قصة ألمانية تركت بلادها لتعيش في قلب الصحراء الكبرى بمصر
في صحراء مصر الكبرى، جنوب غرب البلاد، حيث تظلل مئات الآلاف من أشجار النخيل تلالًا من الرمال الناعمة، وفي مدينة الداخلة في محافظة “الوادي” الجديد، جلست الألمانية فريدل براون تتناول إفطارها البسيط تحت أشعة الشمس الدافئة في وسط الخلاء.
في حديقة منزلها، قالت فريدل، مدربة التأمل، التي تبلغ من العمر 72 عاماً، لوكالة “فرانس برس”: “لقد جئت إلى هنا قبل 35 عاماً، حينها لم يكن هناك طريق يوصل إلى منطقة بئر الجبل”، التي تبعد نحو 700 كم جنوب غرب القاهرة.
وأضافت، وهي تشير إلى الصحراء في الخلف: “أتيت حينها في سيارة خاصة عبر مدق في الصحراء إلى مخيم بئر الجبل”.
هذا المخيم الكائن وسط الصحراء المحاط بحديقة خضراء كبيرة من أشجار النخيل، بنيت غرفه على الطراز البدوي من الطوب الطيني وسعف النخيل على مساحة 50 فداناً وبه عين مياه جوفية كبريتية ساخنة يستشفى بها الزائرون وتروي الأشجار.
واليوم، صار هناك طريق من الأسفلت يمكن للسيارات أن تسلكه إلى “بئر الجبل” ومنزل فريدل، الذي أطلقت عليه اسم “شاليه حتحور”، نسبةً إلى آلهة “الحب والموسيقى والرقص” عند الفراعنة.
كانت الرياح الباردة تمايل سعف النخيل وأغصان الزيتون في الحديقة التي يفوح فيها عطر الياسمين والخزامى، فيما روت فريدل قصتها التي قادتها إلى امتلاك المنزل.
وقالت المرأة: “لقد وقعت في حب هذا المكان.. هنا ترسم الطبيعة فناً وطبقات الجبال تحمل آلاف السنين.. هل ترى هذا الجمال؟!”، مشيرةً إلى صحراء الوادي، المحافظة المصرية التي تزيد مساحتها عن مساحة ألمانيا بأكثر من ثمانين ألف كيلومتر مربع.
وروت فريدل أنه في عام 2003 عادت إلى مخيم “بئر الجبل”، الذي زارته في شبابها، ووجدت أن حالته تحتاج إلى تطوير ولا يمتلك صاحبه النفقات اللازمة لذلك، وقالت: “أعطيته بعض المال.. أنا لست ثرية على الإطلاق، ولكن من الخسارة أن نفقد مثل هذا المكان”.
وفي 2004، وفي إحدى الليالي في ألمانيا، حلمت فريدل بأنها امتلكت منزلاً وحديقة في “بئر الجبل”، و”بعدها بأسابيع قليلة، وجدتني أعود من جديد”.
وجدت السيدة الأجنبية المخيم في حالة أفضل، وأراد صاحبه أن يرد المال لها، وقد روت له الحلم، فـ”عرض عليّ حديقة المخيم.. انتابتني قشعريرة شديدة، ووافقت دون تردد”.
وقرر حاتم، صديق فريدل، وهو مصري يملك المخيم ومن أبناء الوادي، تخصيص جزء من مساحة ملكيته الخالية لها لتشييد منزلاً تمتلكه بجانب الحديقة، لتقوم وزوجها بتحقيق الحلم وبناء البيت في 2005.
وتقول: “منذ ذلك الحين، أصبح نصف قلبي في بئر الجبل والآخر في ألماني.. أقضي الشتاء هنا والصيف هناك”.
بنت فريدل وزوجها المنزل الدائري بقببه البدوية الطراز من الطوب الطيني وسعف النخيل، وأضافت إليه أبوابًا خشبيةً ذات خطوط بسيطة تعلوها كوى زجاجية وزينته بأواني الفخار، وعلى الجدران رُسمت زخارف نوبية.
وتتوسط المنزل ساحة، تُعقد فيها حلقات تأمل ورقص يتمايل خلالها المشاركون على دقات الدف الهادئة وسط رائحة البخور.
وتقول فريدل إنه منذ 2005 وحتى “الربيع المصري” في 2011، كان يزورها رحالة ومجموعات من النساء، معظمهم من ألمانيا، لممارسة التأمل والاستشفاء بمياه العين الكبريتية، وفي الوقت نفسه يستخدمون مخيم صديقها المصري للمبيت والطعام فيحقق دخلًا متواضعًا، ولكن “بعد 2011، أصبحت الأعداد التي تأتي قليلة للغاية.. والآن لدينا كورونا”.
وداخل “حتحور شاليه”، قالت باربرا فريي، إحدى صديقات فريدل، وهي تجلس على أريكة من الطين في أحد أركان ساحة المنزل لوكالة “فرانس برس”: “لقد قابلت فريدل عام 2016 في سوق للفخار في ألمانيا”.
وأضافت: “وجدت شخصًا لا أعرفه يدعوني لزيارة منزله في الصحراء في مصر، فأجبتها بالطبع، وبعد 6 أسابيع، كنت هنا وداومت على المجيء كل شتاء”.
وترى فريدل أن هذا هو الوقت المناسب الذي “يجب على الناس أن تعود فيه إلى الطبيعة، بعد أن أثبتت أنها الأقوى”.
وعلى أريكتها الخشبية، من أمام منزلها، قالت: “أتمنى أن يأتي شخص ما ويكمل من بعدي هذا العمل.. ويحافظ على البيت”. (AFP)[ads3]