ألمانيا تحذر من سباق التسلح بالذكاء الاصطناعي

حذر وزير الخارجية الألماني هايكو ماس من أن سباق التسلح بالذكاء الاصطناعي قد بدأ بالفعل، قائلاً: “إننا حالياً في منتصف هذا السباق وإن هذه الحقيقة يتعين علينا التعامل معها”، في حديثه مع شبكة “DW” الإعلامية، في جزء من فيلم وثائقي يحمل اسم “حروب المستقبل – كيف منعها”.

وتسلط تلك التصريحات على حقيقة أن هذا التسلح بات في قلب الصراع والتنافس من أجل الزعامة بين القوى الأكبر في العالم، وهو ما يؤكد عليه أمانديب سينغ جيل، المدير السابق للفريق التابع للأمم المتحدة، المؤلف من خبراء حكوميين في مجال الأسلحة الفتاكة ذاتية التشغيل.

وأضاف: “هذا السباق سوف يشمل المجالات العسكرية والمدنية إذ إنها مسألة تقدر بتريليونات الدولارات”.

ويمكن إدراك أن هذه السباق قد بدأ بالفعل من تقرير حديث صدر عن لجنة الأمن القومي الأمريكية حول الذكاء الاصطناعي، فقد تحدث التقرير عن “نموذج عسكري جديد” ستكون فيه الخوارزميات في مواجهة الخوارزميات، داعياً إلى استثمارات ضخمة للمضي قدماً في “التفوق الابتكاري على الأعداء المحتملين”.

وليس الأمر مقصوراً على الولايات المتحدة، ففي الصين يمكن إدراك أن هذا السباق قد بدا من خطة الصين الخمسية حيث تم وضع الذكاء الاصطناعي في قلب جهود البحث والتطوير، فيما يستعد جيش التحرير الشعبي الصيني لما يصفه “بالحرب الذكية” المستقبلية.

أما الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فقد سبق هذا إذ تحدث في مطلع 2017، قائلاً إن “من يمكن القيادة في هذا المجال سيحكم العالم”، ولكن ليس فقط القوى الكبرى من دخلت هذا السباق، إذ أن هذا الواقع الجديد من التسليح قد تم اختباره في المعارك من قبل دول ليست في صفوف الدول الكبرى، ففي أواخر العام الماضي، وبينما يسعى العالم إلى محاربة وباء كورونا، بدأت التوترات في القوقاز والتي انزلقت إلى حرب، وبدت هذه الحرب تقليديةً، وبمثابة نزاعاً تكرر وقوعه في السباق، إذ أن أرمينيا وأذربيجان تتقاتلان من أجل السيطرة على منطقة “ناغورنو كاراباخ” المتنازع عليه، لكن بالنسبة لمن وضع نصب عينه على هذا الصراع، فإنه يمكن القول إن هذا مثل نقطة مفصلية، وفقاً لما ذكره أولريك فرانكا، الخبيرة في الطائرات العسكرية المسيرة في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية.

وتضيف: “أعتقد أن الجانب الأكثر أهمية في الصراع بمنطقة ناغورنو كاراباخ كان استخدام ما يعرف بالذخائر المتسكعة أو الجوالة والتي يطلق عليها طائرات كاميكازي المسيرة، وهي أنظمة ذاتية التشغيل”.

وتمتلك نماذج الذخائر المستكعة أو الجوالة شديدة التقدم، قدرة كبيرة على التشغيل بشكل مستقل، فعندما تحلق في السماء فهي تطير إلى المنطقة المستهدفة وتقوم بالتسكع والتجول بحثاً عن الهدف مثل الذئب الذي يبحث عن فريسته.

وعندما ترصد الهدف تقوم بالتحليق عليه وتدميره عبر الاصطدام به بالمتفجرات على متنها، ولهذا تم أطلق على هذا النوع من التسليح “طائرات كاميكازي المسيرة”.

وتقول فرانكا: “لقد اسُتخدم هذا النوع من التسليح من قبل بطريقة ما، لكن هنا فقد ظهرت كفاءة هذا التسليح، فقد ظهر مدى صعوبة مجابهة هذه الأنظمة”.

وقد كشف بحثاً لمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية عن أن أذربيجان كانت تمتلك كميةً كبيرةً من الذخائر المتسكعة أو الجوالة تقدر بأكثر من 200 وحدة ذات تصميم إسرائيلي.

وقالت فرانكا إنه “منذ هذا الصراع، يمكن رؤية تهافت في الرغبة في امتلاك الذخائر الجوالة. فقد شاهدنا الكثير من الجيوش حول العالم امتلكت بالفعل أو تسعى لامتلاح الذخائر الجوالة”.

ويمكن اعتبار هذا الأمر بمثابة البداية، إذ أن المستقبل يحمل دخول تقنيات الذكاء الاصطناعي، مثل أسراب الطائرات المسيرة، حيز التنفيذ لأغراض عسكرية، وما ينطوى عن ذلك من تمكين العديد من الطائرات المسيرة من التشغيل والعمل معاً كوحدات مقاتلة كاملة، “فعلى سبيل المثال، يمكن التغلب والالتفاف على أنظمة الدفاع الجوية”، وفقاً لما ذكره مارتين راسر من مركز الأمن الأمريكي الجديد، وهو مؤسسة فكرية مقرها في واشنطن.

وفي مقابلة مع شبكة “DW”، يوضح راسر: “يمكن إطلاق عدد هائل منها ما يتسبب في إرهاق نظام الدفاع الجوي، وهذا بالتأكيد ستكون له مزايا تكتيكية في ساحة المعركة”، ويضيف أن الأمر “ليس مفاجئاً أن تصبح الكثير من دول العالم مهتمة بامتلاك هذا النوع من التسليح”.

ومن شأن سرعة وحجم هذه الأسراب أن تفتح الباب أمام مواجهات عسكرية بشكل أسرع ومعقد بطريقة لا يمكن للبشر متابعتها، ما ينذر بتسارع سباق التسلح بالذكاء الاصطناعي، وهو ما توضحه فرانكا بشكل بسيط، قائلةً: “قد تضطر بعض هذه الأنظمة إلى اعتماد نوع ما من الاستقلالية على الأقل فيما يتعلق بالأمور الدفاعية بسبب ان البشر لا يمكنهم التعامل مع الهجمات ذاتية التشغيل بشكل سريع”.

وقد يؤدي عامل السرعة الحاسم إلى اندلاع حروب من دون أسباب حقيقة، إذ أن أنظمة التسليح ذاتية التشغيل قد تتفاعل مع بعضهما البعض بصورة تصعيدية، وفي ذلك، تقول فرانكا إن هذا يطلق عليه في الأدب العسكري “الحروب الخاطفة”، وهي “صراعات عسكرية وقعت بالصدفة لم يكن يُرغب في اندلاعها”.

وأخذت المحاضرة في كلية الحقوق بجامعة “هارفارد”، بوني دوكيرتي، على عاتقها منع مثل هذه الصراعات العسكرية، إذ أنها تقف وراء حملة أُطلق عليها اسم: “أوقفوا الروبوتات القاتلة”، في تحالف يضم العديد من المنظمات غير الحكومية التي تطالب بمعاهدة دولية لحظر الأسلحة الفتاكة ذاتية التشغيل.

وفي مقابلة مع شبكة “DW”، قالت إنه “يجب أن يكون هناك التزام كامل بالمعاهدة والتي ترمي إلى سيطرة البشر بشكل فعال على القوة العسكرية، وهذه المعاهدة يجب أن تتضمن السيطرة والتحكم في كافة أنظمة التسليح التي تعمل بشكل ذاتي والتي تختار الأهداف وتطلق عليها النار استناداً على أجهزة استشعار وليس عن طريق البشر”.

وتركز الحملة على عقد مباحثات في جنيف تحت مظلة الاتفاقية الأممية المتعلقة بأسلحة تقليدية معيّنة، وهي الاتفاقية التي ترمي إلى حظر الأسلحة التي تسبب معاناة لا مبرر لها، بيد أن الحملة تسير ببطء إذ أسفرت عن وضع مبادئ توجيهية تشمل خضوع الأسلحة ذاتية التشغيل لقوانين حقوق الإنسان وأن البشر يتحملون المسؤولية الكاملة إزاء استخدامها.

ويشكل هذا أساساً لإجراء المزيد من المناقشات، لكن دوكيرتي تخشى أن تأخذ عملية جنيف التي تقوم على الإجماع الدولي الكثير من الوقت، وقد يتم إحباطها من القوى غير متحمسة لإبرام الاتفاقية.

وتضيف دوكيرتي: “روسيا تعترض بشكل كبير على الأمر، ولكنها ليست الوحيدة فبعض الدول الأخرى التي تقوم بتطوير أنظمة التسليح ذاتية التشغيل مثل إسرائيل والولايات المتحدة وبريطانيا وغيرها، لا تدعم المعاهدة الجديدة”.

وتدعو دوكيرتي إلى تبني أسلوب جديد في حالة عدم إحراز أي تقدم خلال الجولة القادمة لمباحثات جنيف، المقرر أن تنطلق هذا العام، وفي ذلك، اقترحت “عملية مستقلة تسترشد بها الدول التي تأخذ هذا الأمر على محمل الجد ولديها الاستعداد لتطوير معايير قوية لتنظيم هذا النوع من التسليح”، بيد أن كثيرين أبدوا حذرا إزاء هذا النهج. ويعد وزير الخارجية الألمانية هايكو ماس من أكثر الأصوات المؤيدة لهذا الحظر، لكنه لا يدعم “حملة أوقفوا الروبوتات القاتلة”.

وفي مقابلة مع شبكة “DW”، يوضح ماس: “لا نرفضها من حيث الجوهر، لكننا نقول إننا نرغب في أن يشمل ذلك الآخرين.. لقد باتت القوى العسكرية من الناحية التقنية في موقف لا يتعلق فقط بتطوير الأسلحة ذاتية التشغيل وإنما باستخدامها”.

ويتفق ماس مع الحملة بأن توقيع معاهدة في هذا الصدد يجب أن يكون الهدف النهائي، مضيفاً: “كما فعلنا بشأن إدارة الأسلحة النووية على مدار العقود الماضية، يتعين علينا توقيع معاهدات دولية بشأن تقنيات الأسلحة الجديدة.. يجب توضيح أننا اتفقنا على أن بعض التطورات غير مقبولة ويجب حظرها على مستوى العالم”.

لكن ماذا يتعين فعله في الوقت الحالي؟، يبدو أن الأمر يفتقد الإجماع، فأفضل ما يمكن حدوثه في سياق أنظمة التسليح ذاتية التشغيل، بالنسبة لفرانكا، قد يكون إيجاد معايير بشأن كيفية استخدامها، وتضيف: “على سبيل المثال يمكن الاتفاق على استخدام هذه التكنولوجيا في السياق الدفاعي أو ضد الآلات وليس البشر أو استخدامها في سياقات محددة”، بيد أنها تؤكد في المقابل على أنه حتى هذا الأمر يمثل تحدياً، مضيفةً، بالقول: “الاتفاق على هذا وبعد ذلك تنفيذه سيكون أصعب مما تم التوصل إليه في الماضي من اتفاقيات للحد من التسليح”.

وفي الوقت الذي يسعى فيه الدبلوماسيون للتغلب على هذه الصعاب، تسير التكنولوجيا وتتطور دون توقف.

وفي ذلك، يقول وزير الخارجية الألماني: “يجب على العالم أن يظهر اهتماماً حقيقاً حيال أننا نسير نحو وضع يمكن لأي شخص فعل ما يحلو له عن طريق استخدم الأسلحة الألكترونية وذاتية التشغيل”.

ريشارد ولكر – دويتشه فيله[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها