بعد خمس سنوات من مقولة ميركل الشهيرة ” نستطيع إنجاز ذلك ” .. صحيفة تسلط الضوء على تجارب اللاجئين السوريين في هامبورغ

سلطت صحيفة ألمانية الضوء على سير اندماج اللاجئين السوريين في مدينة هامبورغ، شمالي البلاد، بعد خمس سنوات من موجة اللجوء في البلاد.

وافتتحت صحيفة “هامبورغر مورغن بوست” مقالها الطويل، بالقول، بحسب ما ترجم عكس السير، إنه حين فتحت المجر الحدود باتجاه النمسا ثم ألمانيا، في 4 أيلول من عام 2015، نقلت جميع القنوات التلفزيونية صوراً لتيار ضخم من الناس يسيرون على الأقدام على طول الطريق السريع.

وكان من الواضح بشكل خاص لمجموعة كبيرة من السوريين أنهم سيأتون إلى ألمانيا وسيبقون فيها، واستقر جزء كبير منهم في مدينة هامبورغ.

وقدمت الصحيفة، بعد تمحيص للواقع، نظرةً على وضع اللاجئين السوريين، بعد خمس سنوات من وصولهم إلى هامبورغ، وإطلاق المستشارة الألمانيا أنغيلا ميركل عبارتها الشهيرة “نحن نستطيع إنجاز ذلك wir schaffen das”، والتقت الصحيفة عدة أشخاص منهم.

ويشعر سليمان تدمري (31 عامًا)، في فصل الصيف الحالي الحار في هامبورغ، بأنه في وطنه تمامًا، ويقول: “أقضي أمسياتي في الخارج ، وألتقي بأصدقائي”، كما كان يفعل في مدينته السورية حمص.

واضطر تدمري إلى الفرار من مدينته، حين كانت تتعرض للقصف، ويتوزع أفراد عائلته في عدة دول، ويقول: “أشعر وكأنني في وطني تمامًا في ألمانيا”.

ولدى الشاب السوري سيرة ذاتية نموذجية في وطنه الجديد، حيث أنه بعد ستة أشهر فقط من الإقامة في مرفق للسكن جماعي في نيومونستر ، تمكن من الانتقال إلى شقته الخاصة، وفتحت شبكة “نورد دويتشر روندفونك” الإعلامية له أبوابها كمتدرب في البداية، قبل أن يحصل على عمل ثابت فيها.

وكان تدمري قد درس السينما والإخراج في العاصمة اللبنانية بيروت، ويتحدث الألمانية بطلاقة، ولديه سكن في حي “لوكاشتيت”، وسيارة، ولا يواجه مشاكل مالية.

ونادراً ما ينجح الاندماج بسلاسة، ويقول تدمري حول ذلك: “لم يصل الكثير منا (اللاجئين السورين) بعد إلى المكان الذي ممكن أن يكونوا فيه”.

ويعيش حوالي 56000 لاجئ حاليًا في هامبورغ، وأكثر من نصفهم من أفغانستان وسوريا وإيران والعراق.

وبوجود 10981 سوري في هامبورغ، يكونوا بذلك ثاني أكبر مجموعة من اللاجئين بعد الأفغان.

ومع سوق الإسكان المتوتر للغاية في هامبورغ، يصعب تجمع اللاجئين في أماكن معينة، فأي لاجئ يجد شقة في أي مكان بهامبورغ يشعر بسعادة غامرة.

ويعيش حوالي 60% من اللاجئين السوريين حاليًا في حاويات ومساكن حكومية، وفي بعض الحالات في شقق مؤجرة.

وبالطبع، نقص المساكن لا يؤثر فقط على السوريين، حيث يعيش ما يقرب من 25 ألف لاجئ حاليًا في مثل هذه المرافق التابع لإدارة المدينة في هامبورغ، والعدد لا يكاد ينخفض​​، لأنه حين يغادر بعض اللاجئين المساكن المذكورة، تستقبل هامبورغ لاجئين جدد.

وهناك مشكلة أخرى تتعلق بتعلم اللغة الألمانية، حيث ما يزال عدم معرفة اللغة عقبة رئيسية أمام الاندماج في المجتمع وسوق العمل بالنسبة للكثير من السوريين، ويؤكد سليمان تدمري ذلك، ويضيف أن هناك صعوبة كبيرة على اللاجئين في إقامة اتصال مع الألمان.

ويتابع تدمري: “يخبرني الكثير من السوريين أنهم لا يعتادون الثقافة الألمانية، ولم يجروا تواصلاً مع الألمان”، واليوم، نصف أصدقاء تدمري نفسه من الألمان، في حين أن النصف الآخر سوريون، “لكن الأمر استغرق من سنتين إلى ثلاث سنوات لبناء دائرة من الأصدقاء هنا”، بحسب ما يقول الشاب

ويضيف الشاب أنه، لسوء الحظ، يتباطأ بناء دائرة أصدقاء بوضوح في ألمانيا، وهذا أيضًا بسبب السكان المحليين، الذين دائمًا ما يكونون لطفاء ولديهم أحيانًا وقت للحديث القصير، لكن في كثير من الأحيان ليس أبعد من ذلك، ويتابع تدمري: “أود أن يكون الألمان أكثر انفتاحًا”، لأن لا أحد يتعلم التحدث باللغة الألمانية بطلاقة من خلال دورة اللغة وحدها.

وأشارت الصحيفة إلى أن اللغة ذات أهمية رئيسية حتى يتمكن أي شخص الحصول على فرصة عمل في ألمانيا.

وفي شهر تموز وحده، أنجز 4200 لاجئ دورات اللغة في هامبورغ.

وذكرت الصحيفة أنه نظراً لأن ألمانيا تعاني من نقص هائل في العمالة الماهرة، ولا يمكن شغل العديد من الوظائف، كان لدى الجميع آمال كبيرة في إمكانية دمج اللاجئين السوريين في سوق العمل بسرعة كبيرة، ولكن ثبت أن هذا المسار أطول مما اعتقده كثير من الأشخاص.

وفي شباط من هذا العام، وفقًا لوكالة التوظيف في هامبورغ، انخرض 3629 سوري في هامبورغ في وظائف خاضعة لمساهمات الضمان الاجتماعي (يدفعون الضرائب).

وهذا لا يبدو عدداً كبيراً، لكن الرقم المذكور أكبر بزيادة حوالي 2000 شخص من عدد الموظفين السوريين قبل عامين.

وتوضح وكالة التوظيف أن حقيقة عدم حصول الكثير من اللاجئين على عمل منتظم، يعود لعدة أساباب، فحضور دورات الاندماج وتعلم اللغة والحصول على مؤهل أو تدريب مهني والحصول على اعتراف بالمؤهلات تستغرق الكثير من الوقت، و”إعادة التدريب المهني وحده يستغرق من سنتين إلى ثلاث سنوات”، بحسب ما أكد كنوت بورنسن، المتحدث باسم وكالة التوظيف.

وقبل الموافقة على الحصول على إعادة تدريب مماثلة لمهنة سابقة “أمشولونغ”، يضيع الكثير من الوقت أيضًا، لأن إعادة التدريب باهظة الثمن ويتم فحصها من الدوائر المختصة بعناية مسبقًا، وقال المتحدث باسم وكالة التوظيف: “إذا كنت تريد أن تقف على قدميك بشكل احترافي، فيجب أن تتحلى بالصبر والقوة والتحفيز لسنوات”.

وعاش قريب سليمان تدمري نفس التجربة، حيث كان مدرسًا في سوريا وأراد أن يأخذ دورات في الجامعة أو أن يحصل على إعادة تدريب في ألمانيا حتى يتمكن من العمل كمدرس، لكنه “قاتل أربع سنوات وفعل كل شيء وحاول.. لكن لم ينجح في ذلك إلا قبل بضعة أشهر فقط”، بحسب ما أكد تدمري.

وتعلق الصحيفة بالقول إن ذلك ليس بمصير معقول لكل شخص، حيث أن ربع اللاجئين في هامبورغ لديهم شهادة جامعية من أوطانهم، لكن مع ذلك، غالبًا ما يستغرق الأمر سنوات حتى يصلوا إلى تعديل شهاداتهم من أجل الوصول إلى نفس المستوى المهني في ألمانيا.

والغالبية العظمى من اللاجئين لديهم خبرة عملية، على الأقل 70٪ منهم، لكن لا أحد تقريبًا لديه معرفة كافية أو لا يتم الاعتراف بالدرجات العلمية ليتم اعتمادها بسهولة هنا، ويقول ميشائيل زايتس، المدير العام لنقابة البناء: “لا يمكننا في الواقع توظيف لاجئ دون مؤهلات إضافية”.

وتختلف أعمال البناء في هامبورغ كثيرًا عن نظيراتها في سوريا أو أفغانستان، فـبحسب ما قال زايتس: “إذا لم تكن مؤهلاً، يمكنك العمل فقط كمساعد”، ومرتب هذا العمل لا يمكن أن يكون كافياً لإعالة أي أسرة.

ويضيف زايتس أنه من الأسهل بكثير بالنسبة للشباب البدء بالتدريب المهني في مجال البناء، ويتابع: “لقد قمنا بالفعل بتدريب العديد من اللاجئين ليصبحوا عمال بناء ومبلطين، وهذا يسير على ما يرام”، وأعرب زايتس برضاه عن هذا الاتجاه، حيث أنه من بين 584 متدربًا في أعمال البناء في هابورغ، هناك حوالي 25% من اللاجئين حاليًا.

ودائمًا ما تكون اللغة هي العقبة الأكبر، فبحسب زايتس “يجب أن يفهم المتدرب على الأقل ما يشرحه له المدرب”، ولذلك، غالبًا ما يتم إجراء التدريب المهني ودورة اللغة بالتوازي.

وهناك مشكلة تقوم الجهات المسؤولة عن تدريب اللاجئين بإبلاغ نقابة البناء عنها، وهي أنه ما يزال بعض الشباب يعيشون في سكن جماعي، وبالتالي يأتون للعمل في الصباح متعبين بشكل كامل، ويضيف زايتس: “حتى الشركات تحاول إيجاد شقق لمتدربيها”، لكن هذا ليس بالأمر السهل.

كما أن بعض اللاجئين ينقطعون عن تدريبهم المهني، لأنهم مضطرون إلى إعالة الأسرة، ومن ثم كسب المزيد من المال، على سبيل المثال من خلال العمل في توصيل البيتزا، حيث أن أجر العمل الأخير أكبر من أجر التدريب المهني، ويتابع زايتس: “وهو بالطبع قصر نظر شديد”، خاصةً وأن أزمة كورونا أظهرت أن أول من يفقدوا وظائفهم هم العمال غير المهرة.

وبالعودة لسليمان تدمري، فبالنسبة له، من المؤكد أنه وجد مدينة أحلامه، ويريد الشاب البقاء في هامبورغ، ويقول: “يعيش الكثير من الليبراليين هنا والمدينة “كبيرة وهادئة في نفس الوقت، ولها مكان لكل حالة مزاجية.

وختمت الصحيفة بسؤال تدمري حول أحوال السوريين الآخرين، فأجاب: “البعض منهم لم يجدوا طريقهم بعد، واللوم يقع على بعضهم، لكن البعض الآخر كان حظه سيئًا هنا وقاتل دون جدوى، وبعضهم لم تعد لديه القوة – ببساطة – بعد تجربة الحرب واللجوء.. لكن الكثيرين نجحوا هنا بالفعل، ويشعرون في هامبورغ بأنهم في وطنهم”.[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها