موائد ” تافل ” في ألمانيا تطعم الفقراء و اللاجئين ( صور )

مع التباشير الأولى للصباح اصطفت عربات التسوق وراء بعضها البعض أمام حرم كنيسة القديس “فيلهلم” في ضاحية “شبانداو” في العاصمة الألمانية برلين. أخذ البعض مكانه في قاعة الانتظار، بينما يسلي البعض الآخر نفسه خلال فترة الانتظار، التي قد تمتد لثلاث ساعات أو أكثر، بالبحث عمّا يناسبه من ملابس مستعملة وأدوات منزلية معروضة بشكل مرتب في صدر القاعة.

تقوم إحدى المتطوعات في الكنيسة بتسجيل القادمين الجدد ومنحهم بطاقات. وفي البهو الخلفي تصطف صناديق الخضار والفواكه وغيرها من المواد الغذائية، ويقوم متطوعون بتجهيزها وفرز الغث من السمين. يستفيد أسبوعيا أكثر من 300 عائلة من المواد الغذائية الموزعة هنا، ثلثهم من اللاجئين الجدد. وذكر لنا شاب عراقي في العشرين من عمره: “بعد وصولي إلى برلين قبل أسبوعين جئت إلى هنا.” بينما قالت كريستينا كلار، منسقة بمركز توزيع: “نعامل اللاجئ تماماً كما نعامل الألماني.”

في العام 1993 أسست سابينه فيرت (58 عاماً) “مائدة برلين” لتكون أول مائدة “تافل” في ألمانيا. “نوزع حوالي 660 طنا شهرياً على 55 مركز توزيع موجودة في كنائس كاثوليكية وبروتستانتية، ونساعد أكثر من 300 مركز رعاية اجتماعي. وبذلك يبلغ عدد المستفيدين من خدماتنا في برلين 125 ألفا شهرياً”، تقول فيرت في تصريح خاص لإذاعة صوت ألمانيا.

احتذت باقي المدن الألمانية بها وبنموذجها في العمل وبدأت الوتيرة المتسارعة لتأسيس موائد أخرى. وجرى تأسيس جمعية “اتحاد الموائد الألمانية”. وـفي تصريح خاص بــDW عربية يقول يواخن برول، الذي يعمل بشكل تطوعي كرئيس لتلك الجمعية: “ينشط متطوعونا الـ 60 ألفا في حوالي 923 مائدة، وتساعد هذه الموائد ما يقارب مليونا ونصف مليون محتاج في العام.”

تقوم الموائد بجمع الفائض عن الاستخدام والحاجة من المواد الغذائية من محلات السوبر ماركت والمخابز ومحلات اللحوم والأسماك وغيرها، ومن ثم تقوم بفرزه وتوزيعه في مراكز التوزيع الثلاثة آلاف المنتشرة في أنحاء ألمانيا. “نحن جسر بين الفائض من جهة والمحتاجين من جهة أخرى. من حيث الجودة لا تشوب المواد الغذائية أي شائبة”، يؤكد برول.

لكن تلك المواد الغذائية خرجت من الدورة الاقتصادية لأسباب عدة: زيادة كبيرة في الإنتاج، دخول منتج جديد السوق، قرب انتهاء صلاحيتها، تغليف خاطئ، منتجات موسمية في آخر الموسم. وتشمل المواد الغذائية الخضار والفواكه، الخبز والمعجنات، الحليب والمشروبات والماء، اللحوم، الحلويات، المعلبات، و”الشوكولاتة وحتى الورود”، كما يقول اللاجئ السوري ع.ص.

وبذلك توفر الشركات على نفسها أجور التخزين والإتلاف، ويتلقى المحتاجون هذه المواد مجاناً أو لقاء مبلغ رمزي يبلغ يورو واحد فقط أو اثنين. وإلى جانب توزيع المواد الغذائية، توزع بعض الموائد الألبسة المستعملة وألعاب الأطفال المستعملة، ولوازم دراسة الأطفال، وكذلك مساعدات مالية للرحلات المدرسية، ووجبات طعام في المدارس، وتنظم احتفالات أعياد الميلاد المجيد. كما يقوم قسم من الموائد بالطبخ وتقديم الوجبات الساخنة للمحتاجين.

يستفيد من الموائد المشردون، والعاطلون عن العمل، وذوي الدخل المحدود، والمتقاعدون، والعائلات ذات العدد الكبير من الأطفال، والطلاب أيضاً. وفي الآونة الأخيرة دخل اللاجئون، وبزخم كبير، على قوائم المستفيدين من الموائد. وعلى منوال موائد البشر، تأسس في العام 2006 موائد للحيوانات وفق نفس نموذج عمل موائد البشر تقريباً.

منذ تزايد أعداد اللاجئين بشكل كبير منذ أكثر من عام، توجه الكثير منهم إلى الموائد ويقول يواخن برول: “في الآونة الأخيرة يستفيد ما يقرب من 120 ألف لاجئ من خدماتنا.” ويتم مراعاة خصوصية اللاجئين: “نحرص على أن نوزع على المحتاجين ما يرغبون بأكله. بعض سكان أسيا مثلاً لا يرغبون بمنتجات الحليب والمسلمون لا يأكلون الخنزير”، تقول فيرت.”

“رسموا صورة خنزير لتنبه المسلمين على احتواء بعض الأطعمة على لحمها أو شحومها. تعرفت هنا على أنواع خضار وفواكه أشاهدها لأول مرة بحياتي”، يفيدنا الشاب السوري ع.ص. بينما اشتكى سوري آخر هو م. ح، اللاجئ في مدينة باد زيغبيرغ في شمال ألمانيا، من “عنصرية” رجال الأمن في مركز المائدة في مدينتهم. لكن اللاجئ السوري أشار إلى أن المتطوعين “محترمون في التعامل”، وأضاف: “لا يسمح لنا بالدخول إلا بعد الألمان وبالتالي لا يبقى لنا إلا الفتات.

تحدثت تقارير إعلامية عن عزوف متطوعين بالموائد عن العمل؛ نظراً “لقلة الاحترام من قبل المتلقين وعداءهم للمتطوعين. وأشارت فيرت بدورها إلى وجود “موجة معاداة للأجانب ناتجة عن اعتقاد بعض المحتاجين الألمان أن اللاجئين يسلبونهم ما لهم من المساعدات الغذائية.” وتشرح السيدة، التي أسست أول مائدة في ألمانيا، الوضع بشكل أكثر دقة فتمضي قائلة: “نعاني من ثلاث مشاكل في مراكز التوزيع: أولاً: عدم كفاية المواد الغذائية للجميع. ثانياً: مشكلة اللغة والترجمة. ثالثاً: الاندفاع الأناني للفوز بالمواد الغذائية، وهذا ينطبق على الألمان وغير الألمان.”

وإضافة إلى تقديم الطعام تقوم بعض الموائد بمبادرات ومشاريع خاصة باللاجئين: “بعضها تقيم دورات تعليم لغة ألمانية، وحملات لجمع التبرعات، وحملات لتأمين دراجات هوائية للاجئين. وبعض الموائد تشرك اللاجئين بعملها، وبذلك تكسب هي متطوعين جددً، وتعطي اللاجئين فرصة ليصبحوا جزء من المجتمع”، على حسب ما أفادنا به برول.

وتوجه بعض الأوساط انتقادات مباشرة للسياسات الحكومية بأن الموائد “تخفف الفقر ولا تعالجه بشكل جذري.” وأفرز التدفق الكبير للاجئين جدلاً حول الخطط والسياسيات الحكومية بهذا الصدد. ويشتكي القائمون على الموائد من عدم إشراكهم وسماع صوتهم فيما يخص اللاجئين. ويطلب يواخن برول من الحكومة أن تكون “بعيدة النظر” وذلك بدعم المجتمع المدني ومساعدته ليستطيع تقديم المساعدة. “إشراك الجميع والدعم الحكومي هما مفتاح الحل”، يختم برول حديثه معنا. (إذاعة صوت ألمانيا)

[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها