إغلاق أوروبا .. تضييق على المهاجرين يبدأ من اليونان

تصرفات سلطات حراسة الحدود البحرية اليونانية، ومن بينها إطلاق نار على قوارب المهاجرين، أو صدم القوارب المطاطية، وإجبار من اقتربوا من الجزر على العودة، بعد رحلة مرعبة وشاقة في قوارب متهالكة، وأغلبها بحمولة زائدة، تؤكد منظمات حقوقية أوروبية، ومؤسسات متخصصة بحق طلب اللجوء، أنّها تصرفات نابعة من “سياسة تخرق المواثيق والقوانين المنظمة للجوء في الاتحاد الأوروبي”. وقد جرى إجبار 1070 مهاجراً على الأقل، في يوليو/تموز الماضي، على العودة نحو تركيا، بالرغم مما شكّله ذلك من خطر على حياة هؤلاء، وهو إجراء يخرق القوانين الدولية.

تقول شابة سورية جامعية لـ”العربي الجديد” وصلت إلى بلغاريا في يونيو/حزيران الماضي، إنّ السلطات البحرية اليونانية “حاولت بشكل متعمد صدم القارب المطاطي الذي كنت على متنه مع نساء وأطفال أصابهم الرعب من الغرق”. كانت الشابة محظوظة مع نساء ذلك القارب حين تدخلت قوارب مدنية قرب جزيرة رودس اليونانية “توقفت فجأة محاولة دعوتنا إلى العودة عبر ميكروفون مركب حرس الحدود، وكان، للغرابة، مترجمان بلغة عربية وأفغانية، هما اللذان يصرخان بنا للاستدارة والعودة إلى تركيا”.

لدى الشابة أهل وأشقاء في السويد، ولأنّ معاملات لمّ الشمل لم تشملها كونها فوق الثامنة عشرة فقد “اضطررت إلى السفر تهريباً، ولم أكن أتوقع هذه المعاملة السيئة”. فمثل غيرها اعتبرت الشابة اليونان “معبراً نحو أوروبا” لا غير، إذ إنّ ظروف المهاجرين في اليونان باتت معروفة بمدى السوء الذي وصلت إليه، ويفقد كثيرون الأمل في مواصلة رحلتهم إلى غرب وشمال القارة، وأكثرهم تعيش أسرهم في تلك الدول. ومنذ استطاعت الانتقال إلى أثينا، وملاقاة أخيها الذي جاء من السويد لمساعدتها، بدأت الشابة رحلة هروب أخرى مكلفة للوصول إلى أهلها.
المعاملة السيئة لحرس الحدود، المدعوم بقوات خفر سواحل أوروبية في بحر إيجه، تعرضت لانتقادات واسعة في تقارير دولية. ففي مايو/أيار الماضي، ذكرت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، ومنظمة الهجرة الدولية، ومنظمة العفو الدولية و”هيومان رايتس ووتش” أنّ “اليونان تتعامل مع طالبي اللجوء بطريقة مخالفة تماماً للقوانين والمواثيق الدولية”.

وفي يوليو/تموز الماضي، رصدت “هيومان رايتس ووتش” ومجلسا اللاجئين في الدنمارك والنرويج، الأساليب الممنهجة التي استهدفت هؤلاء الساعين لطلب حماية، فقد جرى رصد “مصادرة السلطات البحرية اليونانية لمقتنيات الواصلين إلى الجزر اليونانية قبل أن تجبرهم على العودة إلى تركيا”.

وبحسب شهادات بعض المهاجرين العرب الذين تحدثت إليهم “العربي الجديد” من أثينا، فإنّ “خفر السواحل يعامل بقسوة مع سخرية مهاجري القوارب التي جرى اعتراضها، إذ تجري مصادرة وسائل الحماية الشخصية من فيروس كورونا حتى، ولا تنفع توسلات نساء وشبان بوقف صدم وإعادة القوارب المطاطية المكتظة” كما يشرح الفلسطيني- السوري عبد المحسن قطان في اتصال هاتفي. ويعيش قطان في سالونيك، شمالي اليونان، لكنّه ناشط منذ سنوات في مساعدة المهاجرين، ويتنقل بين أثينا والجزر اليونانية. وتواصلت “العربي الجديد” مع موظفي مجلس اللاجئين اليوناني في أثينا، فاعتبرت مسؤولة التواصل في المجلس، دانيا ليفاديا، أنّ “حق طلب اللجوء والحماية مكفولان، ولا يجب التعامل مع هؤلاء بطريقة تتعارض والقوانين الدولية”. يذكر قطان أنّ تشدد السلطات اليونانية مع “أضعف الفئات من المهاجرين الذين فروا من تدمير قراهم في الشمال السوري تزايد مع تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قبل خمسة أشهر بأنّه سيفتح الأبواب أمام ملايين المهاجرين نحو القارة”. وتشير منظمة الهجرة الدولية، إلى أنّ أثينا بدأت بالفعل التشدد أكثر من الماضي، ليس فقط مع من يحاول الوصول إليها، بل حتى مع قاطني مخيمات متردية الأوضاع فيها، وذلك منذ الأزمة الحدودية بين الجانبين التركي واليوناني في بداية 2020.

ومن جانبه، أعاد وزير الهجرة واللجوء اليوناني باناغيوتس ميتاراجي، في يوليو/تموز وأغسطس/آب الماضيين، التأكيد على مخاوفه من “تطبيق تركيا سياسة تدفق المهاجرين مجدداً، ما سيرفع أعداد الواصلين إلى أوروبا هذا العام”. واعتبر ميتاراجي أنّ استمرار “برودة العلاقة بالأتراك أمر يجب أن يثير قلق الأوروبيين في زيادة أعداد المهاجرين كوسيلة ضغط جيوسياسية في التوتر الحاصل في شرق المتوسط”.

رئيس اللجنة الاقتصادية الاجتماعية الأوروبية، لوكا جاهير، أكد في مايو/أيار الماضي، على دعم أوروبا لأثينا التي اعتبرها “دولة عضوا في خط المواجهة، وبحاجة إلى دعمنا وتضامننا الكاملين. وليس من المقبول أنّ بعض الدول الأعضاء لا تفي بالتزاماتنا المشتركة وتترك دولاً أخرى تتحمل عبئاً غير متناسب في إدارة تدفقات الهجرة. وعلينا أن نجد حلولاً مشتركة بوحدة وتصميم، وبتقوية مبدأ التضامن حتى لا ينظر إليه على أنّه كلمة فارغة”. وذكر جاهير أنّ “إدارة حدودنا وإصلاح قانون اللجوء في الاتحاد الأوروبي مسؤولية أوروبا ككلّ ولا يمكن تأجيله أكثر”. وتطالب أثينا بـ”تضامن أوروبي” ضد ما تسميه “عدوانية تركيا” في شرق المتوسط، وتقوم بإدخال قضية الهجرة وطالبي اللجوء في المعادلة السياسية المتعلقة بالتنقيب عن النفط والغاز في شرق المتوسط.

وبناءً على ما تقدم، زادت، وفقاً لملاحظة ومراقبة منظمات دولية مختلفة، بما فيها التابعة للأمم المتحدة، عمليات إجبار المراكب على الاستدارة ومطاردتها نحو المياه الدولية وتركها تواجه مصيرها من دون تقديم أيّ مساعدة ملزمة، بحسب المواثيق الدولية. ونقلت تقارير صحافية يونانية وأوروبية أنّه في نهاية الشهر الماضي قام رجال أمن يونانيون ملثمون باقتحام أحد معسكرات المهاجرين على جزيرة رودس، وأجبروا نساء وأطفالاً وشباناً على ركوب أحد قوارب الإنقاذ من دون محرك وبلا دفة توجيه، وأجبروا على الإبحار نحو الحدود البحرية لليونان وتركهم لمصيرهم. وفي 22 يوليو/تموز الماضي، أنقذ خفر السواحل التركي مجموعة مكونة من 22 شخصاً من بينهم رضّع ونساء. شكل ذلك الأمر الممارس سراً من الأمن اليوناني صدمة للمهاجرين، خصوصاً النساء اللواتي هربن من القصف الذي تعرضن له في سورية.

التقارير الدولية حول تلك السياسات السرية الممارسة من أثينا، بالرغم من نفي الأخيرة، رصد معلوماتها ناشطون متطوعون من دول أوروبية مختلفة. يؤكد الناشط البحري في منظمة “إنقاذ اللاجئين” (أوروبية متعددة الجنسيات) يواكيم أندرسون لـ”العربي الجديد” أنّه “جرى التقاط إشارات في أثناء إبحارنا في شرق المتوسط عن إجبار قوارب على العودة، ونحن بأنفسنا يجري تجريم عملنا ونلاحق من خفر السواحل الأوروبي”. ويؤكد يواكيم ورفاقه من ألمانيا والنرويج، أنّ التركيز الآن على ممارسات أثينا في بحر إيجه “بالرغم من أنّ الحالة تنطبق أيضاً على مهاجري البحر الأبيض المتوسط، إذ يقع تدخل عنيف في ملاحقة مراكب الهاربين حتى تصل إلى المياه الليبية أو التونسية، مع عدم الاكتراث بغرق العشرات خلال الفترة التي كانت أوروبا مشغولة فيها بوباء كورونا”.

تتصرف اليونان، كما تقول تقارير متخصصة أكاديمية وحقوقية وسياسية، بشكل عدواني وغير مسبوق “من دون أي انتقاد أوروبي، بل على العكس من ذلك تجري تلك الممارسات على خلفية دعم حكومات وسياسيين أوروبيين”. ويشير خبير شؤون الهجرة في منظمة “حق اللجوء” في كوبنهاغن، المحامي بيورن يوهانسون، إلى أنّ “سياسة رفض دخول المهاجرين حدود القارة بمثابة عار بتكلفة بشرية معروفة للسياسيين الصامتين على ما يعانيه في الأصل طالبو اللجوء في اليونان، وحوادث الغرق في المتوسط بعد عقد المفوضية الأوروبية اتفاقات مع ديكتاتوريين في الضفة الجنوبية للمتوسط لمنع وصول القوارب والتصدي لها من خلال إشارات يرسلها خفر سواحل أوروبي”.

ويؤكد يوهانسون لـ”العربي الجديد” أنّ “اليونان باتت تمارس سياسة أكثر تشدداً مما مارسه وزير داخلية إيطاليا السابق، الشعبوي المتشدد، ماتيو سالفيني، باستهداف متعمد هدفه بعث رسائل لمن يحاول اللجوء ألاّ يحضر إلى المياه الإقليمية للجزر اليونانية”. ويختم يوهانسون قائلاً إنّ “كلّ تلك الممارسات تأتي بدعم رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، التي شكرت علناً جهود أثينا، معتبرة إياها درع أوروبا ضد المهاجرين. وتلك التكتيكات اليونانية، وغيرها في المتوسط، لا يبالي بها سياسيو الاتحاد الأوروبي، بل إنّ بعضهم يصرح علانية بأنّه يجب إرسال جنود وقوات إلى بحر إيجه لمساعدة اليونان… في ممارساتها غير القانونية تلك”.

ناصر السهلي – العربي الجديد[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها

‫3 تعليقات

  1. أوربة أخذت حاجتها و كفايتها من اللاجئين و لا تريد المزيد ناهيك عن أنها ستبدأ بإعاده الغير صالحين منهم كعبيد لديهم إلى بلادهم.
    لا أنصح أي إنسان عاقل بالقدوم إلى جحيم أوربه إلا إذا طالب للدراسة و بمنحة دراسية نظامية.
    صدقوني العيشه هنا ليست كما صوروها لكم.

    1. الافضل لهم ان يذهبوا الى البلاد التي انعم الله عليها بدين الرحمه اي ان يعودوا الى حضن كردوخان و الى طالبان و الصومال و باكستان و الى السعزديه و دول الخليج

    2. و لماذالا تهرب انت ايضا من جحيم اوربا فالظاهر انكفقدت عقلك و بدلت جنة العالم الاسلامي بجحيم اوربا انك غبي