ألمانيا .. بلد الشعراء و المفكرين و أصحاب نظريات المؤامرة !

منظمو المظاهرات في قمة السعادة، فمع كل مظاهرة جديدة يشارك عدد أكبر من الأشخاص، وصحيح أن بينهم عدد كبير من النازيين الجدد، إلا أن غالبية المتظاهرين هم في النهاية ليسوا من اليمين المتطرف، وإنما مواطنون قلقون يجب على السياسة أن تعتني بهم، والأجواء في المظاهرات أصبحت أكثر عدوانية، إذ يعم غضب واضح ضد إجراءات الحكومة، بشأن كورونا.

نظريات المؤامرة تروج وسط المتظاهرين، وإذا ظهر صحفيون في المظاهرات، فإنهم يُقابلون بهتافات “صحافة الكذب”، ويردد المتظاهرون: “ميركل يجب أن ترحل”، كما يجري نعت السياسيين بالـ”خونة”، وتعرض لهم صور بملابس السجن، والسياسيون عاجزون عن الرد.

ويُقال في الغالب بأنه “يجب على السياسة أن تصغي أكثر وتشرح وتعمل من أجل كسب الثقة”، إذ يجب البحث عن الحوار، وإذا ما حاولوا ذلك فإنهم يتعرضون للشتم، وهناك خصوصاً أنصار حزب واحد يدعمون المظاهرات ويسيرون في صفوفها، إنهم أتباع حزب البديل من أجل المانيا.

ألا يكرر التاريخ نفسه؟ بلى، في المظاهرات في ألمانيا، ففي السابق كانت “بغيدا” واليوم كورونا، حيث أن النموذج متشابه بشكل فظيع، ففي نهاية 2014 تشكلت حركة “بغيدا” كاحتجاج ضد سياسة الهجرة الألمانية، وست سنوات بعدها جاء مناهضو سياسة كورونا، وحتى اليوم، في زمن وباء عالمي تبحث الحكومة الألمانية وجزء كبير من المجتمع عن الجواب على السؤال حول ما الذي يحرك المتظاهرين، وكيف وصلوا إلى ذلك الحد، لا سيما، كيف يمكن استرجاعهم.

بيا لامبيرتي، المتخصصة في علم نفس المجتمع، لم تكن في الواقع متفاجئة عندما رأت الصور من نهاية الأسبوع الماضي في برلين، لقد كان كل شيء موجوداً وليس جديداً: معاداة السامية، أيدولوجية المؤامرة ومعاداة الديمقراطية، وكذلك وجود اليمينيين المتطرفين.

وتخشى السيدة التي تعيش في ماينز من أن تحدث في رد الفعل الاجتماعي مجدداً “لحظة بغيدا”، فقبل انطلاق المظاهرة قيل بأن هذه الأخيرة ستكون “مخترقة” من قبل يمينيين متطرفين، وهذا يغفل أن التظاهرات كانت منذ البداية تميل إلى اليمين.

لامبيرتي تقوم منذ سنوات بأبحاث حول نظريات المؤامرة وألفت كتاباً حول الموضوع بعنوان “حقائق كاذبة.. كيف تؤثر نظريات المؤامرة على تفكيرنا”، ومن سخرية القدر أن أساليب التفكير التآمري تغلب باستمرار على حياتها، لأنها مطلوبة كخبيرة.

“لفترة طويلة تم التهكم على الموضوع”، تقول لامبيرتي، وتضيف: “لم يوجد إلا القليل من المعلومات الميدانية حول لماذا يثق الناس في المؤامرات، وهذه الأيدولوجية كانت دوما خطيرة”.

خطيرة لأن مختلف المجموعات تنصهر تحت الصورة العدائية الواحدة، مواطنون لهم مخاوف واقعية ومعارضون للقاح ويمينيون متطرفون، وحالياً يثق واحد من بين أربعة ألمان في قصة مؤامرة حول كورونا.

“تفشي الأمراض كان دوماً حافزاً لقصص المؤامرة”، تقول لامبيرتي، “لدينا ليس فقط وضع ينجم عنه فقدان السيطرة، بل أيضاً عدو خفي، الفيروس”، وفي هذا النوع من الحالات يبحث العقل، كما يشرح علماء، عن أجوبة ونماذج بسيطة، فتوجيه التهمة لبيل غيتس أسهل من الإحاطة بالوضع المعقد للفيروس، وإذا وُجد أشخاص لهم نفس التفكير يقومون بتقوية هذا الموقف، فإن السيطرة تعود من جديد، “فالناس بإمكانهم أن يظهروا كمقاومين مفترضين ويرفعون من معنوياتهم”، كما تشرح لامبيرتي.

لكن بأي كيفية ينبغي على وسائل الإعلام أن تتحدث عن مثل هذه المظاهرات إذا كان المواطنون القلقون الذين يصرخون أثناء الاحتجاجات بصوت عالٍ مطالبين بالحرية وحرية التعبير، لا يستجيبون لطلبات مقابلة من قبل الصحفيين، فإنهم لا يرفضون المقابلات بشكل ودي، بل ولا حتى بشكل غير ودي، وإنما لا يصدر منهم أي رد فعل على الإطلاق.

“بالنسبة إلى وسائل الإعلام يكون ذلك في الغالب تحدياً”، كما تحذر بيا لامبيرتي، التي تضيف بأنه “يجب الحذر من تكرار ترديد كلام منظري المؤامرة، فقد أظهرت الأبحاث أن المعلومات المضللة تستمر لفترة أطول من التصحيح”.

ومنذ قرون تعرف ألمانيا بأنها بلد الشعراء والمفكرين، نظراً لانتشار هؤلاء في ربوعها، لكن الآن في زمن الكورونا، ينتشر في ألمانيا أصحاب نظريات المؤامرة والمؤمنون بها.

أوليفر بيبر – دويتشه فيله[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها