20 عاماً بعد 11 سبتمبر .. هذا ما يعانيه العرب الأمريكيون في نيويورك
مع مرور الذكرى العشرين لاعتداءات الحادي عشر من سبتمبر، أردنا التعرف على مواقف بعض المواطنين الأمريكيين من أصول عربية ومسلمة، وعلى مدى تأثير هذه الاعتداءات على حياتهم اليومية والطريقة التي يتعامل بها الآخرون معهم. فهل يشعرون اليوم بأنهم في وطنهم أم ازدادت عزلتهم بعد أن حمَّلهم البعض، بطريقة صريحة أحيانا، مسؤولية هذه الهجمات التاريخية.
في بروكلين أحد أبرز أحياء مدينة نيويورك، التقينا بعض الأشخاص ممن عايشوا هذه الفترة ولا يزالون يتذكرون ما رافق الاعتداءات من مشاعر وتصرفات، اعتبرها البعض معادية في حين كان الأمر مختلفًا للبعض الآخر ممن وجدوا شيئا من التسامح.
ولينا وجهتنا إذن صوب حي “باي ريدج” ذي الأغلبية العربية والمسلمة الواقع بضواحي بروکلین، وفور النزول من القطار تلفت النظر لافتات محلات أزياء تنسب أحيانا خطأ للباس المسلمين التقليدي. في شوارع هذا الحي، يشنف الآذان مزيج من الأغاني والابتهالات الدينية التي تصدح حينا من محلات البقالة والوجبات السريعة أو من سيارات المارة.
حول طاولة صغيرة قرب مقهى يحمل اسما عربيا كان يجلس باسم وحمد يتقاسمان قهوة الصباح في الشارع الخامس من الحي، حين طلبنا منهما العودة بذاكرتيهما عشرين عاما إلى الوراء للحديث عما تبع اعتداءات 11 سبتمبر 2001 وعن تطور أوضاعهم في الولايات المتحدة بعد هذا الحدث.
الولايات المتحدة لا تظلم أحدا والشعب الأمريكي “عادل”
يقول حمد زيد، وهو تاجر مواد تموينية من أصول فلسطينية يبلغ من العمر 55 عاما، ويقيم في هذا الحي منذ أكثر من ثلاثين عاما إن “الشعب الأمريكي عادل والولايات المتحدة لا تظلم أحدا، واليوم يعم السلام هذا البلد حيث القانون هو الفيصل”. ويعترف التاجر الفلسطيني الذي يرتشف قهوته بتأنٍ بأن “الأيام الأولى التي تلت اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر كانت صعبة حيث عشنا ضيقا نفسيا، لكن لم يتعرض أحد إلى الآخر. وشخصيا، لم أشعر بالتمييز”.
ويضيف “هنا، في الولايات المتحدة يُحاسب المخطئ على خطأه فحسب ولا يتحمل الآخرون من أقارب وأصدقاء وزر ما اقترفه. لذلك لم نتعرض نحن هنا إلى أي نوع من المضايقة بعد هذه الأحداث التي آن الأوان لطي صفحتها”.
رأي لا يبتعد كثيرا عن رأي بسام الذي يدين للولايات المتحدة بالكثير على حد تعبيره. كما يؤكد أنه لا ينسى من أين أتى والظروف التي كان يعيش فيها قبل تحقيقه حلم الهجرة إلى أمريكا.
الولايات المتحدة تبنتنا، المضايقات بعد الاعتداءات لم تقف وراءها السلطات
يقول بسام مصطفى وهو أمريكي من أصول فلسطينية في منتصف الخمسينات من العمر، ويقيم في الولايات المتحدة التي حل بها منذ 1993 “في الولايات المتحدة نحن ننعم بالديمقراطية. في هذا البلد الذي تبنانا رغم اختلافاتنا الثقافية والعرقية ووفر لنا ما لم نجده في دولنا”.
المضايقات التي تعرض لها البعض من الفئات العربية أو المسلمة إثر هذه الهجمات لم يكن مصدرها السلطات الأمريكية بل هي فقط فئات مهمشة في المجتمع الأمريكي قامت بردود فعل فورية، بعد هذه الاعتداءات “المؤسفة”، والتي تجاوزناها اليوم، والتي “لا نعرف كل الحقيقة حولها” وتأثير هذا الحدث علينا اليوم في حياتنا اليومية لا يذكر، بالعكس الولايات المتحدة اليوم تحمي الأقليات وتحمي المسلمين من الاعتداءات اللفظية على أساس العرق. ليحمي الله الولايات المتحدة “God bless America”، كلمات يبدو جليا أنها تحمل امتنانا كبيرا للولايات المتحدة وتعكس قناعة لدى هذه الفئة من المهاجرين العرب بأن القانون يحمي الجميع واستمرارا في تأكيد أن التأثير السلبي لهذه الاعتداءات كان نسبيًا ومحدودا على حياتهم. من جهة أخرى، يريان أن عهدة دونالد ترامب في نظرهم لم تكن سوى “مرحلة من مراحل الحياة السياسية الأمريكية”، لا أكثر. ولا يعتقدان أنها حقبة عاش خلالها العرب والمسلمون في الولايات المتحدة عسرا.
وبين مغسلة عمومية ومحل بقالة، ودائما على جنبات شارع بروكلين “فيفث أفينيو”، التقينا رابعة، وهي شابة أمريكية من أصول يمنية، لا تتقاسم نفس الآراء مع الباقين حيث كان 11 من سبتمبر/أيلول حدثا غيَّر جذريا حياتها، وتلاحقها تبعاته إلى اليوم. صوتها لا يزال يرتجف حين تحدثنا عن رؤيتها عملية انهيار برجي مركز التجارة العالمي في مانهاتن بشكل مباشر في بروكلين، وحين تتذكر نصيحة والدها بعدم ارتداء الحجاب الإسلامي في الشارع لفترة من الوقت إثر هذه الاعتداءات.
ما عشناه منذ 11 سبتمبر ليس هينا، وشبح الاعتداءات يلاحقنا دوما
وتتذكر رابعة جيدا كيف وضعت هجمات 11 سبتمبر العرب الأمريكيين تحت ضغط هائل، خصوصا أن، حسب رأيها، مشاعر العداء ضد العرب والمسلمين لم تنتظر اعتداءات “تنظيم القاعدة” لتنال من هذه الفئة من المهاجرين الذي ولوا وجوههم صوب الولايات المتحدة من عشرات السنين أملا في حياة أفضل.
وتقول رابعة “العالم بأسره تغير منذ 11 سبتمبر. دخلنا في حربين، والشرق الأوسط يعيش اليوم حالة من الفوضى. وبالنسبة للأمريكيين العرب، تغير الكثير أيضا، هذا أمر مؤكد. أتذكر، بعد الاعتداءات أنني حين ذهبت إلى متجر لشراء زي للاحتفال بهالوين (عيد الموتى)، وكان لديهم من بين الأزياء المعروضة للبيع زي “إرهابي عربي” لا أعرف إذا كنت تعرف زي الشيخ صاحب الأنف الطويل (تقصد هنا أسامة بن لادن).
هل يمكنك أن تتخيل ما تشعر به طفلة صغيرة حين تجد من بين أزياء الهالوين زي “إرهابي عربي”؟ طبعا هذه الأحداث هي بالتأكيد جزء من حياتي. لكن قبل ذلك بكثير أدركنا أننا لسنا كالآخرين والعنصرية اكتشفتها مبكرا. فخلال حرب الخليج الأولى، وكان يبلغ عمري 8 سنوات فقط، تعرضت والدتي للاعتداء من قبل امرأة أمريكية ضربتها بنسخة من صحيفة نيويورك بوست، الصحيفة الشعبية اليمينية المتشددة التي تحدثت في هذا العدد عن الحرب في العراق. كان الوضع سيئًا حقًا قبل 11 سبتمبر، لكنه ازداد سوءًا بعد الأحداث مباشرة.
وتتابع “في ذلك اليوم الشهير كنت، وسط مدينة بروكلين في “كورت ستريت”، على الجانب الآخر من مركز التجارة العالمي، حيث يمكننا رؤية المباني الشاهقة. وشاهدنا البرج الأول بالفعل بعد أن اصطدمت به الطائرة الأولى ثم الطائرة الثانية في البرج الثاني وشاهدنا كل أطوار الاعتداء في نيويورك، ووصول الحطام من مانهاتن إلى حي “باي ريدج “… يا إلهي، كل هذا الكم من الغبار والأوراق وكان ذلك فظيعًا. نعم… حينها طلب والدي من أمي (لا أعتقد أنني كنت أرتدي الحجاب في ذلك الوقت) أن تخلع الحجاب الإسلامي. وبقينا داخل البيت لمدة أسبوع كامل، كما لو كنا في حالة إغلاق أو حجر صحي. لقد شعرنا بالرعب حقا”.
مستشارة سياسية لشؤون الأقليات العربية في حي “باي ريدج”
وتشغل رابعة الذيباني اليوم منصب “مستشارة سياسية” حيث تقدم خدماتها بشكل خاص للمرشحين الديمقراطيين الذين يقومون بحملات في حي “باي ريدج” الذي لا تزال تقطنه. وسبق وقدمت خدماتها للديمقراطي الشهير بيرني ساندرز وهو أيضا من أبناء بروكلين، فقد انضمت لفريق حملته لتمثيل الصوت العربي والمسلم. كما تشرف على مؤسسة “ذي آراب ويمنز فويس” The Arab Women’s Voice أي “صوت المرأة العربية” التي أطلقتها في أبريل/نيسان 2019.
وتضيف الشابة اليمنية ذات السبعة والثلاثين ربيعا لفرانس24 “أحداث سبتمبر دفعتني إذن إلى ممارسة النشاط السياسي الذي لا أزال أواصله إلى اليوم رغما عني، حيث قمت بتنظيم أول مبادرة لإضاءة الشموع في حديقة بروكلين بروموناد بعد أسبوع من هجمات سبتمبر، وشارك ما يناهز ألف شخص في هذا الحدث الذي أردت أن يحيي ذكرى ضحايا هذا الاعتداء”. وهكذا كانت أولى بدايات تنظيم ندوات اجتماعية تعني بشؤون العرب الأمريكيين في نيويورك والشؤون السياسية. قبل أن تتوالى أنشطتها في جمعيات أخرى.
محاولات تجسس واختراق للجمعيات العربية
“بعد الأحداث كنا نتلقى مكالمات في مكتب “المركز العربي لخدمة العائلات العربية الأمريكية في نيويورك” من عرب ومسلمين هنا، كانوا في حالة ذعر ويتساءلون عن أماكن وجود أزواجهم وأقاربهم الذين اختفوا فجأة. فقد اتصلت بي مرة صديقة لتخبرني بأن مكتب التحقيقات الفيدرالي جاء وأخذ زوجها. لماذا بالضبط؟ لا شيء على الإطلاق، فقط لأنه كان يتحدث بالعربية. كان يعمل كبواب في مدرسة عامة وسمعه المدير يتحدث العربية فاتصل “بالإف بي آي” الذي أتى رجاله وأخذوه إلى مكان مجهول لمدة تقارب الثمانية أشهر. وتم تسجيل أكثر من 800 حالة من هذا القبيل. ولمدة عام ونصف أو عامين حاولتُ العثور على كل هؤلاء المفقودين”.
كما تضيف أن “إحدى الجمعيات التي كانت تنشط فيها وهي جمعية “المركز اليمني الأمريكي”، كانت كثيرا ما تتعرض لمحاولات تجسس واختراق “كنا نعرف بالضبط من يحاول التجسس علينا ولا نقول شيئا” كما طرقوا باب بيتنا عدة مرات طلبا لمعلومات حول شقيقتي التي كانت ناشطة أيضا”. موضحة أن “عدة جمعيات عربية تتعرض لهذه الممارسات”.
وتضيف قائلة “اليوم أنا ’مستشارة إستراتيجية سياسية‘ وأعالج أيضا البيانات خلال الدراسات التي تقوم بها الأطراف السياسية وأحفز على التصويت في الحملات الانتخابية. كل هذه الأنشطة لعبت في تنظيمها بشكل أو بآخر أحداث 11 سبتمبر”.
كما تعمل هذه الناشطة الأمريكية اليمنية على “محاربة الإسلاموفوبيا” في المجتمع الأمريكي الذي تعيره أولوية أنشطتها وكذلك محاربة الإسلاموية داخل المجتمعات المسلمة التي تعيش في الولايات المتحدة. وتعترف بأن المهمة صعبة وتحمل دوما تحديات رغم أن الأمور بصدد التحسن نسبيا لأن نيويورك تبقى مدينة ذات توجه يساري رغم كل شيء.
تباين آراء هذه الفئة من الأمريكيين حول تبعات اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر على حياتهم اليومية، بعد عشرين عاما من وقوعها، تعكس مراوحة بين أجيال مقتنعة بأن الولايات المتحدة لا تزال أكبر دولة تحتضن المهاجرين في التاريخ وتمنحهم فرصة تحقيق “الحلم الأمريكي” وبين أجيال حديثة ترى أن هذه البلاد لم تنصفهم كما ينبغي ولا تزال تحمّلهم عن غير وجه حق مسؤولية هجمات إرهابية لا ناقة لهم فيها ولا جمل، وهو ما سيلاحقهم ويلاحق أبناءهم لزمن غير محدد.
وأظهر استطلاع حديث قام به مركز نورك ووكالة الأسوشيتد برس لأبحاث الشؤون العامة قبل ذكرى 11 سبتمبر أن 53٪ من الأمريكيين لديهم اليوم آراء غير إيجابية تجاه الإسلام، مقابل 42٪ لديهم آراء معاكسة. موقف يختلف عن آراء الأمريكيين حول المسيحية واليهودية، والتي عبر أغلب المستجوبين عن وجهات نظر إيجابية تجاه هاتين الديانتين. علما أن عدم الثقة والشك بالمسلمين لم يظهر مع هجمات 11 سبتمبر، لكن الاعتداءات كثفت من تلك العداوات بشكل كبير. (FRANCE24)
[ads3]