مسنة ألمانية تقدم نصائح لتحقيق الذات لدى كبار السن

“لم يعد الأمر جديدا بالمرة بعد الآن”، كانت تلك هي الكلمات التي سمعتها جانين بيرج-بير من طبيب العظام عندما زيارت، وحينها أدركت أنها قد صارت عجوزا.

ورغم ذلك، ولكون المديرة الإدارية السابقة لم تعتد الاستسلام، فقد عقدت العزم على معالجة المرحلة الأخيرة من حياتها مباشرة، والتعامل بنفسها مع جميع الأمور المتعلقة بالتقدم في العمر، إذا استطاعت ذلك. لكنها وجدت أنها ليست بالمهمة اليسيرة.

وتعيش بيرج-بير التي تبلغ من العمر 75 عاما، في برلين، وقد ألفت كتابا بعنوان “أولئك الذين يخططون مبكرا لا يموتون على الفور: استعداداتي من أجل حياة مريحة في الكبر”.

وفي مقابلة مع وكالة الأنباء الألمانية (د. ب.أ)، تحدثت بيرج-بير عن شركات التأمين الصحي العامة، غير المجدية، ومناقشاتها الحساسة مع أبنائها والصعوبات التي تواجه كبار السن من أجل العثور على مسكن ملائم.

وبدأ الحوار مع بيرج-بير عن أول فصل في كتابها والذي يحمل عنوان “الخطة الأخيرة”، حيث قالت إن البداية كانت من انزعاجها حيال الشكوى الدائمة لكبار السن من عدم اهتمام أبنائهم بهم، وأن كل شيء كان أفضل في السابق.

وأضافت: “فكرت, لماذا؟… يعود الأمر إلينا نحن الكبار في وضع خطة عن كيف نريد أن يتم الاعتناء بنا في سنواتنا الأخيرة”، ثم التحدث مع الأبناء عن هذه الخطة. وهذا ما فعلته بيرج-بير، لأنها أرادت الاحتفاظ ببعض الاستقلالية حتى النهاية.

ولكن هل من الممكن في الحقيقة التخطيط لكل شئ، من الرعاية وحتى الجنازة؟

قالت بيرج-بير الألمانية إنها تعرف كثيرأ من الأشخاص في مثل عمرها، يقولون إنه “لا يمكن التخطيط لكل شيء!” وبالفعل، لن يستطيع المرء ذلك، لكن لا ينبغي أن يمنعه ذلك من التخطيط، على الأقل للأمور، التي يمكن التخطيط لها. “بمعنى آخر، لا تتحدث بشكل مجرد عما يتعين عليك أن تفعله، أو ما إذا كنت تستطيع ذلك، بل تحدث بشكل واقعي: أين سأعيش حينما أصبح مسنا؟ أين سأجد المساعدة؟ كيف سيمهدني الأطباء لهذه الفترة؟ هل يمكنني أن أتحدث مع أحد ما عن الموت؟ هل سأجد شخصا أتحدث معه على الإطلاق بهذا الشأن؟.

وعلى أرض الواقع، اكتشفت بيرج-بير أن الأمور مختلفة نوعا ما عن توقعاتها، حيث تقول إن كبار السن، على سبيل المثال، يحصلون على مساعدة ضئيلة من نظام الرعاية الصحية. بل غالبا ما يتعرضون للخداع من خلال هذه الجملة الرائعة، “لم يذكر المشرعون شيئا في هذا الشأن (لا ينص القانون على ذلك).

وتقول بيرج-بير إن المرء يضطر إلى التقدم بكثير من الطلبات المزعجة، التي يتم رفض أغلبها، “ويتعين عليك حينئذ الاستمرار في تقديم الاعتراضات واتخاذ تحرك حاسم بحق. وهو ما لا يستطيع جميع كبار السن القيام به. وقد ساءني هذا حقيقة وأغضبني إلى حد أنني صرت في نطاق دائرتي الإجتماعية خبيرة في تقديم الاعتراضات على قرارات شركات الرعاية الطبية والتأمين الصحي العامة”.

وعن النتائج المترتبة على هذه العقبات، قالت بيرج-بير إن ما يحدث يجعل الوضع صعبا للغاية أمام كبار السن الأقل حالا من الميسورين. وأضافت أنها لا تتحدث عن الفقراء الحقيقيين من كبار السن، مثل هؤلاء الذي يضطرون إلى اللجوء إلى بنوك الطعام، وإن كانوا يمثلون مشكلة بطبيعة الحال.

وأوضحت أن المسألة بدأت حينما لم توافق شركة التأمين على تحمل تكلفة العناية بالقدم حال لم يعد المرء قادرا على بلوغ أصابع قدميه – فقط لأنه ليس مريضا بالسكري- أو دفع قيمة التنقل بالمواصلات إلى الطبيب، أو الدفع وفق ظروف محددة للغاية. وإذا لم يستوف المرء هذه الشروط؟ عادة ما يكون الرد “لم يذكر المشرعون شيئا في هذا الشأن”، أو “لم نضع نحن القوانين”.

وتعتقد بيرج-بير أن هناك علاقة بين قضاء فترة الشيخوخة في راحة وبين توافر المال. وأعطت مثالا بسوق العقارات، حيث كانت تعتقد أنها مسألة يسيرة بالنسبة لكبار السن- فببساطة ينتقل المرء للعيش مع أبنائه أو في دار للمسنين، أو شقة أصغر، حتى خاضت التجربة بنفسها، حيث تقول إنها اكتشفت أن هناك نقصا في الإسكان “الرمادي”، كما تطلق عليه، في ألمانيا، لأنه لا يوجد خيار معقول بالنسبة لكبار السن، وقليلون هم من يستطيعون تحمل تكلفة المتاح من السكن، وقد ينتظر المرء 10 سنوات حتى يجد مكانا شاغرا في دار مسنين.

وتنصح بيرج-بير كبار السن بترتيب أمورهم مبكرا، قبل أن يبلغوا الستين. وتقول إنها كانت تبلغ من العمر 75 عاما حينما بدأت، وكان ذلك متأخرا للغاية. وتشرح أن “ترتيب الأمور” في هذه الحالة معناه التحدث مع الأبناء أو الأحفاد، ليس فقط ليهتموا بك بشكل جيد، فالوضع لن يكون سهلا أيضا عليهم، حيث إنهم لديهم حياتهم الخاصة ولن يستطيعوا التعامل باستمرار مع آبائهم أو أجدادهم، وقالت: “اعتقد أن واجبنا نحن كبار السن أن نعالج هذه المسألة في وقت مبكر”.

وتوضح بيرج-بير أنه يجب مناقشة كل شيء، بداية من السكن، بحث يصبح الحوار كالتالي، مثلا: “انظر، أنا لست في مقتبل العمر – هكذا اتخيل أن أقضي بقية حياتي …” ثم يبدأ التفاوض. ويجب أن يسأل المرء صراحة عن إمكانية تقديم أبنائه المساعدة، وكيفية ذلك، ويمكن إطلاعهم على ما يفضله المرء حال إصابته بالعجز.

وقالت: “رغم هذا، نسمع في حالات كثيرة عن هذا الرجاء السخيف بدلا من ذلك: “أرجوك لا تبع منزلي أبدا! لا تودعني أبدا في دار المسنين!”، وتضيف أن هذا يثقل كاهل الأبناء ونادرا ما يتحقق، وتضيف: “أن تكون كبيرا في السن لا يعني أن تفتقر إلى المنطق السليم، وألا ترى الحقائق بشكل واقعي”.

وعلى عكس الآراء السائدة، تعتقد بيرج-بير أنه ليس من المهم إطلاقا الالتزام بحمية غذائية أو الحفاظ على اللياقة البدنية. فهي لا تؤمن بأن على المرء أن يعيش حياة طويلة، بل حياة جميلة. وتقول: “هذا واضح بالطبع، فمن يستمتع بممارسة الرياضة يتعين عليه ممارستها. لدي صديقات يقولن إن الخروج للرقص أو ممارسة التمارين مرح كبير. أنا أفضل قراءة كتاب. ولم يعد لدى وقت بعد الآن للاهتمام بصحتي”.

وفي النهاية، تنصح الكاتبة بيرج-بير كبار السن بأن يفعلوا ما يستمتعون به وما يريدونه حقا، وليس ما ينتظره المجتمع منهم. فدائما يـُفترض في كبار السن أن ي. (DPA)[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها