دويتشه فيله : ” المجلس المركزي لليهود بألمانيا ” .. قصة نجاح تأسست على ذاكرة أليمة
الخطوة الأولى كانت بمثابة حل مؤقت، فبعد مرور خمس سنوات على المحرقة، التي قُتل فيها ما يقرب من ستة ملايين يهودي على يد النظام النازي، أسس ممثلو الهيئات اليهودية التي أعيد إحياءها “المجلس المركزي لليهود في ألمانيا”، وهو ما مثل علامة فارقة أكدت وجود حياة لليهود على أرض المحرقة.
وتمت إعادة إحياء التجمعات اليهودية في ألمانيا بعد أسابيع قليلة فقط من نهاية الحرب العالمية الثانية وانتصار الحلفاء على ألمانيا النازية عام 1945، واحتفلت “الجمعية الثقافية الإسرائيلية” في ميونيخ، التي تمثل واحدة من أكبر الجاليات اليهودية على الصعيد الاتحادي، والتي تحتفل بالذكرى 75 لإعادة تأسيسها في الأيام الأخيرة من شهر تموز، فبحلول نهاية عام 1945 أعيد إنشاء ما مجموعه 51 جمعية وهيئة يهودية في ألمانيا.
ويقول جوزيف شوستر: “لم يتم تأسيس المجلس المركزي لتمثيل مصالح اليهود في ألمانيا من منظور الحياة اليهودية على مدار 50 عاماً و70عاماً أو 100عام“، وشغل شوستر، الطبيب البالغ من العمر 66 عاماً، منصب رئيس المجلس المركزي لليهود في ألمانيا منذ ما يقرب من ست سنوات، ويوضح أن هدف من تأسيس المجلس هو أن يكون “منظمة داعمة” لليهود، وكان القصد منه تسهيل “ترحيل” الناجين من الاضطهاد النازي لليهود من وسط وشرق أوروبا، وكذلك تسهيل “هجرة” اليهود من ألمانيا، لكن كان ذلك بشكل مختلف.
وبقي اليهود حيث كانت عائلاتهم لعدة قرون أو عادوا من أجزاء أخرى من العالم كانت قد منحتهم حق اللجوء خلال الاضطهاد، وجوزيف شوستر واحد منهم، ونجا والده وجده من معسكرات الاعتقال النازية في داخاو وبوخنفالد، وسافر لاحقًا من ألمانيا إلى فلسطين، وولد شوستر في حيفا عام 1954، وعندما كان عمره ثلاث سنوات، عادت عائلته إلى ألمانيا.
وبشأن قرار الاستقرار والعيش في ألمانيا، يقول شوستر: “قرار العيش في ألمانيا كان صعباً للغاية و لفترة طويلة، حتى داخل الأوساط اليهودية”، وفي الواقع، لم يتغير ذلك إلا في السبعينيات من القرن الماضي تحت رئاسة فيرنر ناخمان، رئيس المجلس المركزي، “كان أول من قال علنا: نعم، الحياة اليهودية في ألمانيا موجودة”، وأضاف شوستر أنه توالت انتقادات من إسرائيل حول إمكانية تصور أو وجود حياة لليهود في بلد المحرقة.
ووفي تسعينات القرن الماضي، قال رئيس المجلس المركزي ، إقناتس بوبيز، جملته الشهيرة: “أنا مواطن ألماني ذو عقيدة يهودية”، ويعد المجلس المركزي لليهود في ألمانيا، المنظمة الأكبر على صعيد تمثيل اليهود في البلاد، ويضم 105 من الجمعيات اليهودية، بعدد يصل إلى 100 ألف عضو تقريباً، وفقاً للمعلومات الرسمية، ويحظى المجلس بالاعتراف من قبل السلطات الألمانية كممثل لليهود، ويتحدث بتلك الصفة في وسائل الإعلام ولديه شبكة علاقات دولية، وشوستر، بصفته الرئيس الثامن للمجلس حتى الآن، يشغل أيضاً منصب نائب رئيس المؤتمر اليهودي العالمي والمؤتمر اليهودي الأوروبي.
وفي المقابل، تعد التهديدات ومعاداة السامية جزءً من الحياة اليومية لليهود في ألمانيا، ورجال الشرطة يسهرون ليلاً نهاراً على حراسة مبنى مكتب المجلس في وسط برلين، وهي صورة تتكرر في أماكن كثيرة للحياة اليهودية في ألمانيا، كما تشهد ألمانيا اعتداءات متكررة على اليهود.
وبحسب بيانات السلطات، فإن هذه الاعتداءات لها دوافع يمينية متطرفة، وأحياناً أخرى قد يكون من بين الجناة أشخاص من أصول مهاجرة أيضاً، لكن ما شكل صدمة في ألمانيا هو ما حدث في تشرين الأول عام 2019، وهو المحاولة الفاشلة التي قام بها متطرف يميني خطط لتنفيذ مذبحة داخل المعبد اليهودي في مدينة هاله الألمانية، وبهذه الحادثة، قتل أحد المارة بجوار المعبد وعامل في محل للكباب، وبهذا الصدد، يقول شوستر: “ليس لدي شعور بأن عدد الأشخاص الذين يكنون الحقد الدفين ويحملون أفكار معادية للسامية، ازداد أو زاد منذ أكثر من عشر أو عشرين أو ثلاثين عامًا”، لكنه يلقي اللوم في تنامي هذا الخطر على حزب “البديل من أجل ألمانيا”.
ولفترة طويلة كان هناك بالكاد 30 ألف عضو بين الجاليات اليهودية في ألمانيا، وارتفع هذا العدد بعد سقوط جدار برلين في الثالث من تشرين الأول بسبب تدفق اليهود من وسط وشرق أوروبا، واستمر المجلس المركزي في دعوة التجمعات القائمة للاندماج ومساعدة الأعضاء الجدد.
وبمناسبة الذكرى السبعين لتأسيسه، أشاد الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير بالمجلس المركزي لليهود في ألمانيا واعتبره “صوتاً ذو أهمية ومطلوب ومسموع”، وأضاف بأن حياة اليهود تطورت “بكل تنوعها” في البلاد خلال العقود الماضية، كما ندد شتاينماير بالتهديد المستمر والآني لهذه الجالية في ألمانيا.
ومن جانبه، قال شوستر إن الانتماء الواعي لليهودية وممارسة الحياة اليهودية، بات أمراً ملحاً اليوم، ويجب أن يكون هذا جزء طبيعيًا لا يتجزأ من المجتمع، ويتحقق ذلك، على سبيل المثال، من خلال مشروعان دفع بهما المجلس قدماً، و هما: في غضون بضعة أشهر، سيتم تقديم الرعاية الروحية للجنود اليهود في الجيش الألماني، وقد تم التغلب على جميع العقبات القانونية بهذا الشأن، وفي وسط مدينة فرانكفورت، انطلقت عملية إنشاء أكاديمية يهودية على مستوى الولايات الألمانية.
وفي حين تتوق الجالية اليهودية في ألمانيا إلى ذكرى أكبر ستحل عام 2021، وتتعلق بمرور 1700 عام على حياة اليهود في ألمانيا، يعمل المجلس المركزي بهذا الشأن على التأكيد على أن التاريخ لا يقل أهمية عن الحاضر والمستقبل.
كريستوف شتراك – دويتشه فيله[ads3]