دويتشه فيله : عندما يهجر الفقراء الانتخابات في ألمانيا و تصبح للأغنياء فقط

فقط خمس عدد سكان حي “هوخفيلد” بمدينة دويسبورغ شاركوا في الانتخابات الأخيرة، فسكان هذا الحي الفقير فقدوا أملهم وثقتهم بالساسة، ومن المتوقع تكرار ذلك في الانتخابات التشريعية التي ستجري هذا الشهر، ولكن هناك من يسعى للتغيير أيضا.

وميرزا أديس، لم يعد يذكر عدد الكيلومترات التي قطعها في حيّه، ويريد أن يكون حاضراً بين الناس في عين المكان، معهم في الشارع، وهكذا يفهم المرشح للانتخابات عن حزب اليسار عمله السياسي، ويرتدي ملابس عادية (غير رسمية) ويبادر للحديث مع الجميع تقريباً، سائلاً عن أحوالهم وظروفهم مرة بالألمانية وأخرى بالتركية، فهو يتقن اللغتين.

منطقة انتخابية صعبة، حيث نسبة المشاركة متدنية هنا، ففي الانتخابات البلدية عام 2020، لم يشارك سوى 22% من الناخبين، لأن الناس هنا في هذا الحي الفقير مستاؤون من السياسيين الذين خيبوا أملهم كما يقولون.

ويقطن في الحي، الذي كان في السابق يسكنه عمال الصلب، قرابة 20 ألف نسمة، ينحدرون من 136 دولة، ومعظم السكان يعتمدون على المساعدات الاجتماعية من الدولة.

وميرزا أديس (49 عاماً) عايش منذ طفولته تراجع مستوى المعيشة في الحي، ووالداه قدما مهاجرين من تركيا في عام 1975، وحط بهم المقام في حي “هوخفيلد”، ويقول: “إنه حي أهمله السياسيون بشكل كبير خلال الثلاثين عاماً الماضية.. كان لدينا مسبح عمومي هنا، ومركز للشبان. لقد أغلقا”، ويريد أديس، الذي انخرط مبكراً في العمل النقابي، أن يتولى الناس هنا زمام أمور حيهم، وأن يكون لهم تأثير سياسي، ولكن معظم السكان معرضون عن ذلك وينقصهم الحافز والدافع لذلك.

ودراسة مثيرة للاهتمام أجرتها عام 2010، مؤسسة “هانز بوكلر”، أظهرت أن “المناطق التي تشهد نسبة مشاركة انتخابية منخفضة، تكون فيها نسبة الأمهات العازبات ضعفي النسبة العادية، ونسبة المهاجرين ثلاثة أضعاف، ونسبة البطالة أربعة أضعاف، ونسبة المساكن المدعومة من الدولة أعلى بعشرة أضعاف”، وكلها أمور تنطبق على حي “هوخفيلد” في دويسبورغ، وبعد 11 عاماً من إجراء تلك الدراسة، ازدادت الأمور سوءا هنا وازداد التفاوت الاجتماعي، ومن يرى نفسه على هامش المجتمع، يحجم عن المشاركة في الانتخابات.

وأحد الناشطين في الحي لديه تفسير للأمر. غونتر سبيكوفسكي، مدير مؤسسة “تافل”، التي توزع تبرعات الطعام على المحتاجين، يرى أن “الفقراء لديهم هموم أخرى غير الانتخابات، يركزون على كيفية ملء الثلاجة بالطعام، كي لا يجوع الأطفال (أي تحقيق كفاف العيش)، أما من يهتم بالسياسة، فيجب أن يكون قادراً على التفكير بعيد المدى، وأما من يعيش كل يوم بيومه، فيحتاج كامل تركيزه وطاقته لذلك الآن”، والحصول على الطعام ومكان للمبيت الآن، وتأمين تكفلة الرحلة المدرسية للأطفال الآن.

ولمعرفة مدى صعوبة تأمين الطعام اليومي، يمكن ملاحظة الأمر في طابور توزيع الطعام الخيري (تافل)، وقبل أن يفتح المركز بابه بوقت طويل، يكون الناس قدر اصطفوا في طابور طويل منتظرين بدء التوزيع، متقاعدون وعاطلون عن العمل ومهاجرون.

ومارتنيا تيدشن متطوعة وتتولى منذ عامين تنظيم الدور وإدخال المنتظرين للمركز، وتعاني مع بعضهم، لأنهم غير قادرين على تأمين وثيقة تثبت أنهم من ذوي الحاجة، والبعض لا يفهم الألمانية حتى، ويتكلم فقط الفارسية أو العربية، وهنا تضطر السيدة تيدشن لإدخالهم.

وحوالي 400 بيت، أو 2000 شخص أسبوعياً، يستفيدون من التبرعات التي يوزعها “تافل” في حي “هوخفيلد”، وكثير ممن المتقاعدين الفقراء يقفون هنا مننتظرين دورهم، ومعظمهم يشعرون بالإحراج من أن يشاهدهم أحد هنا، وينتقدون السياسيين ويعتبرونهم مسؤولين عن وضعهم في هذا الموقف.

وسيدة في بداية الستينات من عمرها، لا تريد الكشف عن اسمها، تقول: “كنت دائماً أشارك في الانتخابات وأدلي بصوتي، ولكن عندما اضطررت للاعتناء بوالدتي لسنوات، لم أتمكن من الذهاب للانتخابات، والآن لن أذهب للإدلاء بصوتي والانتخاب”.

وأميلا ياكوبي، ترى أنها لا تتلقى التقدير المناسب، وهي قدمت إلى ألمانيا قبل ثلاثين عاماً وتشعر اليوم بالسخط لأن حيها منهار جداً، ورغم أن إدارة المدينة تأخذ منها رسوم تنظيف وتنظيم الشوارع، لذا يجب أن لا نتعجب عندما يحجم الناس عن المشاركة في الانتخابات.

وواصل ميرزا أديس مشواره ووصل إلى شارع السوق في الحي، وهو مكان مهم يزوره كثيرون من السكان، حيث توجد محلات للعب والشرب، ومحلات للمجوهرات وأخرى للهواتف، ولكن لا محلات لبيع الأطعمة المميزة أو لبيع الملابس الغالية، وفي الشوارع الجانبية تنتشر أكشاك الأطعمة السريعة، ومالكوها بلغاريون، وسكان حي “هوخفليد” القدامى يلقون باللوم عليهم وأنهم سبب اختفاء المحلات الجميلة هنا.

ويحاول ميرزا أن يشرح للناس أن القادمين الجدد هم إثراء للمجتمع، ويقول: “المحلات أغلقت ليس بسبب قدوم المهاجرين من بلغاريا ورومانيا، وإنما لأن السكان الألمان انسحبوا من هذا الحي، وأنا سعيد لعودة الحياة هنا، كما أن الأمر جيد للدولة كي تحصل على دخل من ضرائب المحلات”.

وعدد البلغار والرومانيين هنا هو الأكبر، مقارنةً ببقية أحياء دويسبورغ، وكان بإمكانهم المشاركة في انتخابات البلديات في عام 2020، لأنهم يحملون جنسيات دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي، ولكنهم أحجموا عن المشاركة.

ولاحظ ميرزا، وهو قيادي في إحدى النقابات، أن المهاجرين الجدد متشككون حيال النقابات وحيال السياسة عموماً، ويقول لشبكة “DW” الإعلامية: “المهاجرون الجدد لا يعرفون ما الذي تقوم به الأحزاب، وما هي مواقفها، وبسبب التجارب في بلدانهم، يعتبرون الأحزاب والسياسيين فاسدين، فيفضلون الابتعاد وعدم المشاركة في الانتخابات”.

وإذا امتنع الفقراء عن المشاركة، فستكون عواقب ذلك وخيمة، والدراسة المشار إليها أعلاه من مؤسسة “هانز-بوكلر” تشير إلى أن “عدم الرضا يقود غالباً إلى الخمول السياسي والاستغناء عن المشاركة في صنع القرار، ولكن لا يقود إلى الاحتجاج” ضد الواقع.

وأيضاً مدير مؤسسة “تافل” في الحي، غونتر سبيكوفسكي، يعتقد أن السياسيين لا يخشون من الفقراء، ولذلك لا يأخذونهم على محمل الجد، ويقول لشبكة “DW”: “أعتقد أن الغضب يتصاعد، ولكني لا أظن أن الفقراء سيشعلون ثورة، ولذلك يبقى كل شيء على ما هو عليه”.

وميرزا أديس لا يريد بقاء كل شيء على حاله، ويرى أنه يجب ألا تقتصر المشاركة في الانتخابات على المتعلمين والأغنياء، ولذلك، هو عاقد العزم على قطع كيلومترات كثيرة في حيه لتشجيع الناس على المشاركة في التصويت، القدماء منهم والمهاجرون الجدد، وكسبهم لصالح الديمقراطية، كما أنه يعمل جاهدا للفوز بالترشيح المباشر عن الحي، والحصول على مقعد في البرلمان الاتحادي، وفي الانتخابات البلدية، كان ينقصه “168 صوتاً فقط، كي يكون صاحب المركز الأول في الدائرة الانتخابية”، يقول أديس، معبراً عن ثقته بنفسه، ولو تحقق ذلك، فسيكون أحد البرلمانيين القلة الذين لم يتخرجوا من الجامعة، ولكنه سيكون صوتاً إضافياً لصالح الفقراء.

بتينا شتيهكيمبر – دويتشه فيله[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها