دويتشه فيله : تداعيات أحداث ليلة رأس السنة في كولونيا قبل خمس سنوات
كموظف اجتماعي، عايش فرانكو كليمينس الكثير، لكنه لم يكن مستعداً لليلة رأس السنة قبل خمس سنوات.
لقد حصل ذلك “بالتحديد في كولونيا، المتعددة الثقافات وفي قالب للاندماج”، كما قال كليمينس.
وبدأت تلك الليلة، في الانتقال من 2015 إلى 2016 في هدوء، إلا أنها في النهاية ستغير المانيا.
فعلى غرار السنوات السابقة، تجمعت حشود من الناس أمام ساحة محطة القطار الرئيسية، مباشرةً بالقرب من الكاتدرائية، رمز كولونيا، وهذا ليس شيئا غير معتاد بالنسبة للمدينة التي تحتضن الملايين، وتُعتبر “عاصمة المرح” في ولاية شمال الراين فيستفاليا، لكن هذه المرة كان هناك حشد يتألف من نحو ألف رجل شاب، تنحدر غالبيتهم من شمال أفريقيا.
وسادت أجواء عنيفة، إطلاق مفرقعات على أشخاص، ومارة يتعرضون للمضايقة وتحصل سرقات هواتف ومحفظات نقوذ، ورد فعل الشرطة كان مفاجئاً ومجهداً، حيث كان يوجد عدد قليل من رجال الشرطة في عين المكان، لكن الوضع تصاعد وأخذ يخرج عن السيطرة.
وحصلت مشاهد “مقززة”، كما عبرت عن ذلك لاحقاً المستشارة أنغيلا ميركل، حيث قام حشد من الرجال بمطاردة نساء، وحصلت تجاوزات جنسية وعمليات اغتصاب، والرئيس السابق لشرطة كولونيا، فولفغانغ ألبيرس، تحدث لاحقاً عن “جنح ذات بعد جديد”.
وفي الأيام التالية تم تقديم ما مجموعه 1210 شكوى جنائية، بينها 511 بسبب اعتداء جنسي، وفي 28 شكوى، تعلق الأمر بمحاولة الاغتصاب أو الاغتصاب.
وحتى في مدن ألمانية أخرى، مثل هامبورغ وفرانكفورت وهانوفر، حصلت حينها مشاهد مشابهة، حتى وإن لم تكن بنفس الدرجة من العنف.
وفرانكو كليمينس، الذي كان يدير في تلك الفترة داراً للاجئين في كولونيا، مشمئز مما حصل لأولئك النساء، فأعمال العنف كانت بالنسبة له والعاملين معه بمثابة “صدمة سحبت من تحت أرجلهم السجاد”.
ويرى كليمينس بأن ثقافة الترحيب المدعومة من ميركل لصالح اللاجئين في خطر، وشعارها الشهير “سننجح في إتمام المهمة”، الذي أطلقته في 7 تشرين الأول 2015، يترك عند الكثير من الألمان طعماً مرا.
ليلة رأس السنة أدت “إلى تحول داخل المجتمع”، كما لاحظ كليمينس في حديث عبر الانترنت بشأن تقييمه لأحداث ليلة رأس السنة قبل خمس سنوات: “ثقافة الترحيب تعرضت للهجوم بعدما باتت بالنسبة إلى الكثير من الناس الذين ساندوها، فجأةً مقترنةً بالخوف”، يقول الموظف الاجتماعي، وبهذا، فقد الكثير من الدعم “حتى إلى داخل دور اللاجئين، حيث ساعدنا الكثير من الناس في العمل الاجتماعي لدفع الاندماج إلى الأمام”.
لقيت أحداث رأس السنة تلك صدى إعلامياً عالمياً، وتم توظيفها سياسيًا على الضفف الأخرى من الأطلسي، فدونالد ترامب قدم تلك التجاوزات خلال حملته للانتخابات الرئاسية الأمريكية كمثال تحذيري لسياسة لجوء فاشلة، وبدون هوادة، عمل ترامب على توظيفها لسياسته المعادية للهجرة.
وفي ألمانيا تفجر منذ مدة نقاش حول مشاكل سياسة الهجرة والتعايش في مجتمع متعدد، وبدأ مواطنون يعبرون عن شعورهم بعدم الأمن، وارتفعت مبيعات مسدسات التخويف والغاز المسيل للدموع في وقت قياسي، وهناك مستفيد من هذا التطور، وهو حزب البديل من أجل المانيا اليميني الشعبوي، الذي نجح في قلب التحفظات والخوف والغضب إلى زيادة في عدد الأصوات لصالحه، ليصبح فيما بعد أكبر حزب معارضة في البرلمان الألماني.
وكدرس من تلك الأحداث عملت الحكومة والبرلمان الألمانيين على تشديد قانون اللجوء الألماني، وعلى هذا النحو يسمح قانون اللجوء رقم اثنين الصادر في آذار 2016 بترحيل أسهل وأسرع للجناة الأجانب، كما تم تعديل القانون الجنائي الخاص بالجرائم الجنسية، لأن “المضايقة الجنسية لم تكن إلى ذلك الحين جنحة”، وكانت مقترحات إصلاح ذلك القانون الجنائي في الأدراج، لكنها بعد تلك الأحداث تم اقرارها في تشرين الثاني 2016.
وحتى وسائل الاعلام غيرت سلوكياتها، لأنها اتهمت مثلها مثل الشرطة، بالتغطية فيما يخص الجنسية الأجنبية للمشتبه بهم، ومجلس الصحافة غير مبادئه الأساسية فيما يخص تسمية أصل الجناة الذي ينحدرون منه، وكانت الصحافة في السابق لا تذكر، بصرف النظر عن صحة الخبر، أصل الجناة، وصار بوسعها ذكر أصل الجاني بكل وضوح.
وشرطة كولونيا قامت بحشد خبراء ضمن “مجموعة عمل ليلة رأس السنة”، وفي حفلة رأس السنة عام 2016/ 2017 أرسلت عدداً كبيراً من رجال الشرطة إلى الشوارع، وعندها أبلغ موظفون عبر “تويتر” عن عمليات تحقق من الهوية عن “Nafris”، وهو مصطلح أطلق على أصحاب السوابق المنحدرين من دول شمال إفريقا، لكن سهام الاتهامات بالعنصرية وجهت للشرطة.
وتراكم في الجنح من قبل أشخاص من شمال إفريقيا لا يمكن إنكاره، كما عللت الشرطة موقفها، لكن غالبية المنحدرين من شمال إفريقيا ليسوا “بالطبع جناة”.
وتم تعديل المشروع الأمني من جديد وتكييف التدريب مع المتطلبات الجديدة، بحيث أن الشرطة باتت تراعي العديد من العوامل الحيوية في عملها اليومي مثل الكفاءة الثقافية والتدريب على التواصل، وبات المشروع الأمني الجديد لشرطة كولونيا يضمن في السنوات الأخيرة احتفالًا سلميًا بليلة رأس السنة أمام محطة القطارات الرئيسية.
وفي التحول الجديد من سنة إلى أخرى، قد يكون الوضع أهدأ بكثير هذه السنة في كافة كولونيا، لكن هذه المرة بسبب قيود كورونا.
رالف بوزن – دويتشه فيله[ads3]