” تركيا هي خيار السوريين الوحيد ” .. نيويورك تايمز : ” في منطقة تركيا الآمنة داخل سوريا.. الأمن و البؤس مترافقان “
قالت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، في مقال لها بعنوان “في منطقة تركيا الآمنة داخل سوريا.. الأمن و البؤس مترافقان” إن تركيا تعرضت لانتقادات واسعة عندما أرسلت قواتها العسكرية إلى سوريا، ولكن جنودها يقفون اليوم كحائط صد بين ملايين من السوريين والمجازر التي من الممكن أن ترتكبها قوات بشار الأسد بحقهم.
وقالت الصحيفة بحسب ما ترجم عكس السير: تعاني 300 عائلة وتكافح للحصول على الدفء وسط الأمطار والوحل، في مخيم على تل مطل على عفرين، بعد أن هجروا 3 مرات مذ خرجوا من مزارعهم في ريف دمشق قبل 7 سنوات، إنهم يعيشون الآن على قليل من المساعدات التي تقدم لهم، ويرسلون أطفالهم للبحث عما قد يسد رمقهم.
تقول بشرى سليمان الحمدو (65 عاماً) وهي ترفع الغطاء لتظهر الأرض الرطبة التي يرقد زوجها المريض فوقها: “الوضع شديد السوء، الأمطار تتسرب إلى خيمتنا، ليس هنالك طاعم كاف، ولا منظمات تقدم المساعدة، ولا مياه صالحة للشرب”.
تعرض الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لانتقادات من قبل الأمم المتحدة وقادة الدول الغربية، قبل 3 سنوات، عندما أمر القوات التركية بعبور الحدود السورية إلى عفرين، الفعل الذي اعتبر انتهازياً ومزعزعاً للاستقرار… لقد فرت الآلاف من العائلة الكردية، إلى جانب المقاتلين الأكراد، من الغزو التركي، وحل محلهم مئات الآلاف من السوريين القادمين من مناطق أخرى، الأمر الذي أدى لتضخم في عدد السكان واستيلاء على منازل وبناء مخيمات في أراض زراعية.
تدخل تركي آخر حدث عام 2019 في شرقي سوريا، قوبل بالرفض والانتقاد واتهامات بوقوع انتهاكات لحقوق الإنسان على مرأى من الأتراك.. ولكن مع نهاية عقد من الحرب الأهلية السورية التي ما زال العالم في حيرة من أمره إزاءها، أصبحت تركيا القوة الدولية الوحيدة التي تحمي 5 ملايين مهجر ومدني معرضين للخطر، ويقف الجنود الأتراك اليوم بين هؤلاء وقوات بشار الأسد وحلفائه الروس الذين قد يرتكبون مذبحة بحقهم.
رافق مسؤولون أتراك صحافيين في زيارة نادرة إلى عفرين، المنطقة التي أنشأت تركيا فيها -بحكم الأمر الواقع- منطقة آمنة على الحدود معها، وقد حرص الأتراك على إظهار إنجازاتهم في ما يتعلق بالبنى التحتيةى والتعليم والخدمات الصحية.. لكنهم في نفس الوقت لم يخفوا المصاعب المستمرة التي يعاني منها السوريون الموجودون في المنطقة التي يديرونها، والذين عبروا رغم معاناتهم عن امتنانهم وسعادتهم بالوجود التركي، في الوقت الحالي على الأقل.
يقول عمار محمد (35 عاماً) وهو مقاتل سابق من دمشق، وعتال حالي في أحد أسواق عفرين: “على الأقل، أستطيع البقاء على قيد الحياة هنا، لقد تعرضت لخطر الموت والاعتقال على يد النظام.. كنت سأموت هناك (مناطق النظام)، كنت سأستمر بالتفكير دائماً بتعرضي للاعتقال”.
لم يكن التدخل التركي في عفرين خالياً من الأنانية أو المصلحة، لطالما كان لتركيا مصالحها الخاصة التي تعمل من أجلها، لقد كان هدفها الرئيسي اقتلاع القوات الكردية التي تعتبرها تهديداً أمنياً، بالإضافة إلى توفير أراض للقوات المعارضة التي تحارب خصمها اللدود بشار الأسد.. لقد فر السوريون الذين استقروا حول عفرين من قوات بشار الأسد.
كان محمد وابن عمه عمار، ضمن المقالين الذين تم إجلاؤهم بالحافلات من الغوطة، وأحضروا إلى عفرين ضمن اتفاقية السلام التي توصلت إليها روسيا وتركيا قبل 3 سنوات، رفض محمد وابن عمه الانضمام لقوات الأمن المحلية التي تدعمها تركيا، وسرحا من فصيلهما وتركا ليؤمنا معيشتهما بالطريقة التي يريدانها.. يقول محمد: “لقد هجرنا قسرياً، أقسم بالله إن هناك أناساً ينامون جوعى، لا نعلم كيف ننجو ونستمر بالعيش حتى الآن”.
أنشأت تركيا إدارة خاصة بها في المنطقة، ودربت ودمجت قوات سورية صديقة مع قوات الشرطة العسكرية، كما أنشأت مجالس محلية لإدارة الأمور، وربطت المدينة بالشبكة الكهربائية التركية، الأمر الذي أنهى سنوات من انقطاع التيار، كما أن الناس باتوا يستخدمون شبكات الهاتف المحمول التركية ويتداولون الليرة التركية، وقد سجلت 500 شركة للتجارة (استيراد وتصدير) بين البلدين.
يقول أورهان أكتورك، نائب حاكم هاتاي، المسؤول عن عفرين: “هدفنا الرئيسي هو جعل حياة الناس طبيعية هنا، نعمل على إبقاء المدارس والمستشفيات مفتوحة وتعمل بشكل دائم، ليتمكن الناس من إكمال حياتهم بشكل طبيعي”.
لكن تركيا موجودة أيضاً لكي لا ينتهي الأمر بالسوريين في تركيا التي تستضيف أكبر عدد من اللاجئين في العامل (3.6 مليون سوري)، ولطالما دعا أردوغان إلى إنشاء منطقة حظر طيران أو منطقة آمنة في الشمال السوري، وفي الوقت الحالي فإن قواته قامت بإنشاء هذه المنطقة بنفسها.
لقد تدخلت تركيا في سوريا 3 مرات، الأولى إلى جانب الولايات المتحدة ضد داعش عام 2016، والثانية في عفرين عام 2018، والثالثة في 2019 بعد الانسحاب السحب المفاجئ -بقرار من ترامب- للقوات الأمريكية من سوريا.
أتاح اتفاق أردوغان مع ترامب للروس والنظام السوري الظفر بموطئ قدم في شمال شرق سوريا مجدداً، في خطوة شكلت كارثة للمعارضة، ثم اتخذت تركيا موقفاً مغايراً وغير متوقع بعد ذلك، ضد الهجوم الذي شنته قوات النظام والقوات الروسية في إدلب العام الماضي، حيث أظهرت أن الجيش التركي ليس راغباً في الدفاع عن هذا الخط (مناطق السيطرة) بل قادر على ذلك أيضاً.
يقول معاذ مصطفى، المدير التنفيذي لمنظمة فريق عمل الطوارئ السورية (مقرها واشنطن): “وضع خط أحمر في إدلب حول تركيا من لاعب سيئ إلى لاعب جيد في المنطقة، أو على الأقل لاعب لديه اهتمامات ومصالح مشتركة مع أمريكا.. على إدارة بايدن إعادة تفعيل التواصل العسكري مع تركيا، وتزويد الأخيرة بالدعم اللوجستي والاستخباراتي اللازم لتعزيز دفاعها عن المنطقة الخاضعة لسيطرة المعارضة في إدلب.. شمال غرب سوريا وإدلب، هي المناطق المفتاحية لكل شيء، بوجود 4 ملايين شخص بينهم مليون طفل، محشورين في منطقة تتقلص مساحتها باستمرار، تمثل إدلب ضرورة ملحة على الصعيدين الإنساني والاستراتيجي، إن مهاجمة إدلب وحدها يمكن أن يضاعف عدد اللاجئين في أوروبا”.
على الرغم من الترحيب الذي تقابل به من قبل الكثير من السوريين الذين فروا من حكومة بشار الأسد، إلا أن السيطرة التركية ليست أمراً غير قابل للجدال ولا تشوبه شائبة في عفرين، حيث تعرضت المنطقة لـ 134 هجوماً إرهابياً خلال عامين ونصف العام، بينها 4 سيارات مفخخة هذا الشهر، كما أن قوات الأمن التركية أحبطت مئات من الهجمات الأخرى، بحسب ما أفاد أورهان أكتورك.
وقال قائد الشرطة التركية في عفرين، إن 99 بالمئة من الهجمات قام بها حزب العمال وفرعه في سوريا (الوحدات الكردية) المتحالف مع القوات الأمريكية في محاربة داعش، وأضاف أكتورك: “المفخخات الأخيرة أخفيت في شاحنات قادمة من منبج الخاضعة لسيطرة القوات الكردية، لصالح تجار لا علم له بحقيقة ما وضع فيها، وقد خسر أحدهم ابنه في انفجار وقع في المنطقة الصناعية بعفرين”.
تعامل الأتراك مع الوضع الأمني في عفرين، كأي قوة تابعة لحلف النيتو، حيث أحاطوا المبنى الإداري بجدران مرتفعة وأغلقوا المنطقة الخضراء التي تشمل السوق الرئيسي في مركز المدينة، إلا أن أصحاب المتاجر هناك تضرر أعمالهم بشدة جراء ذلك.
يقول إبراهيم حجي خليل، مالك متجر فايف ستارز للآيس كريم: “إننا نتدبر أمورنا، لكن الوضع صعب جداً، لقد قل عدد الزبائن بشكل كبير بعد الانفجار الضخم الذي تسببت به الشاحنة المفخخة في السوق، في أبريل الماضي، كان الناس يصطفون في طوابير أمام المتجر، ولا وجود لأحد الآن”.. أما طالب سعيد سليمان، رئيس المجلس المحلي، فقد طالب بمزيد من الدعم بعيداً عن ذلك الذي يمكن لتركيا أن تقدمه “نحتاج للمزيد من الدعم الدولي ولدعم من المنظمات غير الحكومية”.. ولكن بالنسبة لملايين السوريين، فإن تركيا هي الفرصة الوحيدة.
ويقول نور حلاق، وهو ناشط سوري يعيش في المنطقة الخاضعة للسيطرة التركية في حلب إن الطلاب السوريين منكبون على تعلم اللغة التركية، ويبحثون عن طرق للوصول إلى تركيا، بهدف الدراسة أو العمل “إنه أمر مضحك مبك في الوقت ذاته بالنسبة لي، اللغة التركية تنتشر.. هذا ما اختاره الناس”.
بالنسبة للعائلات القاطنة في المخيمات، كان اللجوء إلى تركيا طلباً للحماية خيارهم الوحيد، تقول رسمية حنان العبد الله وهي تحمل رضيعاً بين يديها: “نحن 16 شخصاً في الخيمة، كل شيء صعب بالنسبة لنا، من الصعب إيجاد أخشاب أو طعام”.. يعاني زوج رسمية الكفيف من المرض ويعمل أطفالها في بعض الأحيان في جمع البقايا البلاستيكية.
تقدمت عائلات بطلب للمساعدة في البحث عن أقاربهم المحتجزين في سجون الحكومة السورية، لدى جميع من في المخيم تقريباً فرد معتقل من قبل حكومة بشار الأسد.. يقول جرير سليمان، أحد كبار السن الموجودين في المخيم المطل على عفرين: “لولا الخوف لما جئنا إلى هنا” وأضاف من سبق له أن كان مالك أراض ثري، إن الحكومة السورية قطعت أشجار الزيتون التي يملكها بعد سيطرتها على قريته في ريف دمشق، وأكد أنه يستبعد العودة إلى منزله ما دام بشار الأسد موجوداً على رأس السلطة.. “لن نعود إلى قرانا حتى تضمن تركيا لنا الأمان، بلا الأتراك لا يمكننا النجاة”.
[ads3]