هذه هي الأسباب و التداعيات .. أوروبا شبه عاجزة أمام أزمة ارتفاع أسعار الغاز بشكل جنوني

تواصل أسعار الغاز ارتفاعها بشكل جنوني في أوروبا، في ظل خشية الخبراء الاقتصاديين من أن تشهد القارة نقصا في تأمين هذه المادة التي تعد أساسية للتدفئة خلال فصل الشتاء. وسجلت أسعار الغاز مستويات تاريخية إذ ارتفعت بنسبة 250 في المئة خلال عام تقريبا.

لإيضاح الصورة أكثر، فقد وصل سعر الغاز الأوروبي إلى حدود المئة يورو لكل ميغاواط ساعة الجمعة، علما أن أسعاره كانت أقل من 20 يورو في العام 2019 قبل أزمة فيروس كورونا وجمود الاقتصاد العالمي.

وفي فرنسا، أُعلن الأربعاء عن رفع أسعار الغاز بنسبة 12.6 في المئة ابتداء من الأول من أكتوبر/تشرين الأول، رغم رفع أسعاره بشكل ملحوظ في يوليو/تموز وأغسطس/آب وسبتمبر/أيلول. فهل تقف الأسباب الاقتصادية وحدها وراء هذا الارتفاع الجنوني أم تتخللها عوامل سياسية أيضا؟

ارتفاع الطلب وشح مخزون الدول الأوروبية

في البداية، لا يجب إغفال عامل مهم ساهم في زيادة الأسعار يتمثل باستعادة النشاط الاقتصادي حيويته بشكل متزامن بين معظم الدول على الصعيد العالمي. هذه العودة أدت إلى ارتفاع ملحوظ في أسعار جميع موارد الطاقة، بما فيها الغاز والمحروقات الأخرى. ووفقا للإحصاءات، أصبحت الصين في شهر سبتمبر/أيلول المستورد الأول للغاز المسال في العالم أمام اليابان.

إلى ذلك، أدت القوانين الأوروبية التي تسعى لمكافحة التلوث والحد من الغازات الدفيئة المضرة بالبيئة إلى لجوء العديد من الدول إلى الغاز عوض الفحم الحجري لإنتاج الكهرباء، كونه يبعث كميات أقل من ثاني أوكسيد الكربون.

وقد شهدت القارة الأوروبية شتاء باردا نسبيا في العام 2021 وقد استمر لفترة أطول. على سبيل المثال، اجتاحت فرنسا موجة برد قارس في شهر نسيان/أبريل ترك أثره على المحاصيل الزراعية في مناطق عدة، وقد أدى إلى استهلاك الغاز للتدفئة بنسبة 15 في المئة أكثر مقارنة بالعام 2020. نتيجة لذلك، استنفذت المخزونات الأوروبية بشكل ملحوظ ولم تتمكن من إعادة التخزين بشكل كامل في فصل الصيف مع ارتفاع الطلب عالميا، وفقا لما ذكرته هيئة تنظيم الطاقة الفرنسية.

أعطال تقنية في النرويج

تعتمد أوروبا بشكل أساسي على مصدرين للغاز هما: روسيا (32.9 في المئة) والنرويج (19.8 في المئة)، ما يشكل أكثر من نصف مصادر استيراد الغاز إلى أوروبا. فيما تستورد فرنسا أكثر من 40 في المئة من حاجاتها من النرويج، و16.8 في المئة من روسيا.

لكن يجب الإشارة إلى أن الغاز يشكل نسبة 15 في المئة من مجمل قطاع إنتاج الكهرباء في فرنسا، إذ تعتمد البلاد بشكل أساسي على المفاعل النووية. أما للتدفئة، فيعتمد الفرنسيون بنسبة 38 في المئة على الكهرباء، و35 في المئة على الغاز.

وفي خريف العام 2020، اندلع حريق في إحدى المنشآت الأساسية في النرويج أدى لإغلاقها، ولا يزال العمل فيها متوقفا لغاية الآن بانتظار إصلاح الأضرار، التي امتدت لفترة أطول نتيجة جائحة فيروس كورونا. لذلك أصبح الاتكال الأوروبي بشكل أكبر على المصدر الروسي، وتحديدا شركة “غازبروم” التي تحتكر تصدير الغاز إلى البلدان الأوروبية.

هل “التقنين” الروسي مقصود؟

في منتصف شهر سبتمبر/أيلول، طلبت مجموعة مؤلفة من 40 نائبا في البرلمان الأوروبي من المفوضية الأوروبية القيام التحقيق مع شركة “غازبروم”، متهمة إياها بخفض إمدادات الغاز عبر أوكرانيا لدفع ألمانيا إلى الموافقة على وضع خط أنابيب غاز “نورد ستريم 2” عبر بحر البلطيق بالخدمة بشكل أسرع، لكن الشركة الروسية نفت أي تلاعب بالسوق.

من جهته، أعلن الكرملين الجمعة أن روسيا تفي بكامل التزاماتها بموجب عقود الغاز الطبيعي القائمة وإن معظم الشكاوى الموجهة بحق موسكو بشأن الغاز الطبيعي ترجع لأسباب سياسية.

في هذا الإطار، وجهت وزيرة الطاقة الأمريكية جينيفر غرانهولم الأربعاء تحذيرا من “التلاعب” بأسعار الغاز في أوروبا من خلال “التخزين أو الفشل في إنتاج إمدادات كافية” أثناء اجتماع وزراء الاتحاد الأوروبي لمناقشة النقص في الغاز. وقالت: “نحن نتعامل مع هذا الأمر بمنتهى الجدية ونقف بجانب حلفائنا الأوروبيين لضمان حصولهم على إمدادات كافية وميسورة الكلفة من الغاز هذا الشتاء”.

تداعيات الأزمة أوروبيا وعالميا

في دراسة نشرها الاتحاد الأوروبي لنقابات العمال، تبين أن ما يقرب من 3 ملايين عامل أوروبي فقراء “لن يكون بوسعهم” تسديد فواتير التدفئة في الخريف والشتاء في مختلف أرجاء الاتحاد. وتحاول بعض الدول الأوروبية القيام ببعض الخطوات لتخفيف عبء أسعار الكهرباء والتدفئة عن مواطنيها.

فقد أعلن رئيس الوزراء الفرنسي جان كاستكس عن خطوات لتجميد أسعار الكهرباء والغاز لغاية شهر أبريل/نيسان 2022، على أن يتم تعويض الخسائر بشكل تدريجي بعد مرور الشتاء. لكن صحف فرنسية وصفت هذه الخطوة بـ”المتأخرة”، متخوفة على أوضاع العائلات التي لن تستطيع تحمل كلفة تأمين الدفء لأفرادها.

وفي إسبانيا، حيث سارت مظاهرات غاضبة في الشارع نتيجة ارتفاع أسعار الكهرباء، اتخذت الحكومة إجراءات مالية بهدف مساعدة العائلات وزيادة الضرائب على المنتجين الذين يحققون أرباحا أكثر خلال هذه الأزمة.

ويتوقع الخبراء الاقتصاديون أن تبقى أسعار الغاز عالميا مرتفعة خلال هذا العقد مقارنة مع العقد الماضي. وحذرت صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية من العودة مجددا إلى مصانع الفحم لإنتاج الطاقة نظرا لكلفته المنخفضة، مما سيطيح إلى حد كبير بالجهود التي بذلت سابقا للحد من الانبعاثات الملوثة.

وبالفعل، بدأت بريطانيا إعادة تشغيل معامل الفحم الحجري لديها، إذ يعتمد قطاع إنتاج الكهرباء لديها بشكل أساسي على الغاز، ما شكل خطرا فعليا على استمرار الإنتاج. يذكر أن الحكومة البريطانية كانت تسعى لإيقاف معامل الفحم بشكل كامل في العام 2024، لكن التطورات الحالية قد لا تساعدها في الإيفاء بالتزاماتها.

وعلى الصعيد العالمي، نشرت مجلة “بلومبرغ” الاقتصادية مقالا تنبه فيه إلى ضرورة أن يتنبه العالم لما يحدث في أوروبا لأن تداعياته ستطال جميع القارات. فأسعار الغاز ارتفعت في آسيا بنسبة 175 في المئة، وقد لفتت المجلة إلى خطورة توقف معامل في الصين أو اضطرارها إلى رفع أسعارها ما سيؤثر على أسعار المنتجات عالميا. كما أن دولا أخرى أكثر فقرا لن تحتمل ارتفاعا كبيرا في أسعار الغاز. (AFP)

 [ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها