دويتشه فيله : ماذا فعلت ” مستشارة المناخ ” من أجل المناخ ؟

في الثلاثين من تشرن الثاني من عام 2005، قدمت أنغيلا ميركل تقريرها الحكومي لأول مرة كمستشارة لألمانيا أمام البرلمان الألماني “بوندستاغ”، ومن بين القضايا الداخلية المهمة التي طرحتها كانت قضايا متعلقة بالعمل والسياسية الاجتماعية، وبالنسبة للخارجية منها تحدثت حول الأمن ومكافحة الإرهاب والجريمة في أوروبا.

وبالنسبة للحفاظ على البيئة ركزت في كلمتها تلك على استعمال التكنولوجيا ودور ألمانيا “كبطل عالم في التصدير”.

وكانت ميركل في فترة التسعينات من القرن الماضي وزيرة للبيئة وقبلها وزيرة للمرأة والشباب، وقرر حينها مستشار ألمانيا الأسبق هيلموت كول تعيينها في تلك المناصب في حكوماته، ففي عام 1994 قرر كول تعيينها بدلاً عن كلاوس توبفر في وزارة البيئة.

وبالنسبة لرالف بولمان، كاتب سيرة حياة ميركل في كتاب “أنغيلا ميركل.. المستشارة وزمنها”، لم يكن قرار كول خطوة إلى الخلف أبداً، و”بديلاً سيئاً لتوبفر”، بل “كانت هذه الصورة التي نقلها الإعلام حينها”، يقول بولمان في حوار مع شبكة “DW” الإعلامية، أي صورة “فتاة كول”، كما كان يتم وصفها آنذاك.

وفي نهاية عام 1995، استضافت ميركل أول مؤتمر للمناخ في برلين تعقده الأمم المتحدة في مقرر المؤتمرات “ICC”، حضره حينها بضع مئات من المتخصصين والمتابعين.

وبالنسبة لبولمان، الصحفي في صحيفة “فرانكفورتر ألغيماينه تسايتونغ”، كان المؤتمر نقطة تحول مفصلية في مسيرة ميركل، إذ قدمت نفسها كسياسية مهتمة بالمناخ، وبعد عامين فقط، ختم المؤتمر الثالث للمناخ في فترة وزارة ميركل، في كيوتو اليابانية أعماله بتوصيات ملزمة دوليًا لتخفيض انبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحراري، وهو بروتكول دخل حيز التنفيذ في عام 2005، ويعتبر حجر أساس في بداية حماية البيئة.

وفي تقريرها الحكومي عام 2005، لم يكن لقضية المناخ أثراً واضحاً، لكن بعد حين أطلق عليها “مستشارة المناخ”، ففي عام 2007 تولت ألمانيا رئاسة الاتحاد الأوروبي ولسنة كاملة رئاسة قمة الثمانية الكبار، واستغلتها ألمانيا لدعم قضايا تخفيض انبعاث الغازات، وفي شهر آب من نفس العام، سافرت ميركل مع وزير البيئة آنذاك زيغمار غابريل إلى القارة القطيبة الجنوبية للاطلاع على التغيرات المناخية على الأرض.

بعد أيام من هذه الزيارة اتجهت ميركل إلى مدينة كيوتو اليابانية بعد 10 أعوام من انعقاد المؤتمر الأول فيها، محذرةً المجتمع الدولي من التغيرات المناخية القادمة، قائلةً: “إذا لم نفعل ذلك، علينا توقع تغيرات مناخية كبيرة”.

وبعد فترة، تحدثت المستشارة أمام الأمم المتحدة في نيويورك، محذرةً من التغيرات المناخية، وقالت: “هذه مهمة عالمية تهمنا جميعاً”، ومنذ آب من عام 2007، تصف وسائل الإعلام ميركل بـ “مستشارة المناخ”.

وكان للأزمة المالية العالمية رأي آخر وأولويات مختلفة، والدول العظمى بالذات لا تريد أن تسمع أكثر حول قضية حماية المناخ، منذ مؤتمر المناخ العالمي الذي عقد في كوبنهاغن عام 2009، حيث وضحت الخلافات العميقة بين الولايات المتحدة بقيادة باراك أوباما والصين، “حينها ساءت الشروط بشكل كبير”، يقول بولمان، ويضيف: “كانت الأولية بالنسبة لكثير من الدول تتعلق بالنمو الاقتصادي بأي ثمن”، وعلى المستوى الدولي لم يحدث أي شيء لمدة طويلة.

وعلى المستوى الألماني الداخلي “لم تكن الأمور على ما يرام أيضاً”، يقول بولمان، ويضيف: “لم تقم المستشارة بأي خطوة، يمكن أن تسيء إلى سلطتها أو تحدث صدمة على المستوى الاقتصادي”.

وعلى مستوى النقاشات حول انبعاث الغازات في الاتحاد الأوروبي دافعت ميركل بشكل مستمر عن التقنية النووية، “حتى إن كانت منزعجة من عدم استعداد رؤساء شركات صناعة السيارات الألمانية لعمل أي تغيير”.

ومع نهاية حقبة ميركل، تتعرض المستشارة وحزبها الاتحاد المسيحي الديمقراطي إلى ضغوط كبيرة بسبب سياسة المناخ، إذ أن هناك خيبة أمل كبيرة من خطة التخلص من الطاقة النووية منذ عام 2011 بعد كارثة فوكوشيما في اليابان، وليس هناك نقداً أوضح من القرار الذي اتخذته المحكمة الدستورية العليا في نيسان الماضي، الذي قررت فيه أن قانون حماية المناخ الذي أقر قبل عامين، لا يتلاءم مع القانون الأساسي (الدستور الألماني) مطالبة الحكومة بتعديله، والمحكمة بينت أن قرارها يعود إلى أن مخاطر تغير المناخ تأتي على حساب جيل الشباب ما بعد عام 2030.

والقانون صدر عام 2019 في العام الذي بدأت فيه تظاهرات واسعة مطالبة بحماية المناخ تخرج إلى الشارع وخصوصاً أمام مقر المستشارية في برلين.

وكثير من المتخصصين ينتقدون ألمانيا بسبب عدم فعها المزيد تجاه انبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحراري، وأنها لا تستثمر بشكل أفضل في مصادر طاقة بديلة مستدامة، مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية، وأنها قد حددت موعداً متأخراً جداً لوقف استعمال الفحم في إنتاج الطاقة الكهربائية حتى عام 2038، وبعكس كثير من البلدان لا يوجد في ألمانيا تحديد للسرعة على الطرق السريعة خارج المدن، بسبب رفض الاتحاد المسيحي الديمقراطي لمثل هذه الخطوة، وكذلك تستثمر الدولة في تعمير الطرق السريعة أكثر من توسيع ودعم البنية التحية لوسائل النقل العام.

وفي بداية هذا العام، قدمت مديرة منظمة “غرين بيس”، في برلين، جنيفير مورغان، حصيلةً سيئةً للمستشارة، “بعد 16 عاماً من المنصب، لم تدعم ألمانيا حماية البيئة بشكل حقيقي ولا دعمت العدالة في التعامل مع البيئة التي يحتاجه الكوكب”، بحسب مديرة المنظمة التي تدافع عن البيئة، وفي مفارقة غريبة، إذ لم تكن منظمة “غرين بيس” (السلام الأخضر) قريبة إلى هذا الحد مع المحكمة الدستورية العليا من حيث الغرض في حماية البيئة.

خطابها ميركل الأخير أمام البرلمان كمستشارة في 24 حزيران الماضي، وربما الأخير في منصبها، هيمن عليه بكل تأكيد موضوع مكافحة فيروس كورونا، لكنها، ويا للمفارقة، ركزت كثيراً في 19 دقيقة أخيرة منه على البيئة والتغير المناخي، إذ تحدثت أنه فقط بواسطة “اقتصاد أخضر” يمكن لأوروبا “أن تضمن مستقبلاً وقدرةً على المنافسة”.

كريستوف شتراك – دويتشه فيله[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها