ماذا يحدث عند جدار الفصل بين تركيا و سوريا ؟
يقر معظم المراقبين بأن السياسات التركية نحو النازحين السوريين كانت الأفضل بين دول المنطقة، حيث وفرت لهم الخدمات الأساسية من تعليم وصحة مجانا، وإن لم تصل لمستوى السياسات الأوروبية في التعامل مع اللاجئين، إلا أنها كانت الأكثر تضامنا مقارنة بدول الشرق الأوسط، والعربية تحديدا، والمفترض أنها معنية بالأمر أكثر من غيرها.
السياسات التركية استمرت لثلاثة اعوام فقط، هي الأعوام الأولى من عمر الثورة السورية، أما بعدها، فتحول تعامل أنقرة في مسألة النازحين تدريجيا، من تعهد المسؤولين الأتراك بإعادة السوريين لبلادهم، إلى مرحلة إطلاق النار على أي نازح سوري يحاول الاقتراب من جدار الفصل الحدودي بين تركيا وسوريا، بدلا من استقبالهم كما في السنوات الأولى، ليصل عدد اللاجئين السوريين الذين قتلوا برصاص الجنود الأتراك منذ بناء الجدار إلى 464 شخصاً، حتى نهاية أغسطس 2020 بينهم 87 طفلا دون سن 18 عاما، و59 امرأة، حسب المنظمات الحقوقية الدولية.
وفي الأشهر الأخيرة، باتت حوادث الانتهاكات من ضرب وإهانات وتمييز عنصري، خارج إطار القانون والمعاهدات الدولية لحقوق النازحين، شبه يومية، ولعل آخرها ما حدث مع سلطان الكنج، الذي سبق وعمل صحافيا متعاونا مع «القدس العربي» والكاتب المختص بالشأن السوري في موقعي تشاتم هاوس والمونيتور، فقد حاول الكنج العودة لسوريا بطرق مخصصة للتهريب بسبب إقفال الجانب التركي للحدود، ومنع السوريين من العودة إلا باستثناءات وبشروط مشددة، لتعتقله قوات الجندرمة التركية عند الجدار الحدودي، برفقة عائلة تركستانية، كانت تحاول هي الأخرى العبور للضفة الأخرى من الحدود، حيث تتواجد أعداد كبيرة من العائلات التركستانية في منطقة جسر الشغور وغيرها، برفقة أبنائهم من مقاتلي الحزب الإسلامي التركستاني، ولعل اللافت في قصته هو ملاحظته للتمييز الكبير في المعاملة من قبل الجنود الأتراك، بين النازحين السوريين والنازحين التركستان، بناء على التمييز العرقي، فالضباط الاتراك يعاملون التركستان وعائلاتهم بعد احتجازهم في مخافر الجندرمة، بكل احترام وإنسانية، ويمنحونهم وجبات الطعام، والأهم أنهم يسمحون لهم بالعودة لتركيا، وبالاحتفاظ ببطاقة الحماية المؤقتة التركية للنازحين، كونهم ينتمون للعرقية التركية، بينما يتعرض السوريون لحفلات ضرب وشتائم، وفي نهاية فترة احتجازهم يتم إبعادهم لسوريا، مع إلغاء بطاقات الحماية المؤقتة للاجئين، وهو إجراء اعتادت السلطات التركية على اتخاذه مع الكثير من اللاجئين العرب مؤخرا، مستفيدة من ملحق إضافي يضمن للسلطات التركية الحق في إبعاد أي نازح لا ينتمي للاتحاد الاوروبي، أي أن حق اللجوء الانساني والحماية من الإعادة للبلد الأصلي مضمون فقط للأوروبي، ولذلك تم إبعاد آلاف النازحين وطالبي اللجوء السوريين والعراقيين على مدى السنوات الاخيرة.
نعود إلى ما يحصل داخل معتقلات حرس الحدود التركي، التي يجتمع فيها النازحون السوريون ومن جنسيات أخرى تحضيرا لإبعادهم، وإضافة إلى التمييز الذي يقع بالمعاملة والإجراءات، فإن سياسات يمكن وصفها بالممنهجة باتت تطبع تعامل الجانب التركي مع المحتجزين من النازحين السوريين، الذين يعتقلون عند محاولتهم العبور من الخط الحدودي، ومنها ما قد تطور بشكل خطير في العام الأخير فقط، وكما يروي سلطان والعديد ممن عاشوا هذه التجربة من قبله، فإنهم لم يحصلواعلى أي وجبة طعام خلال يومين من احتجازهم، ولم يشربوا الماء إلا من صنبور الحمامات الصحية، ويتناوب حراس السجن على شتمهم، كما يقومون بالدخول للسجن وضرب المعتقلين لاسباب تافهة، مثل إنهم كانوا ينظرون للحراس! وفي حال لم يتعرض النازحون للضرب أو الشتائم، فإنهم يعاملون كعمال سخرة، حيث يُختار الجنود الشباب ذوي الاجساد القوية للقيام باعمال يدوية في المخافر الحدودية، كحمل المعدات ونقل الأتربة، أو تنظيف الأرضيات من اعقاب السجائر التي يتركها الجنود !
وتتكرر الروايات عن قيام الجنود الأتراك بسرقة حاجيات وأموال النازحين السوريين، الذين يتم ضبطهم عند الجدارالحدودي، وخلال اليومين اللذين قضاهما الزميل سلطان في معتقله قرب بلدة الريحانية الحدودية، شاهد أحد الشباب الذين تعرضوا للسرقة، إذ قام جنديان بسرقة 1500 ليرة منه خلال اعتقاله، والمثير هنا أن الشاب وعندما اشتكى للضابط التركي المسؤول عن تعرضه للسرقة، عاد له الجنود الذين سرقوه وأوسعوه ضربا داخل السجن! وكنت قد كتبت، قبل 3 سنوات، عن أجواء سجون النازحين في الحدود التركية السورية، بناء على تجربة شخصية، حيث لم يكن الكثير من هذه الممارسات شائعة بهذا الشكل الممنهج، فوجبات الطعام كانت منتظمة، والتعامل كان يضمن الحد الأدنى من حقوق المعتقلين، ويتم بصيغ قانونية، ويسمح بحضور محامين، إلا أن المشكلة الوحيدة المستمرة، التي لم تتغير تتمثل في التمييز بين النازحين حسب أصولهم، فقبل ثلاث سنوات ايضا كان يتم قبول دخول النازحين من سوريا أو العراق، إذا كانوا من أصول تركمانية، وكذلك التركستان يتم قبول لجوئهم، اما العرب فتتم إعادتهم لسوريا أو إبعادهم لبلدانهم.
وائل عصام – القدس العربي
[ads3]
مقال سياسي وليس تقرير اخباري ورائحة ابو ظبي المعادية مقرفة
ليس دفاعا عن اردوغان، لكن ما الذي يجعل الجنود يميزون بين مواطن سوري عادي يريد التسلل بطريقة ساذجة وبين مخرب أو ارهابي من بي كا كا؟ أيضا يجب أن نعلم أن بين الجنود الاتراك من لا يحب السوريين فلماذا المخاطرة والدخول لتركيا بطرق غير المعابر المعروفة؟