تفاصيل مروعة و كوارث بالجملة .. تقرير لجنة الأمم المتحدة للتحقيق بشأن سوريا : ” سوريا غير صالحة للعودة الآمنة للاجئين “
يثير التصعيد في الأعمال القتالية وتجدد العنف القلق بحسب التقرير الرابع والعشرين الذي أصدرته لجنة الأمم المتحدة للتحقيق بشأن سوريا اليوم، مع التأكيد على أن البلاد غير صالحة للعودة الآمنة والكريمة للاجئين.
“فبعد مرور عقد من الزمن، تستمر أطراف النزاع في ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وانتهاك حقوق الإنسان الأساسية للسوريين. وتستمر الحرب على المدنيين السوريين، ومن الصعب عليهم إيجاد الأمن أو الملاذ الآمن في هذا البلد الذي مزقته الحرب”، صرّح باولو بينيرو، رئيس اللجنة، خلال مؤتمر صحفي في جنيف.
ومع دخول الأسد فترة ولايته الرابعة – حيث يسيطر على حوالى 70٪ من الأراضي و40٪ من عدد السكان قبل اندلاع الحرب – يبدو أنه لا توجد تحركات لتوحيد البلاد أو السعي لتحقيق المصالحة. بل على العكس من ذلك، تتواصل بلا هوادة حوادث الاعتقال التعسفي والانفرادي من قبل القوات الحكومية. فقد واصلت اللجنة توثيق ليس فقط التعذيب والعنف الجنسي أثناء الاحتجاز ، ولكن أيضًا حالات الوفاة أثناء الاحتجاز والاختفاء القسري.
وعلاوة على ذلك، وخلال الفترة المشمولة بالتقرير ، شهد الاقتصاد السوري تدهورًا سريعًا، مما أدى إلى ارتفاع أسعار الخبز وتزايد ملحوظ في انعدام الأمن الغذائي بنسبة تزيد عن 50 في المائة مقارنة بالعام الماضي.
“ويبدو الوضع العام في سوريا قاتماً بشكل متزايد. فبالإضافة إلى تصاعد العنف، يتدهور الاقتصاد، وأصبحت مجاري الأنهار الشهيرة في بلاد ما بين النهرين في أكثر حالاتها جفافاً منذ عقود، ويبدو أنه لا يمكن إيقاف انتقال فيروس كورونا المستجد في المجتمع المحلي بسبب نظام الرعاية الصحية الذي أهلكته الحرب ونقص الأكسجين واللقاحات. ولا يعتبر هذا الوقت المناسب كي يظن أحد أن سوريا بلد صالح لعودة اللاجئين”، حسب ما صرحت به المفوضة كارين كونينج أبو زيد.
فقد شهدت الأشهر الأخيرة تزايدًا في القتال والعنف في مناطق الشمال الغربي والشمال الشرقي والجنوب في البلاد، كما جاء في التقرير الذي يغطي الفترة من 1 تموز/يوليو 2020 إلى 30 حزيران/يونيو 2021.
وعادت الأعمال العدائية في شمال غرب سوريا، التي كانت توقفت لفترة نتيجة اتفاق وقف إطلاق النار المبرم في آذار/مارس 2020 بين الاتحاد الروسي وتركيا، حيث تجدد القصف الجوي والمدفعي. وتعرضت المرافق الطبية، مثل مستشفى الأتارب، والأسواق والمناطق السكنية، للقصف ضمن هجمات جوية وبرية، غالبًا ما تكون عشوائية، مما تسبب في سقوط العديد من الضحايا المدنيين.
وفي الوقت نفسه، شهد الجنوب الغربي قتالًا لم نرَ مثيله منذ ما قبل الاتفاق الذي تم بوساطة روسية عام 2018 بين الحكومة السورية وجماعات المعارضة المسلحة. ففي بلدة درعا البلد، مسقط رأس الانتفاضة عام 2011، فرضت القوات الموالية للحكومة حصاراً تميّز بقصف مدفعي كثيف، تاركاً عشرات الآلاف من المدنيين محاصرين في الداخل دون الحصول على ما يكفي من الطعام أو الرعاية الصحية، ما أجبر الآلاف من الرجال والنساء والأطفال على الفرار.
وقال المفوض هاني مجلي: “شهدت الأشهر الماضية عودة الحصار والتكتيكات الشبيهة بالحصار في محافظات درعا والقنيطرة وريف دمشق على نحو صادم. فبعد ثلاث سنوات من المعاناة التي وثقتها الهيئة في الغوطة الشرقية، بدأت مأساة أخرى تتكشف أمام أعيننا في درعا البلد.”
وفي غضون ذلك، وعلى الرغم من التصريحات العلنية التي أشارت إلى رغبتها في الالتزام بمعايير حقوق الإنسان الأساسية، واصلت هيئة تحرير الشام، التي تصنفها الأمم المتحدة بأنها إرهابية، فرض قيود على وسائل الإعلام وحرية التعبير في منطقة سيطرتها شمال غرب البلاد، بما في ذلك عن طريق الاحتجاز التعسفي للنشطاء الإعلاميين والصحفيين، بمن فيهم النساء.
وفي منطقتي عفرين ورأس العين في حلب، يعيش المدنيون في خوف من العبوات الناسفة المحمولة على السيارات والتي يتم تفجيرها بشكل متكرر في مناطق مدنية مزدحمة – حيث تنفجر في الأسواق والشوارع المزدحمة وتودي بحياة الكثيرين. ووثقت اللجنة مقتل وتشويه ما لا يقل عن 243 امرأة ورجلًا وطفلًا في سبع هجمات من هذا القبيل – لكن مجموع الخسائر في صفوف المدنيين أعلى بكثير. كما استمر القصف العشوائي، بما في ذلك في 12 حزيران/يونيو عندما أصابت الذخائر مواقع متعددة في مدينة عفرين، مما أسفر عن مقتل وإصابة العديد من الأشخاص وتدمير أجزاء من مستشفى الشفاء “المـدرج في قائمة الأمم المتحـدة لتفادي التضارب”.
كما تدهور الوضع الأمني في بعض المناطق الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية، حيث ازدادت هجمات فلول داعش، والصراعات مع القوات التركية، وتفاقم السخط وازدادت الاحتجاجات بين السكان، لا سيما في المناطق المأهولة بالسكان العرب. وواصلت قوات سوريا الديمقراطية احتجاز أكثر من 10000 من مقاتلي داعش السابقين المشتبه بهم في سجون منتشرة في شرق سوريا منذ عام 2019 على الأقل، ومن بينهم حوالي 750 فتى محتجزين في ما لا يقل عن عشرة سجون.
وما يلفت الانتباه أنه بعد سنوات من الهزيمة الإقليمية لداعش، لا يزال الآلاف من النساء والأطفال محتجزين بشكل غير قانوني في مخيمات عبر شمال شرق سوريا في الأراضي التي يسيطر عليها تحالف قوات سوريا الديمقراطية الذي يقوده الأكراد. ويُشتبه في علاقتهم بداعش لكنهم بقوا دون إمكانية اللجوء إلى القانون ودون تاريخ واضح لانتهاء محنتهم، فتُركوا لتدبر أمورهم بأنفسهم في ظروف قد ترقى إلى المعاملة القاسية أو اللاإنسانية.
ففي مخيم الهول ومخيمات أخرى بالقرب من الحدود العراقية في شمال شرق سوريا، يُقدر عدد الأطفال المحتجزين بـ 40 ألف طفل. وحوالى نصفهم من العراقيين بينما يعود أصل 7800 طفل إلى حوالى 60 دولة أخرى.
ومنذ منتصف عام 2019، تم تسريح ما يقرب من 5000 طفل سوري من المخيمات إلى مجتمعات في الشمال الشرقي بموجب ما يسمى باتفاقيات الرعاية العشائرية. كما تم إطلاق سراح حوالي 1000 طفل أجنبي وإعادتهم إلى ديارهم (وفق ما ورد في ملحق التقرير).
ومع ذلك، لا يزال معظم الأطفال الأجانب محرومين من حريتهم، لأن بلدانهم الأصلية ترفض إعادتهم إلى أوطانهم.
ومعظمهم دون سن 12 عامًا. ولا أحد يتهمهم بارتكاب جرائم، ومع ذلك، هم محتجزون منذ أكثر من ثلاث سنوات في ظروف مروعة، وحُرموا من حقهم في التعليم واللعب والرعاية الصحية المناسبة.
وأشار الرئيس باولو بينيرو إلى أنه: “يجب أيضًا حماية هؤلاء الأطفال بما يتماشى مع القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني. ولا يمكن أن تعني الحماية أبداً احتجاز الأطفال إلى أجل غير مسمى. وأول سبل الانتصاف من الاعتقال غير القانوني هو الإفراج عن المعتقلين. فلا يمكن تبرير معاقبة الأبناء على خطايا آبائهم”.
وسترفع اللجنة تقريرها أمام مجلس حقوق الإنسان يوم الخميس 23 أيلول/سبتمبر الساعة الثالثة بعد الظهر.
وتتألف لجنة التحقيق الدولية المستقلة المعنية بالجمهورية العربية السورية من السيد باولو سيرجيو بينيرو (رئيساً)، والسيدة كارين كونينج أبو زيد، والسيد هاني مجلي، وقد كُلّفت اللجنة من قبل مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بمباشرة التحقيق وتوثيق كافة انتهاكات القانون الدولي داخل الجمهورية العربية السورية منذ آذار/مارس 2011.
* النص كما ورد في موقع مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة (لقراءة النسخة الإنكليزية الكاملة اضغط هنا)
[ads3]