ألمانيا : ما مدى مصداقية استطلاعات الرأي قبل الانتخابات ؟

“استطلاعات الرأي لم تصبح أقل دقة، وإنما أكثر تفصيلاً وتعقيداً”، يقول توماس فيند، مؤسس ومدير معهد “التواصل مع الجمهور”، والباحث المختص باستطلاعات الرأي لديه “مشكلة أكثر في كيفية التعامل حالياً مع استطلاعات الرأي”، ويضيف: “يوميًا هناك رقم جديد أو استطلاع جديد يتم نشر نتائجه.. هكذا يتم توليد حالة فراغ”، أي تفريغ استطلاعات الرأي من مضمونها.

والناشر والباحث في العلوم السياسية والمدرس في جامعة هوهينهايم، والذي أجرى عدة دراسات حول استطلاعات الرأي، فرانك بريتشنايدر، يؤكد أيضاً هذا الاتجاه، فمنذ عام 1980 إلى اليوم فقد تضاعف عدد الاستطلاعات وأيضاً التغطية الإعلامية لها 14 ضعفا.

ونتيجةً لذلك، فقد قلّ عدد الناس الراغبين في المشاركة في الاستطلاعات والتعبير عن رأيهم.

وبحسب دراسة بعنوان “أخطاء استطلاعات الرأي من حيث الزمان والمكان”، فقد كانت نسبة من يشاركون في الاستطلاعات قبل عشرين عاماً 30%، أما اليوم فالنسبة أقل من عشرة بالمئة.

وهذه الدراسة التي تم تحديثها في حزيران 2020، وذلك بفحص 351 انتخاباً في 45 بلدا، وبمشاركة أكثر من 30 ألف شخص، خلال الفترة من عام 1942 وحتى 2017.

ومعدا الدراسة، ويل جينينغس، البروفيسور في العلوم السياسية في جامعة ساوثامبتون البريطانية، وكريستوفر وليزين، البروفيسور في أبحاث الآراء في جامعة تكساس الأمريكية، قلقان بسبب هذا التطور: “هذا يؤثر على تمثيل الاستطلاعات لشرائح واسعة من الناخبين، ويقود بالتالي إلى أخطاء وعدم مطابقة لنتائج الانتخابات”.

وكون الاستطلاع يمثل الواقع، أمر يعتمد على جودة العينات. ومن المشاكل الجوهرية هنا، هي مسألة التعامل مع المترددين في تحديد ميولهم السياسية.

و”الدروس المستفادة من انتخاب الرئيس الأمريكي (الأسبق) دوالد ترامب، أو الاستفتاء على البريكست تظهر أنه لا يمكن تجاوز مجموعات معينة من الناخبين”، يوضح الخبير فيند.

وكثير من استطلاعات الرأي تضيف نفس النسبة عند الأشخاص المترددين على نسبة من حسموا رأيهم، ومنها أهم استطلاع للرأي في ألمانيا “دويتشلاند تريند” من القناة الألمانية الأولى، وهذه مشكلة كما يرى فيند، “لأن هؤلاء قد يشكلون نسبة 20% أو أكثر”.

وعالم السياسة بريتشنايدر يوضح أن كثيرين من أنصار ترامب لا يشاركون في استطلاعات الرأي، لأنهم يعتبرونها جزءا من “الصحافة الكاذبة”، كما يصفونها.

وبما أنهم لم ينتخبوا سابقاً، والآن يشاركون في الانتخاب، فهذا يعني أن أصواتهم لا تدخل في حسابات استطلاعات الرأي، بحسب بريتشنايدر، وهذا ما يؤدي إلى اختلافات بين الاستطلاعات والنتائج الحقيقية، كما أن أسلوب طرح الأسئلة يمكن أن يؤثر على مصداقية النتائج ومطابقتها للواقع، وطرح الأسئلة من خلال الاتصال عبر رقم الهاتف الأرضي يعتبر وسيلة ذات مصداقية عالية، لأنه يمكن تحديد المنطقة التي يقيم الأشخاص فيها، ولأن المستطلعة آراؤهم يخصصون وقتاً كافياً للرد على الأسئلة، أما الاتصال عبر الهاتف الجوال، فلا يتيح معرفة مكان وجود الشخص، فيما تبدو الصعوبة مع الاستطلاعات عبر الإنترنت أنها غالباً ما تكون مع أشخاص مجهولي الهوية، وتشمل فقط من يستخدمون الإنترنت.

من النقاط الهامة التي لا يلقى له بال، موضوع تقييم وتحليل نتائج الاستطلاعات لأنها عرضة للخطأ، وهناك نسبة إحصائية تقدر بحوالي اثنين إلى ثلاثة بالمئة، تسمى نسبة الخطأ أو الانحراف عن النسبة الحقيقة، وهذه النسبة لا تذكر دائماً عند عرض نتائج الاستطلاع أو تكتب بين قوسين بخط صغير جداً، فنسبة الخطأ هذه قد تكون حاسمة.

ومثال على ذلك: لو أن حزباً حصل على 50% في استطلاع للرأي، ومع نسبة انحراف تقدر بـ2.5%، يعني أن هذا الحزب قد يحصل في الواقع على 47.5%، أي أنه لن يفوز بالأغلبية المطلقة، أو قد يحصل على 52.5% ويفوز بها.

ورغم كل عوامل عدم الدقة المحتملة، إلا أن استطلاعات الرأي لانتخابات البرلمان الاتحادي الألماني جاءت دقيقة بشكل مدهش خلال العشرين عاماً الماضية، كما يظهر في المعطيات التي نشرها موقعا “فال ريشت” و “دافوم”، وفقط في استطلاعين اثنين، تجاوزت نسبة الانحراف ثلاثة بالمئة.

وبحسب تحليل للبيانات الانتخابية واستطلاعات الرأي أجرته صحيفة “تسايت” الألمانية، فإن هناك سوء تقدير لنتائج الحزب المسيح الديمقراطي في انتخابات 2017، حيث أعطته الاستطلاعات نسبةً أكبر من النتيجة التي حققها فعلا.

ويفسر الصحفي كريستيان اينت، من الصحيفة نفسها، الأمر بوجود حزب البديل لأجل ألمانيا، وحصوله على نتيجة قوية في انتخابات 2017، حيث اختار بعض داعمي التحالف المسيحي التصويت لحزب البديل كنوع من الاحتجاج على سياسية التحالف المسيحي.

والدراسة التي حملت عنوان “أخطاء استطلاعات الرأي من حيث الزمان والمكان”، تظهر أيضاً أنه “ليس هناك نمو في نسبة الخطأ”، فبين عامي 1940 و1950 ثم بين 1960 و1970 كانت نسبة الخطأ حوالي 2.1%، ومنذ عام 2000، تبلغ هذه النسبة 2%.

وتظهر الدراسة أنه كلما كبر حجم الحزب وشعبيته، ترتفع نسبة الانحراف في نتائجه في استطلاعات الرأي، “خصوصاً عندما تكون النتائج متقاربةً جداً، كما حدث في الانتخابات الأمريكية في 2016 واستفتاء البريكست في 2015”.

وحتى وإن كانت استطلاعات الرأي دقيقة فعلاً وأفضل من السمعة التي تتمتع بها، إلا أن هناك نسبة انحراف دائماً، تكون أحياناً أعلى من النسبة المعتادة المقدرة باثنين بالمئة، فعدم اليقين السياسي زاد، رغم محافظة استطلاعات الرأي على جودتها، وهذا ما برز في الانتخابات البرلمانية الخاصة بولاية سكسونيا أنهالت، في حزيران 2021، فاستطلاعات الرأي لم تتوقع تحقيق الحزب المسيحي الديمقراطي فوزاً واضحاً، وإنما توقعت نتيجةً متقاربةً بينه وحزب البديل لأجل ألمانيا.

أستريد برانغه دي أوليفيرا – دويتشه فيله[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها