بريد إلكتروني يكشف أكبر عملية احتيال في ألمانيا بعد الحرب
الاسم الرمزي للعملية كان “مشروع الفهد الأسود” (Project Panther)، وكان ماركوس براون، الرئيس التنفيذي لمجموعة المدفوعات الألمانية “وايركارد” قد تعاقد مع شركة “ماكينزي آند كو” للمساعدة في إعداد فكرته الأكثر جرأة حتى الآن، خطة للاستحواذ على “دويتشه بانك”.
وفي عرض تقديمي مكون من 40 صفحة في تشرين الثاني الماضي، أصرت الشركة الاستشارية على أن الكيان الجديد، الذي سيطلق عليه اسم “وايربانك” “سيفكر ويتصرف كشركة تكنولوجيا مالية، بحجم بنك عالمي”، وبحلول عام 2025، يمكن أن يحقق أرباحاً إضافيةً حجمها ستة مليارات يورو، بحسب ما ادعت “ماكينزي”.
ةفي حين أن أكبر بنك في ألمانيا كانت لديه أصول مقدارها 1.4 تريليون يورو، إلا أنه كان يساوي 14 مليار يورو فقط في سوق الأسهم، تقريباً قيمة “وايركارد” نفسها، وعد تقرير “ماكينزي” أن تقييم سوق الأسهم المشترك سيتضاعف إلى ما يقارب 50 مليار يورو.
صفقة للاستحواذ على “دويتشه بانك”، كان من المتوقع أن تكون تتويجاً لإنجاز شركة أصبحت في غضون بضعة أعوام واحدة من أكثر الشركات قيمة في البلاد، حيث فازت بلقب “باي بال الألمانية”، شركة تكنولوجيا مالية ناشئة ستدير أشهر بنك في ألمانيا.
الاندماج مع “دويتشه بانك” كان له عامل جذب آخر محتمل: صفقة عرضت احتمال خروج معجز من عملية الاحتيال الضخمة التي كانت وايركارد تخوضها، فقد نحو 1.9 مليار يورو نقداً من حساباتها وأجزاء كبيرة من عملياتها الآسيوية كانت في الواقع خدعة متقنة، ومن خلال دمج أعمال وايركارد في الميزانية العمومية الهائلة لدويتشه بانك، قد يكون من الممكن بطريقة ما إخفاء النقود المفقودة وتفسيرها لاحقاً في شطب اسم الشهرة الذي سيصيب القيمة القابلة للاسترداد بعد عملية الدمج.
كان هناك تعقيد واحد، فلبدء الإعداد لمثل هذه الصفقة بجدية، كانت الشركة بحاجة إلى الحصول على شهادة “خلو من الأمراض” من شركة “كيه بي إم جي” (KPMG)، التي كانت تجري عملية تدقيق خاصة في دفاتر شركة وايركارد.
الموافقة من شركة كيه بي إم جي لم تأت قط، فبعد ستة أشهر سقط القناع عن وايركارد، وفي 25 حزيران، انهارت المجموعة بسبب الإفلاس بعد أن كشف عنها باعتبارها واحدة من أكبر عمليات الاحتيال المحاسبية في ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية.
يعتقد المدعون العامون في ميونخ أن 3.2 مليار يورو من الديون التي جمعت منذ عام 2015 “فقدت”، وتم تسليم نحو مليار يورو على شكل قروض غير مضمونة لشركاء عمل غامضين في آسيا.
براون، الذي ينفي ادعاءات الاحتيال والاختلاس، وثلاثة من كبار المديرين السابقين الآخرين، هم في السجن الآن، وجان مارساليك، الرجل الثاني السابق في وايركارد، هارب وتم تسجيل شريك تجاري رئيس في وايركارد في الفلبين على أنه ميت.
وتحدثت “فاينانشيال” تايمز مع أكثر من عشرة أشخاص معنيين وراجعت مئات الصفحات من الوثائق الداخلية قبل انهيار وايركارد، وهذه الوثائق تكشف عن جهود “مستميتة” تمتد من ميونخ إلى مانيلا للتستر على عملية الاحتيال وخداع مدققي حسابات الشركة، وهي جهود استمرت حتى اللحظات الأخيرة.
“وقاحة مارساليك والآخرين، الذين كانوا يكذبون باستمرار، أمر مذهل تماماً”، كما يقول شخص كان يعمل معهم عن كثب في منصب رفيع في مقر وايركارد في أشهايم بالقرب من ميونخ.
بدأت الأزمة في الشركة بمقال نشرته “فاينانشيال تايمز” في 25 تشرين الأول 2019، والأحدث في سلسلة من التحقيقات في حسابات الشركة، التي أوضحت كيف كان يبدو على وايركارد أنها تضخم المبيعات والأرباح عن طريق الاحتيال.
تراجعت أسهم وايركارد لكن براون غير المنزعج تجاهل الاتهامات. بعد ثلاثة أيام أعلنت الشركة عن عملية إعادة شراء أسهم بقيمة 200 مليون يورو، لكن خلف الأبواب المغلقة في وايركارد، اندلع نقاش حاد.
توماس أيخلمان، المدير المالي السابق في البورصة الألمانية الذي كان قد انضم إلى مجلس الإدارة في حزيران من عام 2019، ضغط لإجراء تحقيق مستقل في الادعاءات، وفقاً لشخصين مطلعين على المناقشات.
رئيس مجلس إدارة الشركة منذ فترة طويلة، وولف ماتياس، كان متشككاً بشدة، فقبل أيام فقط من تعيين شركة “كيه بي إم جي”، قال لفاينانشيال تايمز إن الادعاءات هي “بمنزلة إزعاج” وجادل بأن إجراء تدقيق خاص ليس ضرورياً لأن شركة الحسابات التي تتعامل معها وايركارد، إي واي EY، كانت “تقيم الأمور بشكل كاف”.
براون، الذي كانت حصته البالغة 7% في وايركارد تساوي أكثر من مليار يورو في ذلك الوقت، عارض أيضاً فكرة التدقيق، لكن جهداً مشتركاً من أحد المساهين والمجلس الإشرافي أثر فيه، ويقول شخص شارك في المناقشات: “أخبرناه أنه بحاجة إلى التدقيق لحماية نفسه وأمواله”.
في تشرين الثاني، 40 محاسباً من “كيه بي إم جي”، مختصين بالتحقيق في الوضع المالي للشركات، شرعوا في البحث في دفاتر وايركارد، وكانوا قد وعدوا بالوصول إلى أي بيانات يحتاجون إليها، وكانت وايركارد قد التزمت علناً بنشر النتيجة.
في غضون بضعة أيام، أدركت “كيه بي إم جي” أن عمليات معالجة المدفوعات الأساسية في وايركارد في أوروبا لم تكن تحقق أي أموال، وهي حقيقة لم تفصح عنها وايركارد للمستثمرين، وتم تحقيق جميع الأرباح من العمليات التي يشرف عليها مارساليك، أعمال وايركارد في آسيا، حيث تمت الاستعانة بشركاء أعمال كطرف ثالث لتسيير المعاملات.
بحلول كانون الثاني، كان لدى وايركارد رئيس مجلس إدارة جديد، فأيخلمان خلف الرئيس السابق، ماتياس البالغ من العمر 75 عاماً، الذي كان مسؤولاً عن مجلس الإدارة لأكثر من عقد من الزمن.
ةكان أيخلمان لاذعاً بشأن هياكل وايركارد الداخلية العشوائية، وقال لأحد المقربين: “حتى لو كنت أدير متجر سمك، كنت سأفعل ذلك بشكل مختلف”.
ومع ذلك، لم يعتقد رئيس مجلس الإدارة الجديد أن وايركارد متورطة في عملية احتيال، جزئيا بسبب توليد النقود القوي في المجموعة، ووفقاً لشخص مطلع على وجهات نظره، كان مقتنعاً بأن “من الصعب جداً، إن لم يكن من المستحيل، تزييف التدفقات النقدية”.
وتحقيق طكيه بي إم جي” أخذ يجري بحماس، والمسؤولون التنفيذيون في وايركارد الذين يدعى أنهم وراء عملية الاحتيال عدّوا أن مشروع Project Panther وصفقة مع دويتشه بانك، التي أبلغت عنها وكالة “بلومبيرغ” للأنباء أول مرة، هي طريقة ممكنة لمنع الاكتشاف، كما يقول مستشار لمجموعة المدفوعات شارك في المناقشات، لكنهم عملوا أيضاً على خطة منفصلة، عملية تغطية واسعة النطاق في آسيا.
كان عليهم إصلاح الحلقة الأضعف، وبسرعة، ولأعوام، كانت وايركارد تقول لشركة “إي واي إن” مبالغ كبيرة من أموال الشركة تم إيداعها في حسابات ضمان يحتفظ بها وصي في ثاني أكبر بنك في سنغافورة “OCBC”.
واتضح أن الحسابات كانت وهمية، ومع ذلك، كانت “إي واي”، لأعوام، مقتنعةً بتأكيدات الأرصدة الصادرة باسم الوصي، وهي شركة تدعى “Citadelle”، تم اتهام مديرها شانموجاراتنام هذا الشهر بتزوير حسابات في سنغافورة.
سفين أولاف لايتز وألكسندر جيشونيك، الشريكان المخضرمان في “كيه بي إم جي”، اللذان يديران التدقيق الخاص، أخبرا براون وغيره من كبار المسؤولين التنفيذيين في وايركارد أن الوثائق عن حسابات الضمان لم تكن جيدة بما فيه الكفاية، وأصرا على رؤية الوثائق الأصلية، التي يفضل الحصول عليها مباشرة من بنك “OCBC”.
استغرق الأمر شهرين تقريباً قبل أن يقدم مارساليك حلاً ظاهرياً، فالرجل الثاني في وايركارد أبلغ المدققين أن الشركة كانت قد نقلت الحسابات المصرفية إلى وصي جديد في الفلبين.
وقال مارساليك إن “Citadelle” أنهت فجأة علاقة العمل في أواخر عام 2019 وتوقفت عن الرد على استفسارات من وايركارد.
ووفقاً لمارساليك، كان المحامي مارك تولينتينو المقيم في مانيلا قد تدخل كبديل لشركة “Citadelle”، وقامت وايركارد بعد ذلك بتحويل 1.9 مليار يورو نقدا في أوائل كانون الأول من بنك “OCBC” إلى حسابات ضمان باسم تولينتينو في بنكين في الفلبين، هما “BDO” و”BPI”.
وطلبت “كيه بي إم جي” مرةً أخرى الأعمال الورقية، وتوصلت إلى اكتشاف مفاجئ، وبحلول شباط، بعد شهرين من تحويل الأموال المفترض إلى حسابات تولينتينو، لم يكن لدى وايركارد علاقة تعاقدية مع الوصي الجديد، ولم تقم بالتحقق من خلفيته.
ولم يعلم كبير الإداريين الماليين في وايركارد، ألكسندر فون نوب، عن الصفقة إلا في أواخر كانون الثاني، لكن بحلول منتصف شباط، بدى أن آفاق وايركارد كانت تتحسن، فقد حصلت على دعم اثنتين من أكبر شركات إدارة الأصول في ألمانيا “DWS” و”Union Investment”، وعاد سعر سهمها إلى المستوى الذي كان عليه قبل تقرير “فاينانشيال تايمز”، في تشرين الأول.
والنتائج الأولية للعام بأكمله، التي نشرت في 14 شباط، أثبتت صحة موقف المتفائلين، ومرة أخرى، حطمت وايركارد توقعات المحللين وقدم براون توجيهات قوية، وعندما تسارع فيروس كورونا بعد بضعة أسابيع، كانت وايركارد واحدة من الشركات القليلة على مستوى العالم التي تدعي أن أداءها للعام بأكمله لن يتأثر.
وبدأ بعض كبار المسؤولين التنفيذيين يشعرون بعدم الارتياح، “آمل حقاً أن جان مارساليك سيفي بالتزاماته”، كما قالت سوزان ستايدل، كبيرة الإداريين للمنتجات التي تشرف على أعمال وايركارد خارج آسيا، لأحد المقربين، مضيفة أن العمليات التي هي مسؤولة عنها كانت سيئة الأداء، لكن من ناحية أخرى كان مارساليك مقيداً، فكان عليه بطريقة ما إقناع “كيه بي إم جي” و”إي واي” – كانت الأخيرة تدقق نتائج عام 2019 – أن أعمال وايركارد في آسيا حقيقية.
رتب مارساليك سلسلة اجتماعات في مانيلا في الرابع والخامس من آذار، حيث عرف كبار الموظفين في “كيه بي إم جي” و”إي واي” على الوصي الجديد، تولينتينو، وذلك وفقاً لوثائق اطلعت عليها “فاينانشيال تايمز”، كما رافق أيضاً شركتي “كيه بي إم جي” و”إي واي” إلى فروع بنك “BDO” وبنك “BPI”، حيث قام الموظفون بتسليم كشوفات الحسابات.
وتولينتنيو، الذي ورد اسمه في عديد من وثائق التدقيق من قبل “كيه بي إم جي” و”إي واي”، ينفي ارتكاب أي مخالفة، ويقول إنه تم الإيقاع به، وقال لـ”فاينانشيال تايمز”: “أنا لست وصيًا لشركة وايركارد، لم أوقع قط أي وثيقة مع وايركارد.. لقد ارتكبوا سرقة هوية”.
وبعد يوم واحد، التقى مارساليك وموظفو “كيه بي إم جي” بكريستوفر باور، شريك تجاري رئيسي مقيم في مانيلا، تم الإبلاغ عن وفاته بعد بضعة أشهر، كان باور يدير “PayEasy”، التي كانت تعالج “معاملات عالية الخطورة” لمصلحة وايركارد، ومعظمها مدفوعات للمواد الإباحية والمقامرة والألعاب، وعلى الورق، كانت “PayEasy” في عام 2018 تحقق أكثر من خمس الأرباح التشغيلية لوايركارد.
ةكانت شركة “كيه بي إم جي” ما تزال غير مقتنعة، ولعدة أشهر، كان يتم تجنب الإجابة المباشرة على طلباتها لعقد اجتماعات مع الموظفين الرئيسيين لشركاء وايركارد الآخرين في دبي وسنغافورة.
بيانات المعاملات الدقيقة من الشركاء الخارجيين لم تكن متاحة، ولم تظهر المستندات المصرفية من الفلبين أن النقود محتجزة نيابة عن وايركارد، وفي أوائل آذار، أخبرت “كيه بي إم جي” شركة وايركارد أنها على وشك إيقاف التدقيق الخاص، وفقاً لرسالة بريد إلكتروني اطلعت عليها “فاينانشيال تايمز”، على اعتبار أنها واجهت “عقبة أمام التحقيق” لا يمكن التغلب عليها، وفي محاولة يائسة لتجنب مثل هذه النتيجة الكارثية، مدد مجلس الإشراف مهمة “كيه بي إم جي”.
وقبل ساعة من منتصف ليل 12 آذار، وحيث كان الذعر من فيروس كورونا يغمر الأسواق، تم الكشف علنا عن تأخير تقرير “كيه بي إم جي” حتى 22 نيسان.
وتم تسليم المسودة الأولى لتقرير “كيه بي إم جي” يدوياً عن طريق شركة لتوصيل البريد إلى أعضاء مجلس الإشراف مساء يوم 19 نيسان، في نسخ ورقية تحمل علامات مائية بشكل فردي، ولقد كانت وثيقة لا هوادة فيها، توضح بالتفصيل استراتيجية الإدارة القائمة على التأخير والعرقلة إضافة إلى عديد من التناقضات والأسئلة المفتوحة حول وجود أعمال وايركارد في آسيا.
قام لايتز وجيشونيك، من “كيه بي إم جي”، بتفصيل أوجه القصور في الضوابط الداخلية ووظائف الامتثال في وايركارد وحددا الشكوك الشديدة حول الممارسات المحاسبية للشركة، ويقول أحد الأشخاص المطلعين على النسخ المختلفة للمسودة: “كانت المسودة الأولى حتى أكثر تدميراً من النسخة التي نشرت في النهاية”.
ناقش المجلس الإشرافي لدى وايركارد لفترة وجيزة ما إذا كان ينبغي إقالة براون، ومارساليك، وفون كنوب، لكن أناستاسيا لاوترباخ، رئيسة لجنة المخاطر والامتثال، هي فقط التي أيدت هذه الفكرة، وفقاً لشخصين مطلعين على المناقشات الداخلية.
وفي النهاية، طلب المجلس من شركة تدقيق الحسابات تمديدًا آخر، وتم الكشف عن التأخير الثاني للجمهور في وقت متأخر من مساء يوم 22 نيسان، اليوم الذي كان من المفترض نشر التقرير فيه.
وقالت وايركارد: “لم يتم العثور على دليل على الادعاءات التي أثيرت علناً بشأن التلاعب في الميزانية العمومية”، وكان هذا تشويها صارخاً للمحادثات مع شركة “كيه بي إم جي”، وأصيب بعض أعضاء مجلس الرقابة بالصدمة، حتى أن أحدهم فكر في الاستقالة بأثر فوري.
بينما كانت “كيه بي إم جي” تعمل بشكل محموم على النسخة النهائية من تقريرها، صعدت “إي واي” من تدقيقها لحسابات وايركارد المصرفية في الفلبين، وبسبب عدم قدرتها على السفر بسبب الوباء، عقدت مؤتمراً بالفيديو مع البنكين في الفلبين في 24 نيسان.
وطلب المدققون من موظفي البنك إبراز هوياتهم أمام الكاميرا، وبينما كانت المكالمة جارية، حاولت “إي واي” التحقق من الهويات، لكنها لم تتمكن من العثور على أي من الأشخاص على وسائل التواصل الاجتماعي، ويغلب على ظن بعض كبار موظفي “إي واي” الآن في أن الأشخاص الذين ظهروا في مكالمة الفيديو ربما كانوا ممثلين يتظاهرون بأنهم موظفون في البنك، ربما في نموذج فرع للبنك.
وجرى تسليم النسخة النهائية من تقرير “كيه بي إم جي” إلى وايركارد في 27 نيسان، وتم إخفاء التفاصيل المدمرة في ملحق سري يحتوي على ثلاثة أضعاف عدد صفحات التقرير المنشور، لكن حتى ملخص النتائج الرئيسة، الذي كان مخصصاً للنشر، كان مدمراً بدرجة كافية، فقد وصف بوضوح كيف أن “كيه بي إم جي” لم تتحقق من وجود الشركات الخارجية ولا الأموال النقدية في حسابات الضمان، وتحدث عن التصميم على العرقلة من قبل وايركارد وشركائها التجاريين.
وناقش التنفيذيون في وايركارد ومجلس الإدارة طوال الليل كيفية المضي قدماً، وجادل مارساليك بأن الشركة ينبغي فقط أن تمتنع عن نشر التقرير، كما يقول أحد الحاضرين في الاجتماعات، لكن حتى براون رفض هذه الفكرة.
وقررت وايركارد التركيز على الأخبار التي تبدو إيجابية، وهي أن “كيه بي إم جي” لم تجد أي دليل على وجود احتيال مكشوف، ولم تطالب بإعادة صياغة الحسابات.
وفي مكالمة مع الصحافيين في 28 نيسان، وصف براون تقرير “كيه بي إم جي” بأنه “خطوة كبيرة إلى الأمام”، وفي وقت لاحق من ذلك اليوم، قال للمحللين إن “(إي واي) أبلغتنا هذا الصباح أنه ليس لديها مشكلة على الإطلاق للتوقيع على تدقيق 2019”.
وفي الواقع، كانت “إي واي” متشككة بشكل متزايد، وطالبت بأن تقوم وايركارد بتحويل 440 مليون يورو على أربع دفعات من الحسابات المصرفية الفلبينية إلى ألمانيا كدليل على أن الشركة كانت قادرة حقاً على الوصول إلى الأموال.
وقالت إدارة وايركارد إن هذا لن يكون مشكلة، وأكد براون ومارساليك في عدة مناسبات أن مبلغ 440 مليون يورو من الفلبين كان تماماً على وشك الوصول، واستناداً إلى افتراض أن هذا كان صحيحاً، واصلت “إي واي” الاستعداد لمنح حسابات وايركارد لعام 2019 شهادة بأن الحسابات سليمة، وفي الثاني حزيران، شاركت في مسودة رأي تدقيق مع وايركارد، يقول: “كل شيء سليم تماما”.
لكن “إي واي” قررت في النهاية التوجه مباشرة إلى البنوك الفلبينية للتصديق على صحة المستندات التي تؤكد وجود 1.9 مليار يورو، ولم تستجب البنوك على الفور ولم تشارك إلا بعد أن تحدث أحد كبار موظفي “إي واي” بشكل خاص إلى رؤسائها التنفيذيين.
وفي 16 حزيران، تلقت “إي واي” في ألمانيا رسالة بريد إلكتروني مباشرة من “BPI” تبين أنها اللحظة الحاسمة، وكتب القسم القانوني في “BPI”: “يرجى العلم أن المستندات المرفقة مزورة، لذلك لا يمكن للبنك تقديم أي معلومات ذات صلة بذلك”.
وأبلغت “إي واي” هيئة الرقابة المالية الألمانية “BaFin” برسالة “BPI”، في الساعة 5:28 من مساء 16 حزيران، وفقاً لوثيقة اطلعت عليها “فاينانشيال تايمز”، وتبع خطاب مماثل من “BDO”، بعد يوم واحد.
ةفي مقر وايركارد، صدم معظم الناس، “عندما وصلت الرسالة الأولى من البنكين الفلبينيين، بدأ الجميع في البحث عن كلمة (مزورة) على غوغل، ثم كانوا في حالة عدم تصديق تام”، كما يتذكر شخص لديه معرفة مباشرة بالموضوع، لكن كان هناك شخصان هادئان ومرتاحان تماماً، براون ومارساليك.
وقال الرئيس التنفيذي مراراً: “هذا كله سوء فهم كبير سيتم حله قريبا”.
وفي صباح 18 حزيران، لم يكن مبلغ 440 مليون يورو قد وصل حتى ذلك الحين من الفلبين، وأرسل مارساليك رسالةً نصيةً إلى أحد المقربين منه في الساعة 9.03 صباحاً، وفقاً لمحادثة اطلعت عليها “فاينانشيال تايمز”، قال فيها: “كل شيء ممكن، نحن نتأرجح بين الكارثة وكل شيء على ما يرام.. نحن ننتظر إفادة من أحد البنوك، إذا تلقينا ذلك، فسيكون كل شيء على ما يرام، وإن لم نفعل، فستصاب إي واي بالجنون التام”.
جيمس فريس، الذي كان من المفترض أن ينضم إلى وايركارد في الأول من تموز بصفته كبير إداريي الامتثال الجديد، كان يبحث عن شقة في وسط مدينة ميونخ في صباح يوم 18 حزيران، عندما تلقى مكالمة هاتفية من أيخلمان، الذي ناشده الانضمام فوراً إلى اجتماع طارئ لمجلس الإدارة، ورئيس مجلس الإدارة قال لفريس: “نحن في وضع أزمة”.
بينما طالبت المرأتان في مجلس الإشراف بالفصل الفوري لبراون، كان زملاؤهما الرجال الثلاثة يرون خلاف ذلك، كما يقول شخصان مطلعان على المناقشات، ولم يتمكن مجلس الإدارة حتى من إيجاد أغلبية لإقالة مارساليك، ونتيجةً لذلك، تم تعليق عمله مؤقتاً لمدة الـ12 يوماً التالية.
وانسحب مارساليك إلى مكتب براون، حيث أجرى كلاهما نقاشاً طويلاً خلف أبواب مغلقة.
يتذكر أحد المطلعين الداخليين الذي دخل مكتب براون، فقط ليتراجع فوراً عندما رأى ما يجري: “بدا الأمر وكأنه محادثة حادة للغاية”، وظاهرياً، لم يكن مارساليك منزعجاً، فقد رآه الموظفون وهو يتجول في الطابق التنفيذي لشركة وايركارد وهو يصفر.
ثم قام براون وبقية أعضاء المجلس بتسجيل رسالة بالفيديو، وقدم الرئيس التنفيذي لفترة وجيزة، فريس، الذي اضطر إلى استعارة جاكيت من أجل المناسبة، ويمكن رؤية براون وهو يقف خلف مكتب ويقرأ رسالة قصيرة للمستثمرين، حاول فيها تصوير وايركارد – وتصوير نفسه – كضحايا، وقال: “في الوقت الحاضر لا يمكن استبعاد أن وايركارد أصبحت الطرف المتضرر في قضية احتيال ذات أبعاد لا يستهان بها”، ولم تتم الإشارة إلى مبلغ الـ1.9 مليار يورو المفقود.
وعندما تم نشر الفيديو على موقع وايركارد بعد منتصف الليل، كان فريس قد بدأ يدقق في المستندات الداخلية. خلال الليل، خلص إلى وجود احتيال، وفي صباح الجمعة، طلب عقد اجتماع لإحاطة أيخلمان.
اجتمع مجلس الإشراف مرة أخرى وخلص إلى أن الرئيس التنفيذي يجب أن يرحل، واستبق براون إقالته بإعلان استقالته، وتحول حلمه في الاستحواذ على دويتشه بانك إلى كابوس، واصطحبه اثنان من موظفي وايركارد إلى خارج المبنى، وبعد أقل من أسبوع، تقدمت الشركة بطلب إفلاس.
تفكك وايركارد
15 تشرين الأول (أكتوبر) 2019: نشرت “فاينانشيال تايمز” دليلاً على أن وايركارد تضخم المبيعات والأرباح من خلال الاحتيال.
21 تشرين الأول (أكتوبر): وايركارد تفوض شركة كيه بي إم جي لإجراء تدقيق خاص في الادعاءات التي أبلغت عنها “فاينانشيال تايمز”.
10 كانون الثاني (يناير) 2020: وولف ماتياس يستقيل من منصب رئيس مجلس إدارة وايركارد. ويتم تعيين توماس أيخلمان.
12 آذار (مارس): تأخير تقرير كيه بي جي حتى 22 نيسان (أبريل)، وانتقل نشر نتائج وايركارد لعام 2019 بأكمله إلى 30 نيسان (أبريل).
28 نيسان (أبريل): نشر تقرير كيه بي إم جي بعد تأخير آخر، انتقل نشر نتائج العام بأكمله إلى الرابع من حزيران (يونيو)، ثم تأجل مرة أخرى إلى 18 حزيران (يونيو).
18 حزيران (يونيو): ألغي نشر نتائج العام بأكمله بعد أن أبلغت إي واي شركة وايركارد أن الوثائق التي تؤكد مبلغ 1.9 مليار يورو نقداً “مزورة”، بناء على رسالة بريد إلكتروني من بنك BPI.
19 حزيران (يونيو): الرئيس التنفيذي، ماركوس براون، يستقيل وكبير الإداريين للامتثال، جيمس فريس – الذي بدأ وظيفته في وقت أبكر من المخطط في 18 من حزيران (يونيو) – تم تعيينه في منصب الرئيس التنفيذي الجديد.
22 حزيران (يونيو): اعتقال براون وأطلق بعد يوم واحد سراحه بكفالة خمسة ملايين يورو.
25 حزيران (يونيو): وايركارد تقدم طلبا لإعلان الإفلاس. (FINANCIAL TIMES)[ads3]