يورونيوز : كيف و لماذا أصبح ترامب رمزاً لليمين المتطرف في ألمانيا ؟

في يوم 29 آب 2020، تجمع الآلاف للاحتجاج على الإجراءات المتبعة لمكافحة جائحة كوفيد -19 في برلين.

وفي الاحتجاجات رفرفت أعلام بيضاء وحمراء فوق مجموعة من المتظاهرين، ولا شيء لافت على العلم سوى صورة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رافعاً إبهامه.

والصورة ليست الوحيدة لترامب في المظاهرة، ترامب موجود كذلك على القمصان واللافتات.

يعتقد العديد من متظاهري ذلك اليوم أن فيروس كورونا غير موجود، متسلحين بنظريات حول الديكتاتورية والشيوعية، ووجوههم مخفية جزئيًا بكمامات إلزامية.

وعلى منصة أمام مبنى البرلمان الألماني “رايخستاغ”، تقف الناشطة تمارا ك وهي ترتدي ملابس سوداء من الرأس إلى أخمص القدمين، مع نظارة شمسية سوداء فوق عينيها، وتصرخ: “ترامب في برلين، السفارة مغلقة بالكامل، لقد فزنا تقريبا”.

يهتف المتظاهرون: “يجب أن نثبت الآن أننا هنا، سنمارس حقوقنا اليوم، هنا والآن”.

ثم تدعو تمارا الحشد للجلوس على درج مبنى البرلمان، فيخترق الحواجز نحو 400 متظاهر يجلسون على درجات المبنى.

وترامب لم يكن في برلين في هذا التاريخ، المعلومة التي ساقتها تمارا في هتافاتها ليست صحيحة، لكن الرئيس الأمريكي أصبح بالفعل شخصية رمزية في المظاهرات ضد لوائح وقيود فيروس كورونا في ألمانيا.

وقد يبدو الأمر غريباً بعض الشيء، إلا أنه ليس كذلك بالنسبة لدانا بوتشيك، الخبيرة في نظريات المؤامرة والتطرف، والتي بررت في حوار مع شبكة “يورو نيوز” الإعلامية لماذا لم يفاجئها استخدام المتظاهرين لصورة ترامب: “نظريات المؤامرة والشعبوية تسير على ما يرام، لا يقبل الشعبويون، تمامًا كمنظري المؤامرة، أي تفسير للواقع بخلاف تفسيرهم، يصفون منتقديهم بالكذب والإجرام، يشككون في الهياكل الديمقراطية ويعلنون وعودًا كبيرة بالخلاص، وهم ناجحون على وجه التحديد لأنهم لا يقدمون أي حلول واقعية، ولكنهم يقدمون كلمات طنانة”.

أما جورج ريستل، رئيس تحرير المجلة السياسية الألمانية “مونيتور”، فقد قال في البرنامج الحواري “Maischberger. die Woche”، في أوائل أيلول، إن ترامب هو نموذج يحتذى به “بالنسبة لكثير من الناس هنا في أوروبا، أيضاً للشعوبيين اليمينيين، بمن فيهم أولئك الذين يقفون حاليًا على درجات مبنى الرايخستاغ”.

وكان ريستل يلمح، من بين أمور أخرى، إلى العلم الأسود والأبيض والأحمر الذي يظهر مرارًا وتكرارًا في الاحتجاجات.

وتم استخدام ما يسمى بـ”Reichsflagge” (العلم الإمبراطوري) لأول مرة في الإمبراطورية الألمانية، ثم استخدمه النازيون لاحقًا.

واليوم، ترفع هذه الأعلام من قبل من يسمون “Reichsbürger رايخس بورغر”، ما يترجم لـ “مواطني الإمبراطورية”، الذين لا يعترفون بشرعية الدولة الألمانية، ويزعمون أنه لم تكن هناك معاهدة سلام حقيقية بعد الحرب العالمية الثانية، وبالتالي فهم لا يعترفون بالقوانين، حتى أن البعض أنشأ “ولايات” خاصة به داخل ألمانيا بقوانينه الخاصة.

ويريد الـ”رايخس بورغر” إبرام معاهدة سلام مع روسيا والولايات المتحدة، ويعتقدون أنه ينبغي الإطاحة بالنخبة الألمانية الحالية، لهذا السبب، في نظرهم، يعتبر ترامب بطلًا يقف في وجه النخبة ويسعى إلى إنقاذ الناس.

ووفقًا لوزارة الداخلية الألمانية، يوجد حوالي 19 ألف من لـ”رايخس بورغر” في ألمانيا، فبين عامي 2016 و2018، تضاعف عددهم، وينظمون أنفسهم بشكل أساسي على شبكة التواصل الاجتماعي “تلغرام”، التي لا يتم التحكم بها ومراقبتها كـ”تويتر” و”فيسبوك”، حيث تزال من عليهما الكثير من الحسابات التي تدعو للتطرف.

وتقول بوتشيك إن حذف الملفات الشخصية “يساهم، على المدى القصير، بإسكات الكراهية ونظريات المؤامرة على المنصة المعنية”، ومع ذلك، تؤكد أن هذا لا يحل المشكلة: “سينتقل الراديكاليون إلى منصات أقل تنظيمًا مثل تلغرام أو ديسكورد، حيث يصبحون أكثر راديكالية بوتيرة أسرع مع تحييد كل اعتدال”.

ويدعم الحركة أتيلا هيلدمان، وهو طاه نباتي شهير في ألمانيا.

وعلى قناته على “تلغرام”، يشارك العديد من الصور ومقاطع الفيديو والرسائل الصوتية والنصوص كل يوم، ويتحدث علانية ضد ميركل وسياسيين آخرين، كما يدعو بانتظام للاحتجاج، ويطلق على كمامات الوجه اسم “أقنعة العبيد”، ويقارن إجراءات كوفيد -19 بتلك المفروضة على “أسرى الحرب”.

ويصف هيلدمان لقاحات كوفيد -19 التي يتم تطويرها حاليًا بالـ”حقن المميتة” التي سيتم من خلالها ارتكاب “إبادة جماعية لسبعة مليارات شخص”.

وتوضح بوتشيك هنا: “يستخدم الأشخاص المتطرفون استعارات الحرب لتحسين حياتهم اليومية، إنهم لا يرون أنفسهم عدائيين، بل سفراء من أجل عالم أفضل، وفي رأيهم، الحرب بدأها الآخرون، وهم يدافعون عن أنفسهم فقط، وهذا الهدف البطولي يبرر كل الإجراءات، حتى العنف”.

وفي إحدى رسائله عن اللقاحات، كتب هيلدمان على قناته في 15 أيلول أن أي شخص أُعطي اللقاح سيموت بسبب “أمراض وراثية” في غضون 24 شهرًا، وأضاف بأحرف كبيرة: “ليس لدي أي تعاطف مع أولئك الذين ما يزالون يحبون الكذب ويهينون الحقيقة بعد 6 أشهر من كورونا!”.

وكان هيلدمان من بين 300 شخص اعتقلوا في مظاهرة 29 آب.

ورغم كل هذا، يقول هو وأعضاء آخرون في الحركة إنهم يريدون التظاهر سلميًا، ويؤكدون أنهم يبحثون عن السلام والمحبة.

وحقيقة أن الحركة تدعو علنًا للسلام والحب تفسر سبب حضور مجموعة كبيرة من الأشخاص ذوي الآراء المختلفة للمظاهرات ضد إجراءات كوفيد-19، وكثير منهم توحي ملابسهم ومظهرهم بكونهم من “الهيبيز”.

وتوضح بوتشيك أن “الباطنية والتطرف اليميني أقرب إلى بعضهما البعض مما قد نعتقد”، وتقول إن الباطنيين يحبون التحدث عن الحب، “ولكن بمجرد أن نفكر في شعاراتهم، يتضح كره الإنسان، يدعي المنكرون الباطنيون للكورونا، من بين أمور أخرى، أن أولئك الذين يخافون فقط يصابون بالوباء، أولئك الذين ليس لديهم العقلية الصحيحة، لنكون أكثر دقة: أولئك الذين يمرضون ببساطة لا يريدون ‘أن يستيقظوا’ أولئك الذين يمرضون اختاروا المرض ولا يستحقون التعاطف، لذلك، ليست مشكلة بالنسبة لمنكري كورونا الباطنيين تجاهل التدابير الوقائية في الحياة اليومية أو السير إلى جانب المتطرفين اليمينيين تحت أعلام الحرب الإمبريالية، فالأرواح البشرية التي يعرضونها للخطر تعود لـ’غير المؤمنين’، وبالتالي لا قيمة لها لديهم”.

ووفقًا لبوتشيك، هناك سبب بسيط وراء خروج الكثير من الأشخاص في ألمانيا حاليًا إلى الشوارع ضد إجراءات كورونا: “عندما نواجه أحداثًا مروعة في حياتنا، لا نشعر بالخوف فحسب، بل نشعر أيضًا بالغضب، وأولئك الغاضبون يبحثون عن مذنبين، وهذا يجعلنا عرضة للشائعات وقصص المؤامرة.. كلما كانت الحكاية أكثر عاطفية، كلما كانت أكثر قابلية للحياة.. الفرصة التي تسمح للفيروس بالتحول وتخطي حاجز الأنواع، ليست مقنعة كفاية بالنسبة لهم، كالاعتقاد بأن نخبة شريرة قامت بتحضير الفيروس في المختبر”.

والرئيس الألماني، فرانك فالتر شتاينماير، شجب “اقتحام” الرايخستاغ، وقال في اليوم التالي إن “الأعلام الإمبراطورية والابتذال اليميني المتطرف أمام البوندستاغ الألماني يشكلان هجومًا غير مقبول على قلب ديمقراطيتنا، لن نقبل ذلك أبدًا”.

كما عبر وزير الخارجية الألماني هايكو ماس عن غضبه على “تويتر” حينها: “لكل شخص الحق في مناقشة كيفية التعامل مع كورونا، وعرض رأيه بالطبع، لا ينبغي لأحد أن يسير مع المتطرفين اليمينيين ويعرض ضباط الشرطة للخطر ويعرض الكثيرين لخطر العدوى، أعلام الإمبراطورية أمام البرلمان مخزية”.

وفي الفترة التي سبقت مظاهرة 29 آب، تم نشر تحذيرات عبر الإنترنت من أن المتطرفين اليمينيين والنازيين الجدد سوف يتجمعون في المظاهرة.

وكتب ريستل: “المتطرفون اليمينيون يحشدون من أجل برلين، إذا كان ما يزال لدى أي شخص شكوك حول من سيشارك في المسيرة..”، وشارك نداءين لحضور المظاهرة صادرين من السياسي اليميني من حزب البديل من أجل ألمانيا، بيورن هوكه، والحزب الوطني الديمقراطي الألماني اليميني القومي المتطرف في ساكسونيا “NPD”.

وتقول بوتشيك عن كيفية الحد من هذه الظاهرة: “لقد حان الوقت للتوقف عن التقليل من قيمة هؤلاء الأشخاص والسخرية منهم باعتبارهم (مثيري شغب)، يجب أخذ التطرف على محمل الجد واعتباره خطرًا على مجتمعنا”، وتضيف أن الأقارب والأصدقاء هم أكثر الوسائل فعالية لمكافحة التطرف: “يمكننا ويجب علينا جميعًا القيام بشيء ما”، وتؤكد أن هناك حاجة إلى “خدمات النصح والمشورة في جميع أنحاء ألمانيا، بما فيها في مجال التطرف الإسلامي والتطرف اليميني، فالدعم النفسي وبرامج التدريب في مجال الاتصال يمكن أن تمنع الكثير من التصعيد”. (EURONEWS)[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها