البشرية على موعد مع أسرع و أكبر انفتاح تكنولوجي في التاريخ فكيف تتحضر الدول ؟

بينما تتحضر البشرية لأسرع وأعمق وأكبر انفتاح تكنولوجي في التاريخ، فإنها على موعد مع لحظات لم تشهدها الحضارة من قبل. في السنوات العشر القادمة، سوف تتلاقى التقنيات الرئيسية لإحداث انفتاح في القطاعات التأسيسية الخمسة بالكامل- المعلومات والطاقة والغذاء والنقل والمواد- التي تدعم الاقتصاد العالمي، ومعها كل الصناعات الرئيسية في العالم.

ستنخفض التكاليف بمقدار 10 مرات أو أكثر، بينما تصبح عمليات الإنتاج أكثر كفاءة بالنسبة للحجم (10 أضعاف)، باستخدام موارد طبيعية أقل بنسبة 90% وتنتج نفايات أقل من 10 إلى 100 مرة.

يعمل هذا الانفتاح التكنولوجي على قلب نموذج الاستخراج والاستغلال السائد للموارد، والندرة والتحكم المركزي للإنتاج، رأساً على عقب.

وهذا يعني ظهور نموذج جديد للإبداع المحلي من لبنات بناء غير محدودة منتشرة في كل مكان، عالم ليس مبنياً على الفحم والنفط والصلب والثروة الحيوانية والخرسانة، ولكن على الفوتونات والإلكترونات والحمض النووي والجزيئات والبت الكمومي.

هذه التحذيرات والرؤية المستقبلية تم نشرها في كتاب جديد يدعى Rethinking Humanity، أو إعادة التفكير في الإنسانية، والذي يضع خطة عمل من العام 2020 إلى 2030.

وبحسب ما قاله المؤلف المشارك للتقرير والمؤسس المشارك لشركة RethinkX طوني سيبا لوكالة Associated Press، فإن الإنسان لا يحتاج تقدماً تكنولوجياً مفاجئاً لتحقيق هذه الخطة ولعدة أسباب، هي:

– الطاقة الشمسية وطاقة الرياح الآن أرخص مصادر الطاقة لغالبية الكوكب.
– شركات النقل مثل Uber وLyft أعادت التفكير في النقل كخدمة.
– شركة Impossible Foods وغيرها تعطل الزراعة التقليدية عبر ابتكارات جديدة.
– وتعد حملات Black Lives Matter وMe Too مثالين واضحين على الكيفية التي تستطيع بها شبكات المعلومات اللامركزية تعبئة المجتمع بفاعلية.

ومن ثم، تقف البشرية الآن عند مفترق طرق، طبقاً ولكن، رغم أن النظام الحالي يملك القدرة على إدراك الفوائد الاجتماعية غير العادية التي تتيحها هذه التكنولوجيات، فإن هذه الخطوة تعتمد على تحوُّل غير مسبوق في المجتمع.

إن نماذج الفكر ونظم المعتقد والنظم السياسية والاجتماعية والاقتصادية (والتي تشكل معاً هيكل البشرية التنظيمي) هي آثار العصر الصناعي، وقد تطورت هذه الأنظمة وحُسّنت لتتماشى مع صناعات الأمس.

ومع تسارع هذا الانفتاح، يصبح القادة غير قادرين بشكل متزايد على فهم العالم وإدارته وتنظيمه.

لهذا السبب تشهد بعض الدول ظلماً اجتماعياً واضطراباً، وتدميراً للبيئة، وجائحة عالمية تعيث فساداً في المجتمع. وهي مجرد البداية.

ويقدم الكتاب Rethinking Humanity، خطة عمل مفصلة للمستثمرين وواضعي السياسات وقادة الشركات لتبنّي نظام الإنتاج الجديد القائم على الإبداع وحل أكثر التحديات العالمية صعوبة.

فيما يلي، بعض الخطوات التي يجب على قادة القطاعين العام والخاص أخذها في الاعتبار، حسب ما عددتها مجلة Fast Company الأمريكية.

تتمثل الخطوة الأولى في التعرف على السرعة والحجم والطبيعة غير الخطية للانفتاح في المستقبل، وتسريع عملية الطرح والبنية التحتية وسلاسل القيمة لنظام الإنتاج الجديد.

وينصح المؤلف بضرورة مقاومة الرغبة في حماية الصناعات القديمة القائمة، والتي ستؤدي إلى تأمين أنظمة غير تنافسية وأصول عالقة وخسارة تريليونات الدولارات.

بدلاً من ذلك، يحث على التركيز على حماية الناس والحفاظ على الاستقرار الاجتماعي مع الخفض الاستراتيجي لنموذج الاستخراج القديم للإنتاج (أي الوقود الأحفوري والزراعة الصناعية).

ومع هذا التحول، يجب على الحكومات ترك أعمال الطاقة، وعدم سيطرة الحكومات على عمليات توليد الطاقة الكهربائية ونقلها وخطوط الأنابيب والمناجم.

وينصح الحكومات بالتركيز على تسريع نشر البنية التحتية الجديدة وسلاسل القيمة في القطاعات التأسيسية الخمسة:

– المعلومات: 5G، النطاق العريض، شبكات الأقمار الصناعية الصغيرة، المركبات الجوية غير المأهولة.
– الطاقة: الطاقة الشمسية، الرياح، البطاريات.
– النقل: البطاريات، شبكات أساطيل الشحن، دعم المركبات ذاتية القيادة، ودمج وتحويل السكك الحديدية والنقل العام مع النقل كخدمة (TaaS).
– الغذاء: التوزيع، التوطين، مراكز التخمير الدقيق.
– المواد: بناء القدرة الإنتاجية للبروتينات والمواد العضوية من خلال التخمير الدقيق.

المعلومات وأكبر انفتاح تكنولوجي

على سبيل المثال، فإن بيانات المستهلك حول استخدام الطاقة والنقل والتغذية الشخصية والرعاية الصحية لها قيمة.

ومن ثم من شأن ضمان ملكية الأفراد للبيانات الخاصة- التي تستخرجها حالياً أطراف ثالثة- أن يوفر فوائد اقتصادية للمستهلكين.

ويوصي الكتاب بمعاملة بيانات المستخدم نفس معاملة الملكية الفكرية (IP)، أي أن يمتلك الأفراد جميع البيانات الشخصية وكل الحق في ترخيصها لأي شخص بشروطهم الخاصة.

وهذا يعني أن “الاتفاقات القانونية”، التي بموجبها تجبر شركات مثل فيسبوك وجوجل وأمازون المستخدمين على التخلي عن حقوق بياناتهم مقابل الوصول إلى التطبيقات، يجب أن تكون غير قانونية.

الاستثمارات والمدخرات

ستكون للانفتاح القادم آثار عميقة على الاستثمارات وإدارة الأصول أيضاً.

ويشير الكتاب إلى ضرورة حماية المعاشات التقاعدية والمدخرات من الأصول العالقة واستخدامها بدلاً من ذلك لبناء النظام الجديد.

كما حث على إنشاء فئات أصول جديدة، للسماح للأفراد بالاستثمار مباشرة في مشاريع توليد النقد الصغيرة مثل الطاقة الشمسية للمجتمعات المحلية، ومحطات طاقة البطاريات، ومركبات النقل كخدمة، ومراكز التخمير الدقيق.

وسوف يتطابق العائد الثابت لهذه الاستثمارات بشكل وثيق مع حجم المسؤولية عن خطط معاشات التقاعد (أكثر بكثير من محافظ المعاشات التقاعدية التقليدية)، وهي أيضاً تشكل وكيلاً جيداً للاحتياجات النهائية التي صُممت معاشات التقاعد من أجلها (مثل الغذاء، والإسكان، والطاقة، والنقل).

إن تغيير القواعد للمساعدة في دفع أصول معاشات التقاعد والمدخرات نحو هذه التكنولوجيات والمشاريع من شأنه أن يوفر حجر الأساس للانفتاح والملكية القائمة على المشاركة (أو عقد اجتماعي جديد يقوم على “الحق” في الطاقة وغير ذلك من الاحتياجات).

ونظراً إلى أن شبكات المعلومات تستحوذ على حصة متزايدة من النشاط الاقتصادي، مدفوعة بتأثيرات الشبكة القوية، ستحتاج نماذج الملكية المعتادة، التغيير لمنع عدم المساواة على نطاق غير مسبوق.

الضرائب والرسوم

يعد تكييف المقاييس والضرائب لتناسب النظام الجديد أمراً بالغ الأهمية.

ويوضح الكتاب كيفية تقسيم الضرائب بأن يكون للأفراد الحق في توليد الكهرباء وتخزينها وبيعها.

ويشير إلى عدم فرض ضرائب على التوليد الذاتي للطاقة الشمسية أو تخزين الطاقة، بل فقط على المبيعات للشبكة أو الأطراف الثالثة.

ويرجع مؤلفو الكتاب الحاجة إلى هذه التغييرات، لحماية الناس وليس الشركات.

ويمهد الطريق بالسماح للشركات غير القادرة على تطبيق النظام الجديد بإشهار إفلاسها، مع حماية الناس، من خلال سياسات إعادة التدريب، وتوفير الدعم المالي والرعاية الصحية، والوصول إلى رأس المال الاجتماعي خلال الفترة الانتقالية.

دعوة لصنّاع القرار

ويعد هذا الكتاب دعوة واضحة للقادة عبر المجتمع -العام والخاص- لمعرفة ما يحدث حقاً، وفهم الآثار المترتبة، وإعادة التفكير في الطريقة التي تؤدي بها البشرية الأعمال والاستثمارات وتنظيم المجتمع.

ويقول سيبا: “المستقبل ليس مخططاً مسبقاً. يمكننا أن نختار رفع الإنسانية إلى آفاق جديدة غير مسبوقة أو بدلاً من ذلك، الحفاظ على الوضع الراهن والانحدار إلى عصر مظلم”.

وأضاف: “نظراً إلى أن الصدمات المتتالية والمتزامنة والتي يمكن التنبؤ بها تزعزع استقرار حضارتنا في عشرينيات القرن العشرين، فإن الاستجابة السريعة ستكون من أجل مزيد من المركزية وتركيز صنع القرار والموارد، مما يمنح الدول القومية التي كانت تعاني سابقاً من الجمود، القوة والقدرة على اتخاذ إجراءات حاسمة”.

وختم قائلاً: “من الضروري ألا تُستخدم هذه القوة لإصلاح القديم، ولكن لتسريع النظام الجديد”.[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها