دويتشه فيله : ألمانيا .. ماذا وراء كراهية اليمين المتطرف للنساء ؟

تصلها أثناء ساعات متأخرة من الليل وبشكل متكرر رسائل تحمل تهديدات بالقتل عبر بريدها الإلكتروني. تحمل هذه الرسائل في الغالب توقيعاً بأحرف “NSU 2.0″، في إشارة إلى الخلية النازية الجديدة التي ارتكبت سلسلة من جرائم القتل العنصرية ضد ذوي أصول مهاجرة بدايات الألفية. رغم تعوّد آنه هيلم، رئيسة كتلة حزب اليسار في برلين، على هذه التهديدات بالقتل، إلا أن الوضع بدأ بشكل عام” يتعب أعصابها” كما قالت في حديثها معDW. انشغالها بهذا الموضوع، يجعل التركيز على أمور حياتية أخرى أمراً مرهقا للغاية. لا تخاف هيلم من الموت، حتى لو كانت الرسائل تشير إلى تهديدات بالاعتداء عليها.

حتى الآن تلقت آنه هيلم 69 رسالة ، البعض منها يتضمن ببيانات شخصية و 26 رسالة أخرى وصلت إلى شخصيات ومؤسسات أخرى في الآونة الأخيرة، من بينهم المحامية، سيدا باساي-يلديز، التي مثلت الضحايا خلال محاكمة تنظيم “إن إس يو” اليميني الإرهابي، وكذلك الفنانة الكوميدية الألمانية من أصول تركية، المقيمة في برلين، إديل بايدر. اللافت في الأمر هو أن الغالبية العظمى من الأشخاص الذين تلقوا رسائل تهديد نازية من النساء والدافع من ورائها عنصري على أساس الجنس.

نظرة مهددة

تعتقد هيلم أن الدافع وراء رسائل التهديد التي يرسلها اليمين المتطرف، قد يكون كراهية النساء أيضاً. هذا ليس بالأمر الجديد. فقد سبق أن أعلن منفذ اعتداء تورنتو في عام 2018 قبل الشروع فيه أنها ستكون بداية “”تمرد حركة Incel” أو “إنسل”. وهي كلمة مركبة من لا إرادي وعازب، والمعروفة باسم INCEL (عازب لا إراديا، أو العزوبة غير الطوعية). وهؤلاء مجموعة معادية للنساء، يعتبر أعضاءها أنّ النساء مسئولات عن الصعوبات التي يلاقونها في ممارسة الجنس معهن أو ربط علاقات غرامية معهنّ. هنينغ فون برغن من مؤسسة هاينريش بول الألمانية، المقربة من حزب الخضر، يشرح الفكر الذي تقوم عليه هذه الحركة المتطرفة المعادية للنساء: ” يرى المنتمون إلى حركة إنسل أن الرجال لهم حق أساسي في النساء والحصول على أجسادهن ويرون أن النساء يرفضن إشباع رغباتهم الجنسية”.

يعتقد فون بارغن أن الذي قام بهجوم هاله، شتيفان ب.، قد يكون متشبعاً بهذا الفكر أيضاً. في يوم الاعتداء الذي وقع في شهر أكتوبر/ تشرين الأول 2019، نشر الجاني مقطع فيديو على الإنترنت، وهو يستمع إلى موسيقى تحمل عبارات تحتقر النساء وفي مقطع الفيديو هذا قال بشكل واضح: “النسوية هي المسؤولة عن انخفاض معدل المواليد في الغرب، وهو سبب الهجرة الجماعية. أصل هذه المشاكل هو “اليهودي”.

وترى السياسية من حزب اليسار، آنه هيلم أن الفكر الذي تقوم عليه هذه الجماعة المعادية للنساء يبدو”سخيفًا للغاية”. “ولكن ضمن وجهة النظر القومية للعالم هذه، تجد لها مبررات منطقية والتي توكل للنساء مهمة الحفاظ على النسل من خلال إنجاب الكثير من الأطفال ورعايتهن وفقًا لدورهن التقليدي. وتقول هيلم: “النسوية تهدد هذه النظرة للعالم، تماماً مثل ما تفعل النساء اللواتي تصلهن الآن رسائل التهديد”.

اختلال المعادلة الذكورية

راشيل سبيكر من مؤسسة أماديو أنطونيو التي تعمل على مواجهة التطرف اليميني تقول لـ DW” أن مناهضة الحركة النسائية هي دائما جزء من إيديولوجيات اليمين المتطرف التي تحتم على النساء الظهور في صورة مسالمة، اجتماعية ومتحفظة، في حين تميز الرجال بالظهور في صورة الجندي، الذي يكون على استعداد “لحماية نسائه وأطفاله ووطنه أيضاً”. وأضافت سبيكر: “هذه أدوار ثابتة يمكن لمسها أيضاً في معاداة النسوية. عندما تحد النساء عن هذه الأدوار الاجتماعية، يصبحن عرضة للعداء.”

لكن معاداة النسوية ليست فقط القاسم المشترك بين توجهات اليمين المختلفة، إذ يمكنها أن تتحول أيضاً إلى نوع من “المخدر الأولي” ، كما يقول فون بارغن الذي يرى أن ذلك يعود إلى أن مناهضة النسوية موجهة ضد المجتمع المنفتح وتسعى إلى تقييد الحقوق الأساسية وحقوق الإنسان “كثيرون لا يرون هذه العلاقة بينهما بهذا الشكل والقوة”. من جانبها ترى السياسية الألمانية آنه هيلم أن معاداة الحركة النسائية تعد “نقطة ربط ضعيفة لإيديولوجيات أخرى تقوم على عدم المساواة”. وتضيف أن ذلك يمكن لمسه من خلال حقيقة “أنه في مجتمعنا قد ينآى الكثير من أفراده بأنفسهم في البداية عن العنصرية. لكن البعض منهم قد ينظرون إلى التحيز الجنسي على أنه امتياز”. وتشاطرها سبيكر الرأي ذاته بأن معاداة المرأة راسخة بقوة في المجتمع.

البحث عن كبش فداء

الرجال الذين يمرون بأزمة اجتماعية والذين تكون وظائفهم ومستويات معيشتهم معرضة للخطر هم الفئة المعرضة بشكل خاص إلى تبني هذا الفكر، كما يقول فون بارغن الذي يرى أن إيجاد شماعة لتعليق الفشل عليها، يمنح شعوراً مريحاً و أن كبش الفداء في هذه الحالة هن النساء.

وغالباً ما يجد التطرف أرضاً خصبة له على الإنترنت. على مواقع مفتوحة أمام العامة مثل Reddit و 4Chan، انتشرت منتديات يجتمع عليها أعضاء حركة إنسل المعادية للنساء. قد تم إغلاقها مؤخراً، ولكن لا يزال من الممكن العثور على مجموعات في صفحات أخرى يمكن للجميع الوصول إليها بشكل مجاني، دون الكشف عن الهوية و دون وجود مشرف عليها. في كل ثانية تقريباً، تظهر منشورات جديدة، على سبيل المثال تطالب ب”عبيد جنس” للأعضاء إنسل أو تحقر من النساء وتشبه عقلهن بعقل طفل صغير.

يساهم مشهد الألعاب الإلكترونية أيضاً في تطرف الشباب. تنتشر إيديولوجيات اليمين وكراهية النساء في منتديات لا تخضع للإشراف على منصات الألعاب مثل Twitch أو Discord، كما تصف الكاتبة كارولين شفاغتس في كتابها” محاربو الكراهية: التطرف اليميني العالمي الجديد”. يطلق المستخدمون على أنفسهم أسماء إرهابيين وهناك تجد أنصاراً لحركة الهوية، أو النازية أو نظرية المؤامرة. يتم إهانة السود واليهود والنساء. ويحذر فون بارغن من ذلك: “إنه مشهد لا يحظى باهتمام كبير من العالم الواقعي”.

تحذير من حلقة الوصل

لذلك يدعو الخبير في علم الاجتماع إلى إجراء بحث مكثف أكثر حول هذا الموضوع. ويقول: “غالباً ما لا تأخذ السياسة معاداة النساء على محمل الجد. وبشكل خاص لا يُنظر إليها على أنها حلقة وصل بين الميول اليمينية وبين المجتمع من الداخل”.

أما السياسية في حزب اليسار آنه هيلم فمجبرة على التعايش مع حقيقة استهدافها من قبل المناهضين للنسوية. وقد وجدت طريقة للتعامل مع رسائل التهديد التي تصلها عبر البريد الإلكتروني، كما تقول: “أحاول فصل ذلك عن شخصيتي وأنني اتعرض للهجوم بسبب عملي السياسي. هذا ما أحاول أن أرسخه في نفسي”.

شتيفاني هوبنر – دويتشه فيله[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها