم غير واثقين أن بوسعهم الحصول على عمل في ألمانيا يمكنهم من تسديد القروض التي استلفوها”.

وتنبأ آشيش بأن ألمانيا ستشهد هبوطاً حاداً في أعداد الطلبة الوافدين لسمستر هذا الشتاء، لكنه نبّه إلى أن الطلبة وأولياء أمورهم تشدهم بقوة العروض الأكاديمية الألمانية، ومضى إلى القول إن هذا الانخفاض (المتوقع) يمكن تخفيفه من خلال تسهيل حصول الراغبين بالدراسة على التأشيرة وتقديم المنح لمساعدة الطلاب الأجانب في تكاليف المعيشة “المرتفعة للغاية”، مقارنةً ببلدانهم الأصلية.

نك مارتن – دويتشه فيله[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها