دويتشه فيله : هل يسرب مقدمو خدمة الإنترنت في ألمانيا بيانات عملائهم للمخابرات ؟

استخدام شبكة الإنترنت لها قواعد كثيرة، لكن من قواعدها الأساسية الحذر عند تحميل البرامج على الحاسوب، فلا يمكن الوثوق في جميع المصادر على شبكة الإنترنت، فالمحتالون على سبيل المثال يفضلون استخدام برامج كمبيوتر معدلة تمكنهم من تثبيت برامج مضرة على حواسيب المستخدمين.

ويعني ذلك أن تحميل لعبة على سبيل المثال من مصدر غير موثوق منه قد يثبت برامج وفيروسات تعمل في الخلفية وتتجسس على المستخدم، وتقوم هذه البرامج بسرقة المعلومات من على الحاسوب، مثل كلمات المرور السرية وأرقام البطاقات المصرفية بالإضافة إلى قراءة محتويات البريد الإلكتروني للضحية، والآن تريد السلطات والأجهزة الإستخباراتية الاستفادة من هذه الوسائل من أجل مراقبة المشتبه في ارتكابهم للجرائم.

الجديد في الأمر أن الأجهزة الاستخباراتية لن تستخدم الحيل المعتادة من المحتالين للتجسس على الأشخاص عن طريق رسائل البريد الإلكتروني الاحتيالي من النوعية التي تعرف بـ”Phishing Mail”، بل سيلجأون إلى طرق أخرى، فمشروع قانون “حماية الدستور” (الاستخبارات الداخلية)، الذي عرض على مجلس الوزراء لإقراره الأربعاء ينص على أن يتم إلزام الشركات الموفرة لخدمة الإتصال بالإنترنت بالتعاون مع الجهات الحكومية، ونشر موقع “netzpolitik.org” نص هذا المقترح الذي تقدمت به وزارة الداخلية الإتحادية.

تلعب الشركات الموفرة لخدمات الاتصال بالإنترنت دوراً محورياً، فأي مستخدم لشبكة الإنترنت لا يستطيع الإتصال بالشبكة بشكل مباشر، بل يحتاج لمزود خدمة يستطيع من خلاله الإتصال بالإنترنت.

ويمكن تشبيه دور مزودي خدمات الإنترنت بعملية استلام طرد بريدي من مركز توزيع الطرود، فعامل التوصيل يقوم بتوصيل الطرد للمركز، ثم يقوم العميل باستلامه من هناك، غير أن في هذا المثال لا نتخيل أن يقوم عامل التوصيل بالإطلاع على محتويات الطرد أو التلاعب بها، بينما سيكون هذا هو تماماً ما ستفعله الشركات الموفرة لخدمة الإنترنت عند نقل البيانات الشخصية للمستخدمين للسلطات والجهات الحكومية.

والمطلوب من مزودي خدمة الإنترنت بعد إقرار هذا القانون هو إنشاء محطة إضافية للبيانات بناء على طلب السلطات، وبهذا سيتم إرسال جميع باقات المعلومات التي يحصل عليها المستخدم (في هذه الحالة المشتبه به)، إلى السلطات المعنية أولاً، والتي تقوم بدورها بإرسال هذه الباقات للمستخدم، مما يجعلها بمثابة وسيط بين مزود خدمة الإنترنت ومتلقيها.

ويفتح هذا الأمر الباب أمام السلطات للتلاعب بالبيانات والتجسس على المستخدم، فعندما تصل باقات المعلومات غير المشفرة لدى السلطات أولاً، يمكنها الإطلاع على محتوياتها وتغييرها، بهذه الطريقة ستتمكن السلطات على سبيل المثال من تثبيت برامج تجسس على حواسيب وجوالات المشتبه بهم، وسيكون ذلك الأمر عملياً للجهات المحققة، فحتى الآن تعد عملية الإطلاع على بيانات وأجهزة المشتبه بهم معقدة للغاية.

وبالرغم من سعادة السلطات بهذه الخطوة، غير أنها تمثل كابوساً بالنسبة لمزودي خدمات الإنترنت، وترفض العديد من هذه الشركات الامتثال لهذا القانون، وهو ما عبرت عنه بالنيابة عنهم الرابطة الإتحادية لقطاع المعلوماتية في ألمانيا بيتكوم (Bitkom).

ففي بيان، تعليقاً على الأمر، قالت الرابطة إن مشروع القانون الذي قدمته وزارة الداخلية لا يقدر المخاطر التي يمثلها هذا القرار على النزاهة المفترضة لدى مزودي خدمة الإنترنت من قبل العملاء، والذين سيفقدون الثقة في هذه الشركات، وبمعنى آخر، يظهر هذا البيان أن هذه الشركات تخشى من خسارة عملائها إذا ظهرت بمظهر “الأجير” للجهات الحكومية والاستخباراتية.

ولا يقتصر هذا الخوف على الشركات فقط، فأيضاً المفوض الاتحادي لشؤون حماية البيانات أولريش كليبر مستاء من مشروع القانون، وقال المتحدث باسمه، كريستوف شتاين، في تعليق لشبكة “دويتشه فيله DW” الإعلامية إن إجبار الشركات على العمل مع السلطات بهذا الشكل المؤذي لحق حماية البيانات أمر يجب انتقاده.

وأكمل شتاين: “هذا الشكل من التعاون مختلف عما سبق، ولا نراه سوى في أساليب التنصت على حركة البيانات والإتصالات الدولية”.

أما يوآخيم زيلتسر، وهو المتحدث باسم  أو “نادي كايوس للحاسوب” “Chaos Computer Club”، وهو أكبر تجمع لقراصنة الكمبيوتر (هاكرز) في العالم، فيقول لشبكة “DW” إن الأجهزة الاستخباراتية الألمانية تسمح لنفسها من خلال هذا القانون بأن تقوم بالتلاعب ببيانات أي حاسوب موصل بخدمة الإنترنت، ويصبح هذا الأمر شديد السهولة بشكل خاص في حالة البيانات غير المشفرة، وهو النوع السائد من البيانات لدى مستخدمي خدمة الإنترنت.

ويتوقع “نادي كايوس للحاسوب” فقداناً كبيراً للثقة من قبل عملاء شركات توفير خدمة الاتصال بالإنترنت، ويقول زيلتسر: “كنا من قبل نثق أن مزود خدمة الإنترنت يضمن لنا اتصالاً آمناً بالشبكة، غير أن هذا القانون الجديد سيدمر هذه الثقة تماماً”.

على الرغم من موجة الإعتراضات التي طالت مشروع القانون الجديد، غير أنه ليس من المتوقع أن تتم مراجعة بنوده مرة أخرى، ويرجع السبب في ذلك إلى أن المشروع قد اجتاز جميع اللجان البرلمانية المهمة والتي كان المفوض الاتحادي بشؤون حماية البيانات أولريش كليبر مشاركاً بها، غير أن اعتراضاته على القانون الجديد لم يؤخذ بها.

والسبب الآخر في عدم مراجعة بنود مشروع القانون الجديد هو أن وزارة الداخلية الألمانية استطاعت تقديمه بكياسة كبيرة، وذلك عن طريق وضعه بين حزمة قوانين متنوعة، حتى أن رابطة بيتكوم وجدت فيها الكثير من الإيجابيات.

وعلقت الرابطة على هذه الحزمة المقترحة: “الموضوع معقد.. فبعض التغييرات المقترحة تخص رقمنة الخدمات الإدارية (في ألمانيا)، وهو الأمر الذي سيحدث تغييراً إيجابياً، ومن ناحية أخرى نجد بعض المقترحات الأخرى التي تحتاج لإعادة النظر فيها”.

إلا أنه من المستبعد أن يتم إعادة النظر في المقترحات التي ذكرتها الرابطة، فالموضوع المطروح معقد للغاية ولم يجد صدى لدى الرأي العام بعد، ولذلك جاءت أغلب االتقارير على القانون المطروح من دوريات متخصصة في أمور المعلوماتية.

وفي النهاية فإن الفائز الأكبر ليس فقط جهات التحقيق، لكن أيضاً أجهزة الإستخبارات، والتي سيقوم هذا القانون الجديد، في حالة إقراره، بتسهيل عملها إلى أقصى الحدود.

يورغ برونسمان – دويتشه فيله[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها