ملف اللاجئين القادمين من هذه الدولة يلقي بثقله على ألمانيا و أوروبا

في أول مؤتمر صحفي عقدته المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، عقب استيلاء حركة “طالبان” على العاصمة الأفغانية كابول، كان القلق من موجة جديدة من اللاجئين بادياً بوضوح على تصريحاتها، خاصةً حين شددت أنه “لا يجب تكرار الأخطاء الماضية” في إشارة إلى موجة اللاجئين في عام 2015.

والصحافة الألمانية سارعت بدورها إلى تبني ذلك في تعليقات عدد كبير من كتابها، وآخرها كان تعليق صادر عن الكاتب أندرياس كلوت، رئيس تحرير صحيفة “هاندلس بلات غلوبال” الاقتصادية، في تقرير لوكالة “بلومبرغ” للأنباء، مشدداً فيه على “ضرورة عدم تكرار” سيناريو عام 2015، حين وصل عدد كبير من الأشخاص إلى الاتحاد الأوروبي عبر البحر المتوسط أو برّاً عبر جنوب شرق أوروبا.

ويضيف كلوت أن هناك إحجاماً من جانب السياسيين في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي، وهم يشاهدون الكارثة الإنسانية التي تتكشف في أفغانستان وتنذر بتجدد الهجرة الجماعية.

ومن بين هؤلاء السياسيين الأوروبيين، وفقاً لكلوت، مرشحون لمنصب المستشارية في ألمانيا في انتخابات عامة مقرّرة في 26 أيلول القادم، عطفاً عن قادة آخرين، مثل المستشار النمساوي سيباستيان كورتس، الذي استبعد بالفعل قبول أي لاجئين من أفغانستان، أو الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي يطالب بـ “استجابة قوية” تجاه أي تدفق جديد للمهاجرين، وذلك إلى جانب زعيمي ليتوانيا وبولندا، اللذان يبنيان الآن سياجاً فعلياً على حدودهما مع بيلاروس لإبعاد اللاجئين.

ويضاف إلى كل ذلك، ما يقوم به الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو، المتهم بتزوير انتخابات العام الماضي وهو الآن هدف لعقوبات الاتحاد الأوروبي، يقول المحلل الاقتصادي والكاتب أندرياس كلوت، فردّاً على ذلك، يستخدم لوكاشينكو اللاجئين كـ “ورقة ضغط”، حيث يستقدم المهاجرين على متن الطائرات من العراق، ومن بينهم أفغان، ثم يدفعهم باتجاه حدود الاتحاد الأوروبي.

ويقول كلوت إن استخدام لوكاشينكو للبشر كأوراق ضغط سياسية هو أمر يثير السخرية، ولكنه ليس فريداً بأي حال من الأحوال، واستشهد بسابقة على ذلك، قائلاً إنه على الرغم من إبرام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان اتفاقاً مع الاتحاد الأوروبي في عام 2016 يلزمه بمنع اللاجئين من العبور إلى اليونان، فإنه يهدد بإجبار اللاجئين على دخول الاتحاد الأوروبي كلما دخل في إشكالية مع بروكسل أو برلين أو باريس أو أثينا.

وما أدركه لوكاشينكو وأردوغان وأمثالهما، هو أن ملف الهجرة “مغلف بالديناميت الإنساني والجيوسياسي”، وبالتالي يمكن استخدامه كـ “سلاح” ضد الاتحاد الأوروبي، حيث يمكنهم تفجيره بشكل أكثر تدميراً من أي قنبلة، يقول كلوت.

ويضيف: “يدرك الحكام المستبدون أنهم قادرون على فضح الاتحاد الأوروبي، الذي يقول إنه يهتم بالبشر، وذلك من خلال تصويره على أنه ضعيف أو منافق أو كليهما”.

وهذا هو إرث عام 2015، حين فرّ حوالي مليون رجل وامرأة وطفل، معظمهم من السوريين، إلى جانب الأفغان وغيرهم، إلى أوروبا في غضون عام.

ومن آثار ذلك، تنامي الحركات الشعبوية داخل أوروبا، وإحداث شرخ قوي داخل التكتل الأوروبي العاجز إلى غاية اللحظة على تطوير سياسة هجرة موحدة عادلة لجميع الأطراف، ويذهب كلوت إلى حدّ القول بأنّ “الفشل في السيطرة على الهجرة قد أسقط إمبراطوريات من قبل”، فالاتحاد الأوروبي، مثله مثل “روما القديمة، لا يستطيع أن يفعل شيئاً يذكر للسيطرة عليها، ومع ذلك يتعين عليه أن يجتاز اختباراته مراراً، وهي اختبارات قد تفشل فيها أوروبا في نهاية المطاف”.

وخلافاً للولايات المتحدة، فإن الاتحاد الأوروبي غير قادر أو راغب في نشر القوة عندما يتعرض للتهديد، وبالتالي فهو محكوم عليه إما بأن يحذو حذو الولايات المتحدة أو أن يحاول كسب ودِّ الحكومات في إفريقيا والشرق الأوسط على أمل أن تبقي شعوبها في الداخل.

ووسط هذه المخاوف، طلبت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين من الحكومة الألمانية تخفيف إجراءات لمّ شمل الأسرة بالنسبة للاجئين، في ظل الوضع المأساوي في أفغانستان، وجاء ذلك على لسان ممثلة المفوضية في ألمانيا، كاتارينا لومب، في حوار لصحيفة “أوغسبورغر ألغيماينه” الألمانية، في عددها الذي سيصطر يوم الاثنين.

وتابعت لومب أنه إذا اضطر المرء للانتظار لمدة أطول من عام، فقط من أجل الحصول على موعد لدى السفارة الألمانية من أجل لمّ شمل الأسرة، فإن ذلك يعد دليلاً على إساءة فهم حقيقة الحياة الخاصة باللاجئين، وأضافت لومب أن هناك حركات لجوء وأزمة إنسانية حالياً داخل أفغانستان بصفة خاصة، موضحةً أن أكثر من نصف مليون شخص اضطروا للهروب داخل البلاد خلال هذا العام فقط.

وفي ذات السياق، تعهد وزير الخارجية الألماني هايكو ماس بتقديم مساعدات للدول المجاورة لأفغانستان، لمواجهة ما أسماها التداعيات الإنسانية والاقتصادية، بعد استيلاء “طالبان” على السلطة في أفغانستان.

وفي تصريحات سابقة لميركل وماس، تطرق الاثنان للدور الذي يمكن لدول الجوار لعبه في أزمة لجوء قادمة لا محال.

ويبدأ ماس جولته هذه، الأحد، وستكون تركيا محطتها الأولى، بهدف التباحث بشأن تشغيل مطار كابول واستقبال اللاجئين، وبعد ذلك، سيزور كل من أوزبكستان وباكستان وطاجيكستان، بالإضافة إلى قطر.

وتأتي جولة ماس بعد أيام قليلة من انتهاء عملية الإجلاء التي قام بها الجيش الألماني من أفغانستان، والتي نقل خلالها سلاح الجو الألماني 5347 شخصاً، ممّا لا يقل عن 45 دولة من كابول، في ظل ظروف بالغة الخطورة.

وكان ماس قد أكد، الخميس الماضي، أن “الإجلاء العسكري انتهى الآن، لكن عملنا مستمر وسيستمر حتى يصبح كل من لدينا مسؤولية تجاهه في أفغانستان بأمان”. (REUTERS – AFP – DPA – DW)[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها