ألمانيا : حزب ” البديل ” .. تراجع طفيف و حصون انتخابية ثابتة
بخلاف تراجعه على الصعيد الوطني، حقق حزب البديل من أجل ألمانيا نتائج جيدة في ولاية ساكسونيا، شرقي البلاد، في الانتخابات البرلمانية الألمانية، التي جرت الأحد.
وتمكن الحزب اليميني الشعبوي هناك من احتلال المركز الأول، متقدماً بفارق كبير على التحالف المسيحي الديمقراطي (يمين وسط)، في حين تجاوز حزب الخضر بالكاد عتبة نسبة الـ 5%، التي تسمح للأحزاب بدخول البرلمان الألماني.
وحتى في ولاية تورينعن المجاورة، تحول حزب البديل من أجل ألمانيا إلى القوة الأولى، متقدماً بفارق ضئيل على الاشتراكيين الديمقراطيين، وبذلك، يبدو أن حزب البديل حافظ على قواعده الانتخابية في جنوب شرق ألمانيا (معقل الحزب)، لكن بشكل عام ،وبالنظر للنتائج على الصعيد الوطني، فقد خسر حزب البديل من أجل ألمانيا اثنين في المائة من الأصوات، مقارنةً مع 2017، واحتل المركز الخامس في الانتخابات بعشرة في المائة من الأصوات، بعد أن كان ثالث أقوى حزب في انتخابات 2017 وأكبر كتلة معارضة بالبرلمان.
ورغم هذا التراجع، فقد رفض قادة الحزب وصف نتائج الانتخابات الأخيرة بالهزيمة، وأكد تينو شروبالا، وهو الرئيس المشارك للحزب، على أن بلوغ الحزب عشرة في المائة يعتبر “نتيجة جد مستقرة”، مضيفاً أنه سيتم في غضون الأيام المقبلة تحليل الجهة التي انتقلت إليها أصوات الناخبين الذي سبقوا أن صوتوا للحزب في 2017.
ومن جهتها، قالت أليس فايدل، الرئيسة الثانية للحزب (الذي يتبع نظام الرئاسة المشتركة)، أنها “لن تسمح لأي أحد التبخيس من النتيجة التي حققها حزبها”، واشتكت في الوقت ذاته مما وصفته بتحيز وسائل الإعلام والحملة الانتخابية غير العادلة للأحزاب المنافسة.
وإذا كانت شعبية حزب البديل من أجل ألمانيا في غرب البلد قد تراجعت، فإن نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة أظهرت أن الحزب اليميني الشعبوي استطاع توطين نفسه كقوة سياسية في كل الولايات الألمانية التي كانت تابعة سابقاً لألمانيا الشرقية (جمهورية ألمانيا الديمقراطية)، ويتمتع الحزب هناك في الغالب بعشرين في المائة من الأصوات، مقابل عشرة في المائة على الصعيد الاتحادي.
واستطاع الحزب التصدي لمحاولة المسيحيين الديمقراطيين في شرق ألمانيا بالتوجه أكثر إلى اليمين، من أجل التأثير في أصوات الناخبين بشرق ألمانيا، وما يؤكد ذلك، هو فشل الرئيس السابق لجهاز حماية الدستور هانس غيورغ ماسين، الذي ترشح في تورينعن واكتفى بالمركز الثالث، وهو ما دحض الافتراض القائل بإن أحزاب يمين الوسط قادرة على استقطاب الأصوات التي تصوت لحزب البديل.
وفي بداية 2021، أحدث تحليل قام به النائب في التحالف المسيحي ومفوض الشرق في الحكومة الألمانية ماركو فاندرفيتس، ضجةً كبيرةً، فقد صرح على بودكاست تابع لصحيفة “فرانكفورتر ألغيمانيه تسايتونغ”، قائلاً: “نحن نتعامل مع أشخاص جزئيا طبعوا على الديكتاتورية، ولم يتمكنوا حتى بعد 30 سنة من التحول إلى الديمقراطية”.
وتصريحات فاندرفيتس هذه أغضبت الكثير من سكان شرق ألمانيا، لكنها من ناحية أخرى تظهر مدى تأثير الانقسام الذي ما يزال قائماً، يسبب “الحرب الباردة”، بغض النظر علن التطورات التي تحققت في الثلاثين عاما الأخيرة، وتظهر أيضاً كيف أن الجدل السياسي حول شرق ألمانيا ما زال يبنى في غالبه على فترة بين 1949 و1989.
وفي الواقع، فإن التغيرات التي حدثت في شرق ألمانيا بعد الوحدة، كانت كبيرةً جداً، خاصةً على الصعيد الديموغرافي، فقد بلغ عدد الشباب والمثقفين الذين غادروا ألمانيا الشرقية منذ 1990 بحوالي أربعة ملايين، وهو ما أثر على المشهد السياسي بالمنطقة، وعلاوةً على ذلك، ما تزال الولايات الشرقية في ألمانيا أقل نمواً من الناحية الاقتصادية، مقارنةً مع الولايات الغربية.
وفي جميع أنحاء ألمانيا، أظهرت الدراسات التي أجراها معهد “إنفراتست” لاستطلاعات الرأي، أن حزب البديل من أجل ألمانيا يميل إلى أن يكون قوياً في المناطق التي تشهد تراجعاً في الكثافة السكانية، ولذلك، يصفه بعض المحللين السياسيين بـ”الحزب الاحتجاجي”، لكونه يقدم للذين شعروا بأنهم “تخلفوا عن الركب” بعد توحيد ألمانيا، متنفساً للتعبير عن استيائهم من “النخب” السياسية في برلين.
واعتبر الكثير من المحللين أن صعود الحزب يأتي في سياق المناخ الدولي الذي يشهد موجة صعود التيار الشعبوي، وهو ما يعكسه التصويت على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وقبل ذلك، اختيار ترامب كرئيس للولايات المتحدة الأمريكية.
وعلى الصعيد الداخلي للحزب فإن البديل من أجل ألمانيا منقسم بين تيار “معتدل” وآخر أكثر يمينية، والأخير حسب بعض المراقبين أصبح يتقوى أكثر ويتجه نحو القومية العنصرية ويجنح في بعض الحالات نحو معاداة السامية.
وبعض الوجوه التي تمثل التيار الأكثر شعبوية في الحزب فشلت في انتزاع مقاعد لها بالبرلمان، لكن بالمقابل هناك العشرات بين النواب الجدد للحزب يقال بأن لهم صلات بجماعات متطرفة.
وبشكل عام، فإن الكتلة الجديدة لحزب البديل من أجل ألمانيا بالبرلمان قد قلت بعشرة نواب بالمقارنة مع الانتخابات السابقة، وبات عددها يبلغ 83 نائبا.
والتراجع الذي حصل للحزب في الانتخابات الأخيرة يرجع أيضاً إلى فشل الحزب في تعبئة قاعدته الحزبية بقضية جديدة وقوية، وبخلاف ما حصل في انتخابات 2017، حينما ركز على قضية الهجرة، مستغلاً موجة اللجوء التي شهدتها ألمانيا في 2015 و2016 عندما لجأ قرابة مليون شخص إلى ألمانيا بسبب الحروب والأزمات الإنسانية.
وحقيقة أن حزب البديل من أجل ألمانيا لم يعد أقوى حزب معارض في البرلمان، ستحرمه من أي دور بارز، ونتيجة لذلك، قد يفقد ظهوره في الخطاب السياسي في ألمانيا.
بن كنيغت / رينا غولدنبيرغ – دويتشه فيله[ads3]