الأسد يلعب بالنار مع بوتين بإرساله موفداً إلى واشنطن
ماذا يجري بين نظام بشار الأسد وحليفته روسيا حتى تبدي موسكو تبرمها من سلوك الرئيس السوري وسياساته، سواء حيال الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تُغرق بلاد الشام في صعوبات حياتية ومعيشية شبيهة بتلك التي يعاني منها لبنان بفعل فقدان السلع والمواد الحيوية مثل المحروقات والكهرباء وكثير من المواد الغذائية؟
فالأمر بلغ حد تناول الأسد شخصياً في بعض الكتابات غير المعزولة عن الأجواء التي تسود بعض دوائر القرار الروسي.
موسكو لا تكتفي بتسريب اعتراضها على اندفاع النظام السوري نحو الحسم العسكري ضد المناطق المعارضة له في جنوب سوريا، وتحديداً في محافظة درعا، عبر بعض القريبين من الدبلوماسية ووزارة الدفاع الروسيتين، بل هي تتهم النظام بالسعي للانقلاب على تفاهمات أستانا بين روسيا وتركيا وإيران، وعلى مساعي الحل السياسي وفق القرار الدولي 2254، لكنها ضمناً تخشى من استفادة الأسد من تنامي التغلغل الإيراني في الجنوب السوري، من أجل السيطرة على تلك المنطقة الحساسة بدعم من طهران.
وهي منطقة حساسة نظراً إلى أنها على الحدود مع الأردن، ومتاخمة لمحافظة القنيطرة الحدودية مع الجولان السوري المحتل من جانب إسرائيل، ومحافظة السويداء التي تشهد حراكاً في صفوف الطائفة الدرزية ضد النظام واستخباراته فيها في ظل عجزه عن تأمين أبسط مقومات العيش، لا سيما الطحين والمحروقات.
وتشهد القنيطرة منذ سنتين تكثيفاً لعمليات القصف الجوي والصاروخي والمدفعي لمواقع يوجد فيها “الحرس الثوري” الإيراني وميليشيات تابعة له و”حزب الله”، حيث تسعى طهران بالتعاون مع الفرقة الرابعة في الجيش السوري بقيادة ماهر حافظ الأسد، إلى تعزيز وجودها وتمركز الميليشيات التابعة لها قرب الحدود لبناء بنية تحتية عسكرية تمكنها من توجيه عمليات ضد القوات الإسرائيلية في إطار تمددها الإقليمي وامتلاك الأوراق العسكرية والسياسية تجاه الولايات المتحدة الأميركية. وآخر عمليات القصف الإسرائيلي كان ليل الثلاثاء 17 أغسطس (آب) لموقع عسكري سوري والميليشيات الإيرانية في ريف القنيطرة الشمالي، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان.
الشاعر: الأسد أرسل مبعوثاً إلى واشنطن
إلا أن التطور البارز في التبرم الروسي من مواقف الأسد هو ما أعلن عنه المستشار الدبلوماسي لوزارتي الخارجية والدفاع الروسيتين رامي الشاعر، في 13 أغسطس (آب)، في حديث لموقع تلفزيون “سوريا” القريب من المعارضة السورية، عن أن “رئيس النظام بشار الأسد أرسل مبعوثاً إلى واشنطن، وأبلغ الإدارة الأميركية باستعداده للعمل والتنسيق الكامل مع الولايات المتحدة الأميركية في شأن جميع القضايا التي تخصها في الشرق الأوسط، مقابل دعم بقاء النظام السوري على ما هو عليه”.
ورأى الشاعر أن “هذه الصفقة التي يعرضها النظام على واشنطن ستكون بمثابة قبلة الحياة مقابل تقديم 99 في المئة من أوراق اللعب لأميركا، ومنحها القدرة على التحكم في الملف السوري بعيداً عن أي دور لروسيا أو لمجموعة دول مسار أستانا أو لأي من الجهود التي بذلت وما زالت تبذل من أجل حل الأزمة السورية من قبل هذه الدول”.
والشاعر الحائز على الجنسية الروسية منذ زمن، وسبق أن عمل في الخارجية الروسية وكان مستشاراً في الكرملين أيضاً قبل سنوات، يتولى التعبير في كثير من الأحيان عن مواقف موسكو في كتابات في الصحافة الروسية وبعض وسائل الإعلام العربية. وغالباً ما تكون المعطيات التي تتضمنها كتاباته منسقة مع دوائر القرار الروسية. وهو سبق أن لعب دور صلة الوصل بين النظام وموسكو وفي التمهيدات للتدخل العسكري الروسي في سوريا في آخر سبتمبر (أيلول) 2015 الذي أنقذ النظام السوري من السقوط، حين اقتربت قوات المعارضة السورية من محاصرة العاصمة ودخولها بعض أحيائها.
الأميركيون أبلغوا الروس
وعلمت “اندبندنت عربية” من شخصيات زارت العاصمة الروسية قبل أسبوع واطلعت على بعض المعلومات في شأن ما كشفه الشاعر، أن الجانب الأميركي أبلغ الجانب الروسي بإرسال الأسد مبعوث إلى واشنطن. وأوضحت هذه الشخصيات أن واشنطن أطلعت موسكو على هذا التطور في الإطار الدبلوماسي للقاءات التي تعقدها اللجنة الروسية – الأميركي المشتركة حول الشرق الأوسط التي كان الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والأميركي جو بايدن اتفقا على تشكيلها في اجتماعهما في جنيف في 16 يونيو (حزيران) الماضي، في إطار تشكيل لجان عدة متخصصة للحوار بين الدولتين العظميين منها ما يتعلق بالأسلحة الاستراتيجية، وكوريا الشمالية وإيران والحرب السيبرانية والشرق الأوسط. وهي لجان تجتمع على مستوى الخبراء. وتنقل هذه الشخصيات عن دبلوماسيين روس قولهم، إن اللجنة المتعلقة بالشرق الأوسط تحرز تقدماً في التقارب الروسي – الأميركي أكثر من غيرها من اللجان.
وذكرت معلومات المتصلين بدبلوماسيين روس نقلاً عما تبلغوه من الإدارة الأميركية أن مبعوث الأسد إلى واشنطن، الذي لم تذكر موسكو هويته تناول أيضاً الوضع في جنوب سوريا من زاوية استعداد النظام لخوض مواجهة مع المعارضين في منطقة درعا تمهيداً للسيطرة على المنطقة لضمان الأمن فيها، في إيحاء بأن سيطرة قواته عليها يضمن أمن الجبهة مع إسرائيل. إلا أن هذه المعلومات لم توضح إذا ما كانت رسالة الأسد تناولت الوجود الإيراني في المنطقة الجنوبية، التي تعتبر إسرائيل أنه يشكل تهديداً لأمنها تبرر به مواصلتها قصف المواقع التي يوجد فيها.
وتبذل موسكو عبر قيادتها العسكرية في سوريا وفي صلاتها مع مجموعات المعارضة في محافظة درعا التي قاطع أهاليها الانتخابات الرئاسية التي جدد عبرها الأسد لنفسه ولاية خامسة، ضغوطاً على نظام الأسد للحيلولة دون استخدامه الحسم العسكري مع هذه المجموعات بدعم من الميليشيات الموالية لإيران، لا سيما في منطقة درعا البلد المحاصرة من جانب قوات النظام منذ أكثر من شهرين حيث تشهد اشتباكات متقطعة تأخذ طابعاً عنيفاً أحياناً جراء قصف الجيش النظامي البلدة وسعيه لفرض شروط تسليم مجموعات المعارضين السلاح الخفيف وتهجيرهم إما إلى إدلب أو إلى الشمال السوري حيث السيطرة للقوات التركية. وقامت القوات الروسية بوساطات عدة بين المعارضين والنظام لم تتوصل إلى نتائج. كما أن الصحافة الروسية تضمنت كتابات بأن موسكو لن تسمح بتجديد الحرب في سوريا انطلاقاً من هجوم النظام على درعا.
الإدارة الأميركية لن تنجر
وقال الشاعر في مقابلته مع موقع تلفزيون “سوريا” إن “النظام يدرك أن التصعيد والتوتر العسكري في الجنوب السوري وبالقرب من الحدود الإسرائيلية يمكن أن يشعل حرباً كبيرة، سيكون ثمنها باهظاً، وتداعياتها مربكة، لهذا يعرض النظام على واشنطن وإسرائيل لعب الدور الرئيس للتحكم في هذه المنطقة، بإفشال كل الجهود الأخرى بما في ذلك الجهود الروسية وجهود مجموعة أستانا”.
ورأى الشاعر أن “الإدارة الأميركية لن تنجر إلى مغامرة عبثية كهذه، فهي تدرك منذ بداية الأزمة السورية أن أساس المشكلة السورية موضوعي، يتمثل في رفض عامة الشعب السوري للنظام الحالي، وتعي كل محاولات التلاعب، التي يلجأ إليها النظام، وبدأت واشنطن اليوم في إجراء لقاءات على مستوى المختصين في موسكو بهدف إيجاد أفضل السبل للتعاون في تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2254، وتختلف هذه الإدارة عن سابقتها التي كانت تهدف إلى إغراق روسيا في المستنقع السوري”.
التقاطع حول أمن إسرائيل والوجود الإيراني
وإذ عبر الشاعر بذلك عن تقارب روسي – أميركي أولي حيال الوضع السوري، على الرغم من انتقاد موسكو للمقاربة الأميركية لأوضاع بلاد الشام، فإن من أسس هذا التقارب تقاطع الموقف حيال الوجود الإيراني في جنوب سوريا. وإذا كانت واشنطن تؤيد القصف الإسرائيلي المتواصل لهذا الوجود في سوريا، فإن موسكو الموجودة على الأرض السورية تبيح لإسرائيل “ضمان أمنها” لكنها تشترط منذ سنوات على الدولة العبرية إبلاغها بعمليات القصف التي تقوم بها، وعدم التعرض لمواقع الجيش السوري، أو للمواقع القريبة من نقاط تمركزه. ويلفت المطلعون على الموقف الروسي في هذا الشأن إلى زيارة قام بها المستشار الجديد للأمن القومي الإسرائيلي إيال حولاتا قبل أسبوع تم فيها تجديد آلية التنسيق حول العمليات العسكرية الإسرائيلية في سوريا، مع التأكيد على تجنب تل أبيب قصف مواقع للجيش السوري يوجد قربها الجيش الروسي.
لعب بالنار مع بوتين
لكن التقارب الأميركي – الروسي لم يصل إلى مرحلة تصاعد الخلاف بين موسكو وإيران، إذ إن الأولى ما زالت تستند في انتقاداتها للأسد إلى قرارات مجموعة أستانا التي تشكل طهران الضلع الثالث فيها، على الرغم من إدراكها أن الأسد برفضه الحل السياسي الذي تتهمه بتقويضه يتمتع بتأييد طهران. وردد العارفون بالموقف الروسي منذ أشهر أنه من غير المنطقي بروز خلاف بين موسكو وطهران في ظل غياب تفاهم أميركي روسي.
لكن، في موازاة ذلك، اعتبر السياسيون الذين يترددون على العاصمة الروسية أن تسريبها نبأ إيفاد الأسد مبعوثاً إلى واشنطن من أجل مقايضتها بقاء النظام بتأمين مصالحها وضمان الأمن على الحدود مع إسرائيل “لعب بالنار” من قبل الرئيس السوري مع الرئيس بوتين. وهذا رفع منسوب السلبية تجاه الأسد في أروقة الدبلوماسية الروسية إلى درجة أن الشاعر عاد فشن هجوماً غير مسبوق على الأسد في مقال نشرته جريدة “النهار” اللبنانية الأربعاء 18 أغسطس، تحت عنوان “سوريا لن تواجه مصير أفغانستان”، تناول فيه المقارنة بين السياسة الأميركية في أفغانستان والسياسة الروسية في سوريا، وتحدث “عن وهم أن “99 في المئة من أوراق اللعبة في يد الولايات المتحدة الأميركية”.
تهكم على الأسد والدعوة لتغيير النظام والرئيس
اللافت في مقال “النهار” تشكيكه في شرعية انتخاب الأسد في مايو (أيار) الماضي، إذ كتب “لا يوجد أي بديل عن الانتقال السلمي بحسبما نص عليه قرار مجلس الأمن الرقم 2254، والتأكيد على تعديل الدستور، وتغيير النظام والرئيس، والاتفاق على نظام جديد وانتخاب رئيس على نحو ديمقراطي يحظى بتأييد غالبية السوريين عن طريق انتخابات حرة ديمقراطية، تحت إشراف هيئة الأمم المتحدة. وتلك هي قناعة غالبية السوريين، وهم حريصون، على الرغم من الصعوبات التي يعانونها من تعنت القيادة الحالية، على ألا ينجروا إلى حرب أهلية، وروسيا ومجموعة أستانا أيضاً لن تسمحا بذلك”. وتهكم الشاعر على رقم “الـ15 مليون ناخب الذي أعلنته اللجنة المشرفة على الانتخابات الرئاسية الأخيرة.
والأكثر دلالة تهكمه على الأسد شخصياً، فاستعاد خطاباً ألقاه الأخير العام الماضي تحدث فيه عن “مجتمع أكثر صحة وأكثر تجانساً”. واعتبر الشاعر أن هذا “لا يجسد سوى انفصال مرضي عن الواقع والأوساط الاجتماعية للمجتمع السوري”. ورأى الشاعر أن الأسد “بدا في خطاب القسم بالذات، وكأنه لم يبرح المدرسة، لكنه الآن يحاضر فيها كأستاذ، ليلقن طلبته كيف يمكنهم الحياة، وما الذي يجب عليهم فعله من أجل الحفاظ على ذلك المجتمع المتجانس”.
وحاولت “اندبندنت عربية” التواصل مع وزارة الخارجية السورية، للتعليق على ما ورد في هذا التقرير، لكن من دون رد.
وليد شقير – صحيفة إندبندنت البريطانية (النسخة العربية)
[ads3]